هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا تزال الدول الأوروبية مترددة في مسألة استقبال مواطنيها المعتقلين، الذين كانوا يقاتلون مع تنظيم الدولة بسوريا والعراق، رغم الضغط الأمريكي لأجل استلامهم ومحاكمتهم، وتحمل مسؤولية مشتركة تضمن عدم تمكنهم من العودة لميدان المعركة.
وتُبرر أوروبا موقفها الرافض لمحاكمة مواطنيها الأعضاء
بتنظيم الدولة على أراضيها، بما تقول إنها "صعوبات في جمع الأدلة التي
تدينهم"، إضافة إلى الخشية من خطرهم في قيادة هجمات جديدة على الأراضي الأوروبية.
وأمام هذا التبرير، يتبادر للأذهان تساؤلات عدة، منها ما حقيقة هذه المخاوف وهل هناك أسباب أخرى؟ وفي ظل العودة الفعلية لعدد من هؤلاء المعتقلين، كيف ستتعامل الدول الأوروبية معهم؟
ومجيبا على ذلك، يؤكد المختص بالشأن الأوروبي حسام
شاكر وجود خشية أوروبية "حقيقة" من عودة مواطنيها المسومون بالتبعية
لـ"داعش"، مشيرا إلى أن "هذه الوصمة تعميمية، ولا يمكن التحقق
منها، ومن الصعب القول إنهم جميعا كانوا منخرطين في التنظيم، ومارسوا أعمالا
قتالية".
الصيغة الأوروبية
ويضيف شاكر في حديث لـ"عربي21" أن
"أوروبا لا تريد عودة هؤلاء، وتفضل صيغة من إدارة احتجاز جماعية بعيدة عنها"،
موضحا أن هذه الصيغة تكون استثنائية ومشابهة لتجربة "غوانتنامو"
الأمريكية، لكن من خلال القيام بها بواسطة طرف ثالث.
ويرى أن "هذه الصيغة مستجدة وفيها غموض كبير جدا،
في ظل عدم رغبة أوروبا بتسليط الضوء على هذا الملف، ومحاولة محاكمتهم في الأماكن
التي ارتكبوا فيها جرائمهم"، مشيرا إلى أنه من بين أسباب خشية أوروبا
لعودتهم، أنهم يشكلون قضايا أمنية من شأنها شغل الرأي العام الأوروبي لسنوات
مقبلة.
اقرأ أيضا: خلاف داخل التحالف حول تسليم أسرى "داعش".. وضغط أمريكي
ويشدد شاكر على أن "هذه الحالة مؤرقة للغاية
بالنسبة لأوروبا، ومسألة احتواء هذه الأعداد في السجون والبيئة الأوروبية تشكل
مأزقا حقيقا، لاعتبارات تتعلق بالتأثير على بيئة المراكز الإصلاحية"، لافتا
إلى أنه "لا توجد في أوروبا أنظمة قانونية تسمح بإخراج أشخاص من نطاق
العدالة".
ويتابع: "لكل شخص الحق في حيازة محاكمة عادلة،
يستطيع من خلالها بالترافع، وعرض قضيته على الرأي العام إن تطلب ذلك (..)، وهذا لا
يبدو مريحا للطرف الأوروبي"، بحسب المختص بالشأن الأوروبي حسام شاكر.
وفي إطار مختلف، تعيد الخبيرة بالشؤون الأوروبية هالة
الساحلي القضية إلى بداية خروج هؤلاء الشباب من أوروبا وتوجههم إلى سوريا، وتقول
إن "أوروبا سمحت ضمنيا بمغادرتهم، لتفادي الشغب الذي أحدثوه من خلال التظاهرات
والاحتجاجات والانعكاسات الاجتماعية".
قنابل موقوتة
وتتابع الساحلي في حديثها لـ"عربي21" أن
"توجهات الحكومات الأوروبية كانت
تتطابق مع مطالب شبابها، الذين يريدون الإطاحة بنظام الأسد في سوريا"، منوهة
إلى أن "معظم هؤلاء الشباب يعانون من مشاكل اندماج وتهميش في المجتمع أو
لديهم سوابق عدلية".
وتشير إلى أن "هذه
الحكومات ظنت أنها ضربت بحجر واحد عصفورين من منطلق أنهم لن يعودوا"، مستدركة
بقولها: "غير أن هؤلاء الشباب عادوا بعد
أن تلقوا تدريبات عسكرية وأصبحوا أكثر خطورة ومتشبعين بالفكر المتطرف، علما أنهم
كانوا و لا زالوا ناقمين على المجتمعات الأوروبية، وبالتالي هم قنابل موقوتة"،
بحسب وصف الخبيرة بالشؤون الأوروبية.
وتعتقد الساحلي أن هؤلاء المعتقلين قنابل موقوتة تهدد
السلم الأهلي وأمن دولهم الأوروبية، مستشهدة بأنه "عندما عاد بعضهم إلى فرنسا،
تم استحداث برنامج لإعادة تأهيل هؤلاء الشباب بشكل تطوعي، لكن البرنامج فشل، لعدم
تجاوب الشباب المتواجد في السجون الفرنسية، بعد أن حوكموا بتهم بسيطة، مثل مغادرة
الأراضي دون إعلام السلطات، أو إطلاق تهديدات معادية للسامية".
اقرأ أيضا: وزير تركي: سنعيد معظم محتجزي داعش لبلادهم مع نهاية العام
وتؤكد أن "مدة المحكوميات كانت قصيرة، ومنذ السنة
الماضية بدؤوا بالخروج من السجون الفرنسية والألمانية، وخلال السنوات المقبلة
سيغادر السجون الأوروبية حوالي ألف شاب"، منوهة إلى أن "الحكومات
الأوروبية زادت من سياسات التقشف من جهة، والقيام باقتطاعات في ميزانيات المساعدات
والاندماج، ما أدى إلى فتح الباب أمام منظمات حقوقية مجهولة للتغلغل في الأحياء
الفقيرة والمهمشة".
وتضيف الساحلي: "في المقابل ونتيجة العمليات
التخريبية واستقدام لاجئين سوريين، والخوف على الهوية الوطنية الأوروبية، صعدت
التيارات الشعبوية والمسيحية والمتطرفة، وبدأت مواجهات في بعض الدول مثل ألمانيا
وبلجيكا وفرنسا واليونان وغيرها".
وتشدد على أن "هذا الشيء أخاف الرأي العام وخلق
ذعر اجتماعي"، مشيرة إلى أن "القانون الأوروبي يعرقل أيضا محاكمة عناصر
تنظيم الدولة، ويلزم تقديم أدلة على الجرائم (..)، ومنذ سنوات يطالب قضاة أوروبيون
تعاونا مع السلطات القضائية السورية بهذا الشأن".
مشروع بلجيكي
وتلفت الساحلي إلى أن "هناك مشروع بلجيكي،
لمحاكمة هؤلاء الشباب على جرائمهم ثم يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية (..)، لكن
تبقى الموافقة السياسية بعد إقناع الرأي العام وإيجاد الموزانة اللازمة"،
مسبتعدة في الوقت ذاته أن يكون هناك قرارا أوروبيا موحدا ومشتركا حول كيفية
التعاطي مع هؤلاء المقاتلين، على المدى القريب.
لكن الخبير في شؤون الجماعات الجهادية حسن أبو هنية
يعتقد أن "دول الاتحاد الأوروبي لا تزال متشددة في التعامل مع عودة المقاتلين
وعائلاتهم المشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة، رغم عدم وجود سياسة أوروبية موحدة حول
ملف المقاتلين خصوصا، ومسألة الإرهاب عموما".
ويشير أبو هنية في مقال نشرته "عربي21" إلى
أن "سياسات دول الاتحاد الأوروبي تتفاوت"، مبينا أن "ألمانيا أكثر
تساهلا مقارنة بفرنسا الأكثر تشددا (..)، وقد احتدم الجدل والنقاش مرة أخرى عندما اجتمع
وزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في واشنطن خلال
الشهر الجاري".
اقرأ أيضا: تركيا ترحل عددا من عناصر تنظيم الدولة الأجانب إلى بلدانهم
وبحسب أبو هنية، فإن "المقاربات الدولية حول
الإرهاب تستند إلى معالجة قصيرة الأمن من خلال نموذج الحرب والعدالة الجنائية، فهي
تتعامل مع مسألة المقاتلين الأجانب كإرهابيين أو باعتبارهم إرهابيين محتملين وفق
منطق التجريم".
ويستدرك أبو هنية قائلا: "مع أن الإحصاءات تشير
إلى أن أغلبية المقاتلين الأجانب العائدين لا يتوفرون على نواية عدائية، الأمر
الذي يتطلب إعادة النظر بالإجراءات الأمنية والقانونية وتوسيع المقاربة على المدى
البعيد لتشمل إجراءات أكثر نجاعة وفق منطق السياسات الليبرالية".
ويشدد الخبير في شؤون الجماعات الجهادية على أن
"تعامل أوروبا مع عودة مقاتليها يشكل امتحانا أخلاقيا، فإذا أخفقت فيه، فإن
تنظيم الدولة سيحقق نوعا من الانتصار الأخلاقي مع أتباعه، وسوف يعزز مصداقية رؤيته
حول وضعية المسلمين الدونية في الغرب، وأن الغرب لن يقبل أبدا المسلمين باعتبارهم
آخرين وأغيار ومصدر خطر وتهديد".
ويردف قائلا: "سوف تترسخ المقاربة الصدامية بين
الإسلام والغرب، وتزداد القناعات بأن الغرب يسعى إلى تدمير الدين الإسلامي وأسلوب
الحياة الإسلامي"، متسائلا: "كيف سيكون التعامل مع النساء والأطفال
الذين عاشوا تحت حكم تنظيم الدولة ولم يشاركوا في القتال؟".