قضايا وآراء

الثورات المضادة وسياسة التوحش ضد المدافعين عن حقوق الإنسان

محمد الأحمدي
1300x600
1300x600
أسفرت سياسات دول الثورات المضادة في المنطقة العربية عن سلسة من النتائج الكارثية خلال السنوات الماضية، على صعيد الانتكاسات في حالة حقوق الإنسان أو تدمير السلم الدولي والعلاقات الدولية.

لم تفلح الثورات المضادة في وأد طموحات الشعوب العربية المنتفضة، إذ شهدنا موجات غضب أخرى، ما تلبث أن تخمد لتشتعل جذوتها مرة أخرى، بدءا بالسودان مرورا بالجزائر ثم لبنان والعراق مؤخرا. لكن سياسات التوحش التي اتبعتها أنظمة الثورات المضادة نجحت وإن مؤقتا في تقويض مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والمفاهيم الأساسية للعلاقات الدولية، ومحاولة تجريم الحقوق السياسية والمدنية باعتبارها إرهابا تارة حسب تصنيفاتها، ومساسا بالأمن والسلم تارة أخرى.

عمدت بعض الحكومات العربية إلى إساءة استخدام السلطات وفائض الأموال، في أكبر عملية إفساد لمنظومة العلاقات الدولية وشراء الولاءات لتمرير مشاريع الثورات المضادة بكل جرائمها وأوزارها.

شهدنا على سبيل المثال صمتا دوليا مريبا إزاء الانقلابات العسكرية وبعض الحروب الأهلية في أكثر من بلد عربي، كأبرز تجليات الثورة المضادة.

شهدنا أيضا سلسلة فضائح مدوية لعاصمتي الثورة المضادة الرياض وأبو ظبي، بالتوازي مع حالة غير مسبوقة من التواطؤ للعديد من الحكومات الغربية إزاءها، أو مواقف خجولة لا ترقى إلى مستوى الجريمة، وتهدف إلى محاولة امتصاص الغضب واحتواء التداعيات، أكثر منه حماية الحقوق وتحقيق العدالة وحماية حق الإنسان من التعدي، بدءا بجريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول وإخفاء جثته، ووصولا إلى فضيحة التجسس على نشطاء ومعارضين سعوديين وتسريب حساباتهم على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، لصالح حكومتهم، ما أسفر عنه وقوع ضحايا في قبضة السلطات السعودية؛ انتهى الحال ببعضهم إلى الوفاة تحت التعذيب، بينما لا يزال المئات من الناشطين ودعاة الإصلاح والعلماء في المعتقلات أقبية الموت البطيء.

أما الكارثة الأكبر فداحة، فقد تمثلت في تبني عاصمتي الثورات المضادة مهمة تضليل المجتمع الدولي ومؤسساته، واستغلال مخاوف العالم من خطر الإرهاب، والزج بأسماء شخصيات سياسية ومنظمات حقوقية في قوائم الإرهاب انتقاما منهم لدورهم في مناهضة الاستبداد وفضح جرائم الانتهاكات. وفي الوقت الذي كان هؤلاء الضحايا يؤسسون حراكا عربيا لمنع الإفلات من العقاب على جرائم انتهاكات حقوق الإنسان، وجدوا أنفسهم في دائرة الاستهداف والتضييق وحملات التشويه والقمع والاغتيال سياسيا عبر تهمة الإرهاب.

ففي اليمن، على سبيل المثال، كشف مؤخرا الباحث الأمريكي المتخصص في الشأن اليمني وعضو فريق الخبراء البارزين الدوليين التابع للأمم المتحدة، جريجوري جونسن، عن تلقي الفريق ملفات العديد من الشخصيات السياسية اليمنية قدمتها دولة الإمارات باعتبارهم عناصر في تنظيم القاعدة، بينما لم يكونوا سوى قيادات في حزب الإصلاح الذي تكن له أبو ظبي عداء واضحا، باعتباره أحد الرافعات السياسية للثورة السلمية في اليمن، وأحد أكبر عوائق أبو ظبي في تمرير مشاريعها الطامعة في اليمن، حسب رأي كثيرين.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه أبو ظبي حربها على العديد من المؤسسات الحقوقية والجمعيات الخيرية في أوروبا والولايات المتحدة، تأتي منظمة الكرامة على رأس قائمة هذه المنظمات، رغم أنها ظلت على مدى سنوات مصدرا موثوقا لدى وسائل الإعلام الدولية وآليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في مختلف القضايا التي اشتغلت عليها المنظمة، ولم تتوانَ الحكومة الأمريكية ذات يوم عن مراسلة المنظمة للحصول على إذن بالحقوق الملكية الفكرية لإعادة نشر ملخص قانوني؛ كجزء من تقرير أعدته المنظمة يتعلق بعمليات القتل المستهدف بواسطة الطائرات الأمريكية المسيّرة في اليمن.

يبدو المشهد العربي قاتما بفعل الثورات المضادة، وهو ما يلقي بظلاله على الصعيد الدولي، حيث لا يخفى قصور الإرادة الدولية عن تحقيق العدالة لإنصاف ضحايا القمع، فضلا عن حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، أو على الأقل وضع حد لسياسات العبث والتدمير التي تنتهجها دول الثورات المضادة.

وعليه، إلى مدى يمكن تجاوز هذه الحالة التي باتت سمة للفشل الجمعي في إدارة دفة العلاقات الدولية، في ظل حقبة صعود اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية؟
التعليقات (0)