نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافيين مصطفى سليم وإيرين كاننغهام، يقولان فيه إن موجة جديدة من الاحتجاجات اجتاحت أنحاء
العراق يوم الخميس، في الوقت الذي اشتبكت فيه قوات الأمن مع المتظاهرين في بغداد وبعض المدن في الجنوب، ما تسبب بمقتل أكثر من 20 شخصا، وحرق بعثة دبلوماسية، ودفع بالحكومة إلى تشكيل "خلايا أزمة" لإدارة الفوضى التي تتكشف.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن موجة العنف الأخيرة -التي تضمنت هجوما على القنصلية
الإيرانية في
النجف، وهي مدينة مقدسة لدى الشيعة- أبرزت التحديات التي تواجه السلطات بعد شهرين من
المظاهرات ضد الحكومة، بسبب نسبة البطالة العالية والفساد وضعف الخدمات في هذا البلد الغني بالنفط.
ويقول الكاتبان إن هذه الاحتجاجات تجر إيران، التي يحكمها رجال الدين الشيعة، إلى هذه الاضطرابات، فإيران هي الداعم الرئيسي للحكومة العراقية ولها نفوذ على المليشيات الشيعية المحلية، مشيرين إلى أن المتظاهرين يكثفون في الوقت ذاته الضغط على قيادة العراق المحاصرة بتحركات جريئة لاحتلال الجسور والشوارع الاستراتيجية.
وتفيد الصحيفة بأن المتظاهرين في العاصمة بغداد يحاولون السيطرة على جسور تقود إلى المنطقة الخضراء المحصنة، التي فيها الكثير من مكاتب الحكومة، فيما قطعت حواجز من الإطارات المشتعلة الطرق في النجف.
ويلفت التقرير إلى أن المواجهات تحولت إلى قاتلة في الناصرية، على بعد 160 ميلا جنوب بغداد، حيث قتلت قوات الأمن العراقية حوالي 22 متظاهرا اجتمعوا على جسر صباح الخميس، بحسب مسؤول طبي محلي، ووصف المشهد في مستشفى الناصرية الرئيسي بأنه "مأساوي"، حيث النساء تنوح على جثامين القتلى، مشيرا إلى أن المتظاهرين قاموا بإغلاق طريق رئيسي، وحاصروا مركز الشرطة الرئيسي، بحسب الناشط المحلي علي الغزي، البالغ من العمر 31 عاما.
وينقل الكاتبان عن مديرة أبحاث الشرق الأوسط لدى منظمة العفو الدولية، لين معلوف، قولها: "المشاهد من الناصرية.. تشبه عن كثب ساحة حرب أكثر منها شوارع وجسور مدينة".
وتذكر الصحيفة أنه ليس من الواضح عدد القتلى في أنحاء العراق، فقالت وكالة أنباء "رويترز" نقلا عن مسؤولين طبيين، إنه قتل على الأقل 35 شخصا.
وينوه التقرير إلى أن الحكومة فرضت حظرا شاملا للتجول في النجف، بعد أن قام المتظاهرون بحرق القنصلية الإيرانية ليلا، وتم إخلاء القنصلية من موظفيها قبل ذلك، بحسب الإعلام الإيراني، إلا أن هذا الفعل لقي توبيخا شديدا من المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، عباس موسوي، الذي طلب أن يقدم مرتكبو الفعل للمحاكمة، وذكر الحكومة العراقية بمسؤوليتها في حماية الأماكن الدبلوماسية.
ويشير الكاتبان إلى أن هذا الهجوم جاء بعد أن تم حرق القنصلية الإيرانية في كربلاء في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، لافتين إلى أن الحكومة العراقية قامت بإنشاء خلايا أزمة في عدة مناطق لإدارة هذه الأزمة، وبحسب بيان عسكري، فإن تلك الخلايا "سيقودها المحافظون، لكنها ستتضمن قادة عسكريين أيضا، سيمسكون بزمام قوات الأمن المحلية".
وتورد الصحيفة نقلا عن المتظاهرين في النجف، الذين قاموا بإغلاق الشوارع وتظاهروا على مدى الأيام القليلة الماضية، قولهم إنهم هاجموا القنصلية لأن مطالبهم لم تتم الاستجابة لها، ولعدم استماع أحد إليهم، مشيرة إلى أن أربعة متظاهرين آخرين قتلوا في بغداد، يوم الخميس، عندما اشتبكوا مع قوات الأمن على جسر استراتيجي بالقرب من موقع التظاهر الرئيسي.
وينقل التقرير عن ياسر محمود، وهو ناشط محلي، قوله: "تظاهرنا لمدة شهر، لكن الحكومة تعاملت معنا وكأننا غير موجودين"، مشيرا إلى أن مظاهرات النجف كانت إلى الآن سلمية.
وأضاف محمود: "ذهبنا للقنصلية لأننا الآن ندرك من هو السبب وراء كل ما نمر به.. إيران تسيطر على هذه الأحزاب الإسلامية كلها ومليشياتها المسلحة في الشوارع التي جعلت حياتنا جحيما، إنهم يسيطرون على الاقتصاد في المدينة وكل شيء يذهب لهم، في الوقت الذي لا نستطيع فيه نحن حتى الحصول على وظيفة".
ويقول الكاتبان إن المظاهرات التي تطالب بتغييرات واسعة في النظام السياسي تميزت بأنها بشكل جزئي ضد إيران، خاصة في جنوب العراق الشيعي، مشيرين إلى أن النجف شكلت بؤرة للنفوذ الإيراني؛ بسبب أهميتها لدى الشيعة، وهي مركز للمعاهد الدينية وأقوى رجال الدين الشيعة -بمن فيهم آية الله علي
السيستاني- بالإضافة إلى أنها مركز حج للشيعة، حيث يزورها مئات الآلاف من إيران وحدها.
وتلفت الصحيفة إلى أن قادة المليشيات الشيعية المقربة من إيران أصدروا بيانا يوم الخميس قالوا فيه إن السيستاني، الزعيم الروحي لكثير من شيعة العراق، في خطر بسبب المظاهرات وتعهدوا بحمايته، مشيرة إلى أن السيستاني، وهو إيراني، سعى للتقليل من نفوذ رجال الدين الشيعة في العراق، وأيد مناداة المتظاهرين بالإصلاحات.
ويورد التقرير نقلا عن قائد قوات الحشد الشعبي، وهي تحالف يجمع عدة مليشيات شيعية موالية لإيران، أبي مهدي المهندس، قوله: "سنقطع يد أي شخص يحاول أن يمس به"، فيما قال قيس الخزعلي، وهو قائد مليشيا شيعية أخرى، ذهب الى النجف حيث أصدر تحذيره للمتظاهرين: "من أراد أن يختبرنا فليتفضل".
ويعلق الكاتبان قائلين إن هذه التصريحات أثارت المخاوف من أن تستغل المجموعات الموالية لإيران المظاهرات في المدينة المقدسة -التي فيها مقام للإمام علي، وهو إحدى أهم الشخصيات لدى الشيعة- حجة لقمع المتظاهرين، لافتين إلى أن المليشيا التابعة للسيستاني، التي تعمل باستقلال عن إيران، رفضت العروض للمساعدة في حمايته.
وتستدرك الصحيفة بأن سكان النجف سخروا من تصريحات قادة المليشيات على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالوا إن مشكلتهم مع إيران وليست مع السيستاني، الذي يعارض النفوذ الإيراني، فقال عماد الكعبي، (26 عاما)، وهو ناشط من النجف: "هذه البيانات نكتة، الجميع يعلم أن لا أحد سيقترب من السيستاني"، وأشار المتظاهرون إلى أن القنصلية الإيرانية تقع بعيدة عن المدينة القديمة حيث يعيش السيستاني.
وينقل التقرير عن الكعبي، قوله إن تصريحات قادة المليشيات ليست سوى حجة "لنشر قواتهم في الشوارع وأخذ الثأر لحرق القنصلية".
ويورد الكاتبان نقلا عن "أسوشييتد برس"، قولها إنه قتل شخص واحد على الأقل في الهجوم على القنصلية، وجرح 35 شخصا على الأقل، مشيرين إلى أنه قتل ما لا يقل عن 350 شخصا في العراق منذ اندلعت المظاهرات في 1 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث تدور معارك يومية في قلب بغداد، ويحاول المتظاهرون السيطرة على جسور رئيسية توصل إلى مقر الحكومة.
وبحسب الصحيفة، فإن قوات الأمن واجهت جموع المتظاهرين بالذخيرة الحية والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، وكانت النتائج في كثير من الأحيان قاتلة.
وينوه التقرير إلى أن المظاهرات اجتاحت إيران بسبب ارتفاع اسعار البنزين هذا الشهر، وقالت وزارة الداخلية إنه شارك حوالي 200 ألف شخص في المظاهرات في أنحاء البلاد، وبأنه تم اعتقال 7 آلاف شخص، بحسب الإعلام الإيراني المحلي.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن زعيم إيران الروحي آية الله علي خامنئي، اتهم في خطاب له أمريكا بالتآمر للتسبب بهذه الاضطرابات.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)