قضايا وآراء

تجديد فكر الإخوان المسلمين: الثقة (10)

هاني الديب
1300x600
1300x600
إذا كان ركن الطاعة الذراع الأيمن في تكبيل جماعة الإخوان المسلمين، فإن ركن الثقة كان الذراع الأيسر في هذه العملية.

وإذا كان ركن الطاعة تم تلبيسه رداء شرعيا ليس له، فإني لم أجد لركن الثقة كما قاله البنا سندا شرعيا اللهم إلا إحسان الظن بكل مسلم.

لنقرأ أولا ركن الثقة كما تحدث عنه الإمام البنا:

"الثقــة

وأريد بالثقة:

اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانا عميقا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة، "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" (النساء: 65).

والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات "فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ" (محمد: 20-21).

وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.

ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته:

1- هل تعرف إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟

2- هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه؟

3- هله هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعا قاطعا؛ لا فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟

4- هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة والصواب، إذا تعارض ما أمر به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي؟

5- هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة.

بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها، يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد، وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (لأنفال:63)".

(انتهى كلام البنا).

هذه المرة أيضا (من وجهة نظري ومع كل احترامي) لم يوفق الإمام البنا لا لفظا ولا مضمونا. فها هو بنفسه لا غيره يستخدم آيات قرآنية للتدليل على علاقة تنظيمية، وهو أمر غير مقبول جملة وتفصيلا.

أيضا مسألة اعتبار الأوامر الصادرة من القيادة لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟ هي عبارة عسكرية لا مدنية شأنها شأن وضع ظروفك الحياتية الخاصة تحت تصرف القيادة تعتبر مبالغة في تنظيم مدني.

مسألة الثقة هذه وضعت القيادة في منزلة عالية، وجعلت التعامل معهم أو انتقادهم غاية في الصعوبة، كما أعطتهم هيبة أكبر مما تعطيه حتى لوالديك. فهم على حد قول الإمام؛ الوالد والأستاذ والشيخ والقائد، وكلها صفات تجتمع في فرد واحد هو مسؤولك التنظيمي، بينما أنا أراها تجتمع في شخص واحد؛ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم!!!

لا يوجد شيء في الإسلام اسمه ثقة مجردة هكذا. الثقة لا بد أن تصحبها الشفافية والمحاسبة.

أيمكن أن يثق مسلم في أحد كما يثق في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!

ألا نعلم الحديث المشهور: عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحدّثته، ثم قمتُ فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يَقذف في قلوبكما سوءا، أو قال شيئا".

الرسول يبرر خروجه ليلا مع امرأة هي زوجته ليوصلها إلى بيتها!! لم يركن إلى الثقة ولم يقل لست بحاجة للتبرير!!!

على صعيد التطبيق العملي لهذا الركن من أركان البيعة، نجد أنه حين تنزل التكليفات والأوامر الصادرة من قيادة الجماعة إلى الأفراد يتساءل الأعضاء عن خلفيات القرارات، ولا يقتنعون بشروحات ولا حيثيات قرار مثلا، فتكون الإجابة من الأخ المسؤول (القيادة عندها الصورة كاملة وعندها معلومات أخري ليست عندنا، وكما تعلم ليست كل المعلومات لدي القيادة قابلة للنشر لكل الأعضاء. ثم أليس عندك ثقة في القيادة؟).

إذا تكمم الأفواه المعارضة للقرار بركن الثقة وينفذ القرار بركن الطاعة!!!

لم يستغل ركن الثقة في تمرير قرارات غير مقنعة فحسب، بل في تحصين القيادة من المساءلة والمحاسبة. تتذرع القيادة بالتضييق الأمني للتهرب من المحاسبة. لقد أعلنت حالة الطوارئ داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ اغتيال الإمام البنا حتى اليوم فيما يتعلق بالدور الرقابي لمجالس الشورى، والتي لم تجتمع لتقوم بدورها المحاسبي لعقود (إلا نادرا) بدعوى التضييق الأمني، رغم أن ثمة هكذا تضييق لم يمنع المكاتب الإدارية من الانعقاد بأعداد تجاوزت 15 شخصا في أحلك أيام حسني مبارك. ماذا كان المانع من أن يجتمع 15 عضوا من الشورى مع كل عضو من المكتب الإداري على حدة لمحاسبته ومراجعة أدائه والوقوف على تنفيذ خطته؟! ولماذا لم تكن هناك مجالس شورية على مستوى المناطق والمدن تقوم بنفس الدور؟! ولماذا كان دور مجالس الشورى دائما في تعيين القيادة، ثم لا تجتمع إلا في إفطارات اجتماعية سنوية أو ما شابه ذلك؟!!

ليس عيبا أن يكون هناك تقرير مالي مفصل يصل للأعضاء ويناقش معها!! ولماذا تصل التكليفات التنظيمية في سرية كاملة إلي الأعضاء ولا تصل التقارير المالية المحاسبية على نفس النسق؟ وليس أيضا كفرا أن يسأل الأعضاء أين تذهب اشتراكاتهم المالية؟ ولا كيف توزع المعونات علي الأعضاء المحتاجين، ولا ما هي معايير هذه المعونات، ولا كيف تنفق الأموال في هذه القنوات التلفزيونية وكيف يعين العاملون فيها وكم يتقاضون.. وهكذا. ولا يجب أن يكون سرا كم يتقاضى أعضاء مكتب الإرشاد أو المتفرغون للعمل للجماعة. ولماذا حصل البعض على جنسية دولة ما ولم يحصل عليها آخرون؟ وما هي معايير الترشيحات لهكذا مميزات؟!!

آسف ألف مرة ركن الثقة لا يقدم الإجابة الصريحة على ثمة هكذا تساؤلات مشروعة!!

كما استُخدم ركن الثقة أيضا في تشويه كل المعارضين للقيادة، فالقيادة لا تحتاج لتوضيحات في تبرير تلميحاتها عن معارضيها، وهذا ما أسميه أسلوب "الضرب تحت الحزام"، فترسل رسائل خاصة إلى أعضائها أن لا تسمعوا لهاني مثلا؛ لأن عليه ملحوظات أو غير ملتزم أو لم يعد عضوا، أو حتى ربما عميل يريد تدمير الجماعة، وغيرها كثير مما تمارسه بعض القيادات وتصدقه للأسف جموع كثيرة من الإخوان تحت بند الثقة في القيادة.

إن ثمة هكذا تلميح أو تصريح يجعل نفوس الأعضاء تلقائيا تنفر من هذا الشخص وتتعامل معه بأسلوب الطفيل بن عمرو؛ حين استمع مبدئيا إلى نصيحة الكفار بألا يسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع القطن في أذنيه!!

إذا أردت أن تكون هناك ثقة، فلا بد أن تلجمها بالمحاسبة وتزينها بالشفافية.
التعليقات (4)
محمد الشرقي
الإثنين، 18-11-2019 12:51 م
ـ النقد والثقة … تعارض أم تعادل أم تكامل ( 3) ؟ يمكن القول بأن الثقة في مجالات وسياقات وثقافات عديدة قد تستند على الطابع التجاري البحت الذي يقيس الأمور بمقياس الربح والخسارة المادية العاجلة وذلك لمسايرة الأمور وتحقيق المصالح والمحافظة على العلاقات بأى شكل من الأشكال ، ولكن الأمر يختلف بالمطلق في نطاق الرؤية الإسلامية ، فالثقة هنا يجب أن تعكس حقيقة وطبيعة الإنتماء وأن تكون جزءا أصيلا من السلوك الديني والبنية الشرعية الكلية التي تستند وتعتمد على الأساس العقدي . وفي الأخير يجب التأكيد على ضرورة التدقيق في معنى ومفهوم (الثقة) المقصودة في نطاق العمل الإسلامي حتى نتمكن من تحديد الجوانب المرتبطة بها وحتى نحسن الربط بينها وبين شروطها ، فالثقة في هذا السياق لا ترتبط ولاتتعلق بجانب واحد من جوانب مكونات الشخصية أو الكيان الذي يتم التعامل معه ، فعندما نتحدث عن الثقة بالمطلق ، بدون أن يكون هناك جوانب محددة في بؤرة الشعور تساعدنا أن نتصور المسألة بشكل واضح قد لا نتمكن من الوصول لنتائج مفيدة ،هي المقصودة في الأخير ذلك الجدل حول هذه المسألة . فأى معنى نقصد عندما نشير إلى مصطلح الثقة ؟ فهل نقصد هنا جانب الأمانة والمصداقية ؟ ،،، أم جانب الفطنة والذكاء والقدرة على القراءة المجهرية للأحداث و فهم ما بين السطور ؟ ،،، أم جانب الحكمة والروية والقدرة على حسن تقدير المواقف ؟،،،أم الكفاءة والمهارة في مواجهة وإدارة الأزمات والإشكاليات ؟ ،،، أم القدرة على الصبر وطول النفس والإنحناء للرياح الهوجاء عند الضرورة ؟ ،،، أم حسن تصور الأمور والمهارة في التمييز بين أرجى المصلحتين وأسوأ المفسدتين ؟ ،،، أم القدرة على رؤية الأمور والأشياء كما هى على حقيقتها من دون تهوين أو تهويل أو ...أم ...أم ...أم . حيث أن لكل جانب من تلك الجوانب تقديره واعتباره وأهميته . فعلى سبيل المثال : قد تتحقق الثقة في أمانة ومصداقية القيادة ،،، ولكن لسبب ما قد لا تتحقق الثقة في ذكائها وفطنتها وحسن تصرفها أثناء الأزمات والكوارث ،،، وحتى على مستوى الجانب الواحد قد تتغير الأحكام والمواقف بحسب طبيعة وسلوك أفراد القيادة في وقت من الأوقات ، أو بمعنى أدق بحسب الغالب على القيادة في فترة زمنية محددة . وقد توجد قيادة ما في فترة زمنية معينة تستحوذ على ثقة المنتمين بقدرتها الفائقة والمتميزة في الأداء والإنجاز وإدارة الأزمات وتأسيس علاقات جيدة مع الإتجاهات العديدة في المجتمع ، وقد تحقق تلك القيادة ما لم يتم تحقيقه في ظل قيادات سابقة ، هكذا فمسألة الثقة مسألة شاملة ومتشعبة وشديدة التركيب والتعقيد وتتحكم فيها الكثير من العوامل والمتغيرات ، ولا نستطيع أن نختزل الثقة ومعدلاتها في عبارة غامضة فحواها ، (الثقة في القيادة بلا تحفظ). وبالتالي لا يوجد وضع نهائي أو صورة محددة أو نموذج ثابت لحالة من حالات الثقة الجاهزة الموجودة دائما أو مايمكن أن يسمى ( ثقة تحت الطلب ) يمكن تحصيلها وممارستها وتوظيفها بشكل ثابت ودائم بالنسبة لكل القيادات وكل المراحل والظروف بنفس المستوى ،،، والخلاصة أن الثقة بناء وتشييد وتأسيس وصناعة ، وهى صناعة ثقيلة ومعقدة بدون شك ، والملاحظ فيما أظن وأعتقد أن مطلب الثقة الذي تلح عليه المؤسسة وتركض وراءه من أجل تحصيله هو نوع من (الثقة الإستاتيكية ) الساكنة الثابتة الجامدة التي لا تأخذ إلا شكلا واحدا فقط (الثقة المطلقة ….. وإلا) وأعتقد أن الأمر لا يمكن أن يستقيم على هذا الوجه أو بهذا لشكل المبتسر الذي يجافي حقائق الأمور .
محمد الشرقي
الأحد، 17-11-2019 10:50 ص
ـ النقد والثقة … تعارض أم تكامل أم تعادل ( 2 ) ؟ يجب الحذر عند تداول بعض الكلمات كى لاتصبح شعارا يتم ترديده بشكل دائم دون الإلتفات إلى ما وراءها من حقائق ومعاني ، ولذلك يجب التوقف عن إطلاق الشعارات ـ وهي كثيرة في الوسط الدعوي عموما ـ وغالبا ما يتم ترديد بعضها بشكل آلي ومستفز وبدون وعى لما يمكن أن يترتب على ذلك ، وأكثر هذه الشعارات حضورا وسطوعا مصطلحي الثقة والطاعة ، حيث يكثر الكلام شبه الدعائي حولهما في سياقات غير مناسبة ، فعلى سبيل المثال يتم التعامل مع مبدأ الثقة كحق مكتسب غير قابل للجدل ، وقد يشكك البعض في هذه المقولة ، ولكن من يتأمل ويدقق سوف يستشعر أنها مغروسة في وعي ولا وعي الكثيرين بحيث لا يقفون أمامها لحظة واحدة للمراجعة والتأمل والتفكير من أجل إكتشاف أبعادها ، ويتطلب الأمر هنا إعادة النظر في مثل تلك المقولات الشائعة وتأثيراتها في ضوء معطيات وارتدادات وأحداث الواقع الموضوعي ، هناك علاقة قوية بين منح الثقة لجهة معينة وبين الإنجازات والنجاحات الحقيقية المتحققة في الواقع من قبل هذه الجهة على الصعيد الفكري النظري وعلى المستوى التطبيقي والعملي على أرض الواقع ، فلا ثقة بدون تحقيق نجاحات حقيقية معقولة وقابلة للقياس ويمكن أن يعتمد عليها ويعتد بها . وأنا أرجو من قادة العمل الإسلامي ومن يتولون مسؤولية إدارته أن يكفوا عن الإلحاح في تكرار الكلام المرسل حول الطاعة والثقة ، فلا طاعة ولا ثقة ولا ..… بدون وجود أسبابها ومقتضياتها وشروطها التي تتمثل في تحقيق أهداف حقيقية وإنجازات يعتد بها ويمكن البناء عليها ، وفي حال عدم توفر الأدوات و المدخلات الكافية التي تمكن من تحقيق الأهداف على القيادة التي تريد أن تتمتع بثقة حقيقية أن تكون واضحة وصريحة تجاه أفردها وعليها أن تعلن عن حقيقة الأوضاع القائمة حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، وبدلا من الحديث عن الثقة بشكل مجرد لا يحمل شيئا ولايدل على شيء ، فعلى كل من يحمل مسؤولية ما إن يعمل ويعمل إلى أن يحقق من النتائج ما يجعل الثقة استحقاقا طبيعيا في حقه ، مع التأكيد على أن الثقة تتجدد وتتأكد وتقوى بما يتم تحقيقه في ميدان العمل والممارسة من نتائج وإنجازات حقيقية مؤكدة وبدون ترديد الشعارات . ينبغي التأكيد هنا بأن الثقة في القيادة لا تتعارض مطلقا مع مطلب ممارسة الأدوار الرقابية المطلوبة للإطمئنان على سلامة العمل في كل المراحل وكل المستويات الإدارية في المؤسسة ، والحقيقة أن الكيان الإسلامي بكل أفراده وعناصره شريك كامل في تحقيق الأهداف وفي الحرص على العمل كفريق واحد مترابط من أجل الوصول إلى النتائج المطلوبة ، وهنا تبرز أهمية تصور إمكانية تبادل المراكز والوظائف عبر المشاركة المفتوحة لكل الكوادر على مستوى الفكر والنظر والعمل كل فيما يحسن ، من هنا يتأكد بأن الثقة لا تعني مطلقا تجاهل وإغفال المشاركة الواسعة من خلال المساهمة الفكرية والمراجعة العملية في التأكيد على الإنجازات وفي تقييم مخرجات الأعمال ، فهذا هو الموقف الطبيعي والمنطقي إذا أردنا أن نحقق أفضل النتائج ، ويتأكد هذا في مجال العمل الإسلامي لأن الفرد مهما كان موقعه تتسع مسؤوليته الأدبية والمعنوية والشرعية عن العمل بشكل لا محدود على غرار أصحاب الشركات الخاصة الذين يتحملون كل المخاطر بمفردهم . نكرر ونؤكد بأنه لا ينبغي لأحد أن يفهم بأن الثقة تعني التفويض والتسليم والإقرار المطلق لمن يتولون مهام القيادة والتوجيه ، من دون مشاركة موسعة وفاعلة ومؤثرة من قبل كل أطقم وعناصر المؤسسة ، بحيث يشارك ويساهم الفريق العامل بمجموعة في تحمل مسؤولية تجويد وتحسين وتصويب الأداء كل حسب موقعه وحسب ما يستطيع أن يقدم ، على إن تكون هذه المساهمة والمشاركة حقيقية وفاعلة وتؤدي في النهاية إلى ضبط ومراقبة الأعمال بشكل فعال يكشف عن حقيقة الأوضاع . مما لاشك فيه ومما لا يجب أن يغيب عنا أن الوسط الإسلامي الحركي يتميز بصفات وسمات خلقية وسلوكية أرقى وأسمى وأكثر موثوقية من الأوساط الإنسانية الأخرى ، وهذا جانب إيجابي لايجب إن يغيب عنا ، وذلك بسبب تجذر وبروز الخلفية الشرعية والأيديولوجية الدينية التي تصدر أعمالهم بالاستناد إليها في الغالب الأعم ، ولذلك يشيع في هذا الوسط مستوى مقدر ومرتفع من الثقة بوجه عام وفي هذا تأكيد على أن الأصل في العلاقات في الوسط الإسلامي قائمة على الثقة الإيجابية والمشاركة الفعالة التي تساهم بشكل كبير في إنجاز الأعمال والمهام بفعالية أكبر، وليست مجرد ثقة تستند على الفورة العاطفية المتقلبة بطبيعتها . عندما نشير لمسألة الثقة في المؤسسة من عدة وجوه في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها العمل ، نهدف إلى الإقتراب من الحقيقة والواقع الذي نعيشه أكثر وأكثر ،وإن نربط بين الأشياء ربط حقيقي لنزداد فهما ووعيا بما يجري حولنا ، وبشكل عام يفترض بأن الحالة السائدة في الأوساط الإسلامية أقرب للثقة ، ولكن في ظل الأوضاع المضطربة وفي نطاق المستجدات والمتغيرات والأزمات العديدة في مجتمعاتنا سنكون بالضرورة في حاجة دائمة لمراجعة دائمة لكل الأوضاع من أجل الإطمئنان على مفاصل العمل والمحافظة على ما يعزز استقرار الثقة ، ومايؤكد على قدرة ومستوى وكفاءة القيادة في إختيار أفضل الممكن في ظل وضعية الأزمة وعدم التأكد السائد في الأوساط التي تعمل فيها الحركة ، ومن الطبيعي أن يتم نوع من الربط على مستوى الوعي لدى المنتمين للمؤسسة بين الأوضاع والنتائج الإيجابية أو السلبية التي تحققها القيادة وبين الثقة أو عدم الثقة التي تتولد عنها .
محمد الشرقي
الأحد، 17-11-2019 04:33 ص
ـ النقد والثقة … تعارض أم تكامل أم تعادل ؟ من المهم أن تكون استخداماتنا للكلمات والمصطلحات للتعبيرعن أى أمر أو مسألة أوضع أو معنى أو حال ، وفي أي مجال أو وسط أو نطاق واضحة ومفهومة ومناسبة من حيث الدلالة اللغوية والاصطلاحية ومن حيث دقة معناها ومطابقتها للحقيقة عند إنزالها على واقع معين ، وذلك حتى نتفادى فوضى الإستعمالات العشوائية التي قد تفرغ المصطلحات من دلالاتها الصحيحة والتي قد تؤدي الى بتر كامل أو نسبي للمعنى عندما تستخدم الكلمة للتعبير عن واقع معين لا يحمل السمات التي تجعله مطابقا لها ، فلا يحق ولا يفيد أن نصف واقع بوصف معين إلا إذا كان هذا الواقع يتوفر فيه المعاني والسمات التي يحملها هذا الوصف ، ومن هنا فإن مصطلح الثقة يجب إلا تستخدم بدون وعى حتى لا يؤدي إلى نتائج عكسية . يتم التعاطي من قبل بعض المنتمين للعمل الإسلامي مع مصطلح الثقة من خلال رؤية مضطربة ومنظور ملتبس وإستخدام غير دقيق يعكس الكثير من الخلط وسوء الفهم وعدم التمييز بين ما يجب ومالا يجب ، و هؤلاء المنتمون الذين ينساقون وراء النزعات العاطفية يعتبرون الثقة في عداد التفويض الدائم والعهد المطلق والميثاق النهائي والواجب الغير قابل للنقاش والذي يتعين الانصياع له بالمطلق دون أى شروط أو تحفظات ، من هذا المنطلق يتم التعاطي والتعامل مع الثقة على أساس أنها مساوية ومرادفة للتفويض والتسليم المطلق أو شبه المطلق لكل من يتولى منصب قيادي في العمل ، وفي الغالب لا يهتم هؤلاء ولا يستشعرون بالحاجة أو الضرورة نحو ممارسة الرقابة والقيام بمراجعة للأعمال والمهام والأنشطة التي تمارس من قبل القائمين على المستويات القيادية عن طريق فريق متخصص ومتفرغ لهذا العمل الخطير طالما أن لديهم هذا البديل أو الكفيل السحري (الثقة) ،الذي يجب الارتهان له بلا تردد ، هذا الموقف بالتأكيد يعكس خللا كبيرا على مستوى فهم حقيقة وطبيعة ووظيفة الثقة التي تعد أداة في غاية الأهمية في الربط الفاعل بين بني البشر من أجل تحسين ودعم وتقوية العلاقات بينهم ،على أسس سليمة دون أن يعنى ذلك تفويضا مفتوحا من أى نوع للصلاحيات والمسؤوليات التي يجب أن يتحملها الجهاز الإداري مهما كانت الظروف والأحوال ، ويجب أن نعي هنا بأن الإستهانة بالقيام بالدور الرقابي على الأنشطة يمكن أن يترتب عليها نتائج شديدة الخطورة للكيان التنظيمي كله. نؤكد هنا أن التعاملات بين بني البشر سواء على المستوى الفردي أو الجماعي كى تكتسب ثقة حقيقية لابد أن تستند إلى شروط ومقدمات واضحة تؤدي إلى دعم وتعزيز وتأكيد الثقة بينهم ، وهذه النتيجة تتحقق بشكل طبيعي وتلقائي وسهل وبدون أي تكلف عندما تكون الشروط والمقدمات متوفرة ، ويجب أن تكون هذه الشروط ثابتة ومستقرة ومتجددة حتى تستمر الثقة في إنتاج آثارها الإيجابية في الواقع ، وهنا يجب أن ندرك بأن للثقة تكلفة ومقابل باهظ تتحمله جهات عديدة عندما تكون غير حقيقية ، ويتمثل هذا المقابل في ما قد يصيب العمل من الإخفاق وعدم القدرة على الإنجاز وتحقيق الأهداف ، وللأسف الشديد يتحمل الجميع نتيجة هذا الإخلال بالمقدمات والشروط الواجبة المطلوب توافرها ، ومن هنا كان من الضرورة بمكان التأكيد على أهمية وجود شروط ومقومات الثقة المتعارف عليها . بدون شك أن الثقة مبدأ أساسي وقاعدة رئيسة ومطلب جوهري بالغ الأهمية وشديد التأثير في عملية تكوين وتأسيس بنية قوية و نسيج متماسك وأرضية ثابتة تسمح بقيام علاقات متينة وموثوقة ومنتجة بين البشر بشكل عام ، والحقيقة أن الثقة تعد بمثابة المزيج أو المركب الكيميائي الذي يعمل على إعادة ترتيب ذرات العلاقات بين البشر وفق طبيعة الخلفيات والمقومات التي تحكم العلاقات ضمن الشروط المتوفرة التي تدعم شبكة العلاقات البينية لتصبح أكثر قوة وفعالية وأكثر ثباتا ، ولا يمكن الإستغناء مطلقا عن الثقة كقيمة خلقية رفيعة وخلفية اجتماعية لا غنى عنها ، تؤدي في النهاية إلى تكوين روابط تأسيسية قوية ومتميزة بين بني البشر في ظل وجود حاجات وضرورات دائمة تتطلب التفاعل والتعامل مع الوسط الإنساني بشكل دائم ، وسوف يتبين للناس بشكل عملي أن بناء علاقات صحية سليمة ومنتجة تتطلب في المقام الأول توفر عنصر الثقة الذي يفتح الطريق إلى التقارب والتعاون الوثيق النشط بين البشر . تسود وتستقر أجواء الثقة بين بني البشر عندما تستند العلاقات والتعاملات الدائمة بينهم على الأمانة والمصداقية والموضوعية والاستقامة والوضوح والارتهان للحقائق بدون أى تردد أو تراخي ، هنا فقط تكتسب التعاملات في المجتمع بين الأفراد والعناصر الطمأنينة والإستقرار والقوة والثبات ، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الإلتزام الصارم بالمبادئ والقواعد المذكورة آنفا والتي تعتبر قواعد معيارية تضبط العلاقات ، بحيث يتم جريان العلاقات البينية والأعمال المشتركة بسلاسة دون تعقيدات أو إشكالات عملية أو أخلاقية أو سلوكية من غير المعقول ومن غير المقبول أن يتم تجاهل كل ذلك ، ثم نطلب من الآخرين الثقة المفتوحة المطلقة ، هكذا بدون مقابل أو إستحقاق وبدون مواقف مرئية ومحسوسة يمكن الإستناد عليها لتأسيس الثقة بشكل طبيعي ومنطقي وكأن الثقة دين أو تكليف مستحق على الإتباع بدون أى مقابل ، الطبيعي والمنطقي أن يتم نيل واكتساب الثقة كمطلب مستحق عندما توجد الأسباب والدواعي والمقدمات التي يشعر بها المنتمون ويلمسون من خلالها توفر شروطها ومقتضياتها وأسبابها بأنفسهم من خلال تلك المقدمات . ـ يجب أن نؤكد هنا بإن الثقة لاتعني بالضرورة أن تحقق القيادة كل الأهداف التي تتبناها المؤسسة ، فالإمكانات والقدرات المتاحة قد تساعد على تحقيق أكثرية الأهداف ، نحن واعون لذلك . وفي هذا المقام نشير إلى ضرورة وأهمية تحقيق أمور ثلاثة من اجل تجديد الثقة : 1ـ الحفاظ على الشفافية والوضوح فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية للمؤسسة بكل دقة وموضوعية للخروج من حالة الغموض الذي أصبح سيد الموقف . 2ـ توسيع دائرة مشاركة كل المنتمين بفاعلية وجدية بدون أى قيود أو حساسيات ، وضرورة أن يتم التعامل مع كل مايطرحونة بجدية ومصداقية وبشكل مخطط بعيدا عن العشوائية والارتجال . 3ـ الاستعداد للتعاطي مع القرارات المستبعدة و الصعبة والمصيرية طالما لا توجد بدائل أفضل يمكن اللجوء إليها ، وذلك من خلال إعادة النظر في كل المتغيرات والظروف والأوضاع التي تمر بها المؤسسة ، والسعى نحو خروج من حالة التقوقع من أجل تجاوز مرحلة السكون والجمود وألا فعل ، ولو ترتب على ذلك إلى التراجع إلى الوراء خطوات وخطوات من أجل إنقاذ مايمكن إنقاذه .
مصري جدا
السبت، 16-11-2019 03:00 م
الثقة يعززها الشفافية والوضوح والرقابة والمحاسبية ،،، يعززها الإقالة والاستقالة والاعفاء والاعتذار والاعتراف بالخطأ متى وجد ،، كلام الشيخ البنا كلام داعية مجتهد يؤخذ منه ويرد ،،، لكن الإخوان لديهم تبرير لكل شئ ،،، طبعا تبرير للأعضاء فقط ،،، من هنا تاتي أهمية المراجعات ،، إياك ان تترك عقلك لأحد ،،،

خبر عاجل