هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، أنشأت كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا آلية مالية جديدة أطلقوا عليها اسم "إنستكس" (INSTEX)، في محاولة أوروبية لمنع انهيار الاتفاق النووي بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب منه.
ووقعت إيران في تموز/ يوليو 2015 اتفاقا نوويا مع الدول الكبرى (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) يفرض قيودا على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية عن طهران، لكن انسحاب ترامب الأحادي في العام 2018، وقراره بفرض عقوبات قاسية ضد طهران، أثار مخاوف الأوروبيين، ودفعهم لإنشاء "إنستكس"؛ للالتفاف على الحظر الأمريكي.
والجمعة الماضية، قررت ست دول أوروبية جديدة (فنلندا وبلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج والسويد)، الانضمام إلى آلية "إنستكس"، وسط ترحيب من باريس ولندن وبرلين، وتشكيك إيراني وإدانة إسرائيلية، بزعم أنها تشجع طهران على قمع الاحتجاجات.. فما هي هذه الآلية؟.. وهل تنجح في كسر الحظر الأمريكي ضد طهران؟
اقرأ أيضا: انضمام ست دول أوروبية جديدة لآلية المقايضة التجارية مع طهران
تشكيك إيراني
وفي تعليقه على قرار الدول الأوروبية الست، شكك رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) الإيراني، علي لاريجاني، في جدوى الآلية، وقال في مؤتمر صحفي، الأحد: "من غير الواضح ما إذا كانت الآلية ستحقق نتائج ملموسة".
وأضاف: "طالما لم تشرع الدول الأوروبية في التعامل التجاري مع إيران، لا يمكن عقد الأمل على تفعيل إنستكس، ولكننا نأمل بأن يسهم انضمام 6 دول إلى إنستكس في منح طاقة جديدة إلى هذه الآلية المالية، وأن يؤدي إلى تفعيلها".
وأردف: "في ظروف الحظر الراهنة، فإن إنستكس يمكنها حاليا تغطية 20% من العلاقات الاقتصادية الإيرانية، وفي المراحل الأخرى يمكن توسيع هذه النسبة".
ونشر وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، الاثنين، تغريدة عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وصف فيها "إنستكس" بـ"الكماشة"، قائلا: "على الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي والسويد، بوصفها الدول المساهمة في آلية إينستكس، أن تقوم بدل إطلاق تهديدات وقحة ووعود خاوية، بإجراء بسيط جدا وتؤدي مسؤولية إنسانية صغيرة، من خلال مطالبة شركة "مولنليكي" ببيع الأدوية الخاصة بمعالجة الأطفال الإيرانيين المصابين بمرض انحلال البشرة الفقاعي لكي تغطي بها جروحهم".
اقرأ أيضا: شروط أمريكية "تعجيزية" للسماح بوصول صادرات إنسانية لإيران
— Javad Zarif (@JZarif) 2 December 2019
ما هي آلية عمل "ٌإنستكس"؟
ويفترض أن تعمل "أداة دعم المبادلات التجارية"، المعروفة اختصارا "إنستكس" ومقرها باريس كغرفة مقاصة (خارج النظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة)، تتيح لإيران مواصلة بيع النفط مقابل استيراد منتجات أخرى أو خدمات ضرورية لاقتصادها. لكن الآلية لم تجرِ أي عملية حتى الآن، وهو ما يثير دائما علامات استفهام وانتقادات داخل إيران حول مدى نجاح الآلية.
ووفقا للمسؤولين الأوروبيين، فإن "إنستكس" ستغطي فقط المواد الغذائية والأدوية في المرحلة الأولى إذا أصبحت جاهزة للعمل، لكن إيران تريد توسيع نطاق الآلية، لتتعدى الأدوية والغذاء إلى العمليات المالية والتبادلية الأوسع نطاقا، والتي تنعكس على مؤشرات الاقتصاد الإيراني إيجابا، وهو ما تتريث به الدول الأوروبية.
وتقول مسؤولة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن الآلية تستهدف السماح للشركات الأوروبية بالتداول بحرية أكبر مع إيران في مجموعة من السلع، بما في ذلك تلك التي تخضع للعقوبات، وإذا نجحت الخطة، فمن المحتمل أن تكون أكثر فائدة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي ليس لها روابط وامتدادات في الولايات المتحدة.
ويرى مؤسس منتدى الأعمال الأوروبي الإيراني، إيسفنديار باتمانغيليدغ، أن آلية "إنستكس" حتى لو كانت محدودة، يمكن أن تمهد الطريق في النهاية لشيء أكثر طموحا.
وجاء في البيان التأسيسي لآلية "إنستكس"، الذي صدر في 30 كانون الثاني/ يناير الماضي، أن "إنستكس" هي شركة ذات غرض خاص، تهدف إلى تسهيل التجارة المشروعة بين الفاعلين الاقتصاديين الأوروبيين وبين إيران.
وقال البيان، إن الآلية الجديدة ستركز بداية على القطاعات الأكثر أهمية بالنسبة للشعب الإيراني، مثل الأدوية والمستلزمات الطبية والأغذية والسلع الزراعية.
وأضاف: "من المزمع على المدى الطويل أن تكون آلية إنستكس مفتوحة أمام الجهات الاقتصادية الفاعلة من الدول الأخرى التي ترغب في التجارة مع إيران، وستواصل مجموعة الدول الأوروبية الثلاث اختبار كيفية تحقيق هذا الهدف".
اقرأ أيضا: 3 دول أوروبية تؤسس قناة للمعاملات التجارية مع إيران
تعهد أوروبي وتهديد أمريكي
وخلال تصريحات له في تموز/ يوليو الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني، إن تنفيذ آلية "إنستكس" يعد مقدمة لـ11 تعهدا أوروبيا في إطار الاتفاق النووي، تشمل بيع النفط الإيراني، وإعادة عائدات النفط الإيراني، والاستثمار في إيران، والشحن والنقل، والملاحة الجوية والبحرية.
وأضاف ظريف: "الأوروبيون لم ينفذوا أيا من هذه التعهدات الأحد عشر، كما أن "إنستكس" لا وجود لها، وحتى إذا تم إطلاقها فستكون مقدمة لـ11 تعهدا، لذا يتعين على الأوروبيين تنفيذ هذه التعهدات".
وأكد وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة، في تصريحات سابقة، أن "إنستكس" لن يكون لها أي قيمة إذا لم تنقل أموال النفط الإيراني، مطالبا النظام البنكي الإيراني باستعادة أموال النفط المصدرة إلى الخارج.
وتعتبر واشنطن أن الآلية المالية الأوروبية مع إيران فرع من البنك المركزي الإيراني، الذي يخضع حاليا للعقوبات الأمريكية، وعندما بدأ الإعلان عن هذه الآلية المالية بعثت وزارة المالية الأمريكية رسالة إلى رئيس "إنستكس" آنذاك، حذرت فيها من أن هذه الآلية يمكن أن تخضع للعقوبات.
لكن من المشكوك فيه ما إذا كانت واشنطن ستستهدف مباشرة الحكومات الأوروبية التي تدعم "إنستكس"، كون هذه الخطوة من شأنها أن تقيد علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء الرئيسيين، وتثير اضطرابات مالية، بحسب "دويتشيه فيليه".
اقرأ أيضا: بريطانيا: هذا ما ستفعله أوروبا لإبقاء "الاتفاق النووي" حيا
ما هي دوافع الحرص الأوروبي على "إنستكس"؟
اعتبر مختصون في الشأن الإيراني، أن التوسع الأوروبي في الانضمام إلى "إنستكس" يعكس حرص الأوروبيين على منع انهيار الاتفاق النووي، مؤكدين أن التشكيك الإيراني في جدوى الآلية قد يعزز من فجوة الثقة بين طهران والاتحاد الأوروبي، ويقلل من فرص نجاح تطبيق "إنستكس".
وقال المحلل السياسي إسماعيل خلف الله، في حديث سابق لـ"عربي21"، إن "إنستكس تهدف للحفاظ على الصفقات التجارية الأوروبية الإيرانية".
وتابع: "الاتحاد الأوروبي يريد الاستفادة من موارد طهران النفطية، بالإضافة إلى الاستثمارات الصناعية والتجارية الأخرى، خاصة ما تعلق بالدواء والمعدات الطبية والمواد الغذائية، مع استحداث آلية جديدة للتعامل باليورو بدل الدولار، وهو ما يمثل في اعتقادي تحديا أوروبيا للمنظومة المالية الدولية التي تتعامل بالدولار الأمريكي".
واعتبر المختص بالشأن الأوروبي حسام شاكر، أن "إنستكس تعكس حرص أوروبا على جملة من الأهداف، أبرزها إنقاذ الاتفاق النووي، التي بذلت دول الاتحاد الأوروبي جهدا كبير للمحافظة عليه.
وقال شاكر لـ"عربي21": "صحيح أن الآلية والترتيب الأوروبي الجديد لن يقضي عمليا على تأثير العقوبات الاقتصادية على إيران، لكنه سيخفف من شموليتها، ومن ثَمّ سيبقى نافذة مفتوحة لإيران في مواجهة هذه العقوبات".
وأوضح أن "أوروبا لها مصالح اقتصادية مع إيران، وهذه الآلية ستجعل هناك فرصة للشركات الأوروبية المتوسطة والصغيرة لأن تستثمر وتواصل عملها مع السوق الإيراني الضخم".