هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الرجل قتل، الرجل اعتقل، الرجل يختبئ في مكان ما، ثمة روايات متعددة نسجت حول الرجل لأكثر من عشر سنوات، منذ أن اعتقل في سجن "بوكا" الأمريكي، ويبدو أننا الأن أمام المشهد الأخير في رواية "أبو بكر البغدادي" ليسدل الستار على أكثر الشخصيات غموضا وإثارة للمخاوف في السنوات الأخيرة.
هل الرجل صناعة أمريكية حقا؟ أم أنه صنيعة أجهزة متعددة، وما هي حقيقة ما سربه العميل السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن من تفاصيل حول برامج التجسس لوكالة الأمن القومي الأمريكية التي تقول بأن أبو بكر البغدادي ليس إلا "نتاج خطة أمريكية وإسرائيلية وبريطانية، تهدف إلى جمع أغلبية مجاهدي العالم المتطرفين داخل تنظيم واحد، لنشر الفوضى في الشرق الأوسط وهدم الدول، ما يعطى إسرائيل والعالم الغربي فرصة أكبر للسيطرة على ثروات تلك المنطقة."؟
هل نحن أمام "تنظيم" حقيقي بالقوة التي تحدث فيها الغرب عنه وعن زعيمه، أما أننا أمام صناعة إعلامية محبوكة بدقة وعلى درجة عالية من الاحترافية؟
قتل أكثر من مرة !
تعدد الروايات زاد من الغموض وظهور نظرية المؤامرة على نطاق واسع في العالم العربي، لنعيد قراءة أخر أربع أو خمس روايات حوله وكلها كانت روايات مؤكدة على مقتله.
في شباط/ فبراير الماضي قال مصدر أمني عراقي إن قوة أميركية تحاصر عناصر "داعش" في آخر معقل لهم في سوريا بمنطقة صغيرة في دير الزور محاذية للحدود العراقية مباشرة.
أواخر أيار /مايو عام 2017 أعلنت صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية عن أنباء تفيد بمقتل البغدادي بغارة جوية نفذها الطيران السوري على مدينة الرقة.
لكن الحكومة السورية وعبر وزارة الخارجية الروسة نفت الخبر، رغم أن وزارة الدفاع الروسية هي نفسها كانت مصدر خبر قتله.
وبعدها بأيام قليلة نشر الموقع الخاص بالإذاعة الإيرانية صور قال إنها لجثة البغدادي. وعرض الموقع صورتين للبغدادي، حيا، وصورتين أخريين ميتا، تحت عنوان "البغدادي مات" و"نهاية الحلم بدأت".
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن مسؤول مقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، قوله أنه:" من المؤكد أن زعيم البغدادي لاقى حتفه."
وبعدها بأيام عاد الروس وأكدوا في يونيو/ حزيران من نفس العام، إن قواتهم ربما قتلت البغدادي في ضربة جوية في سوريا، الذي سبق أن أعلنوا عن مقتله قبل شهر وقتلته القوات الإيرانية قبلهم بأيام .
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن هناك "درجة عالية من الثقة" في أن البغدادي قد قتل.لكن واشنطن شككت في الرواية الروسية وإنه ليست لديها معلومات لإثبات صحة هذه التقارير.
سيرة ذاتية مربكة
هذا الإرباك لا يتوقف على أنباء مقتله وإنما يطال تفاصيل أخرى تتعلق بالرجل، فهو وفقا لوزارة الداخلية العراقية يدعى إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي، وهو ليس بغدادي الأصل. وتفيد سيرته، وفق مواقع جهادية، أنه "رجل من سلالة دينية، إخوانه وأعمامه رجال دين ومدرسون للغة العربية والفقه". فيما يعتقد أن اسمه عوض بن إبراهيم البدري، وولد في مدينة سامراء عام 1971، وحصل في شهادة الثانوية العامة على درجات إضافية كونه "شقيق لأحد الشهداء"، فقد توفي شقيقه حين كان جنديا في الجيش العراقي. أما البغدادي نفسه فلم يتم قبوله لتأدية الخدمة العسكرية، لأن شهادة صحية صادرة عن جامعة أظهرت أنه يعاني من قصر النظر في العينين.
وبعد إنهائه التعليم الثانوي تقدم البغدادي بطلب الدراسة في جامعة بغداد، وأراد بحسب وثائق إدارة الجامعة دراسة القانون، والتحق نهاية المطاف بكلية الشريعة الإسلامية في جامعة بغداد.
كما حصل على الماجستير عام 2002 ، وبعد ذلك على شهادة الدكتوراه عام 2006 في الاختصاص ذاته. وتتلمذ على يد أبو مصعب الزرقاوي الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة" في العراق الذي قتل في قصف أمريكي عام 2006 .
في عام 2006 ضربت طائرة حربية أمريكية مخبأ يُعتقد أنه للمسلحين بالقرب من الحدود السورية في محاولة لقتل البغدادي، في ذلك الوقت كان يعرف بأنه شخص بارز في تنظيم "القاعدة" في العراق دون أية معلومات إضافية.
ورغم تقرير الاستخبارات الذي يفيد بأن الرجل كان موجودا في ذلك المخبأ وقت تنفيذ الهجوم إلا أنه لم يتم العثور على جثته، وفي النهاية تبين أنه لم يقتل في الهجوم.
كان جزءا من شبكة "القاعدة" في بلدات صغيرة بالقرب من الحدود السورية، وكانت مهمته في ذلك الوقت تسهيل وترتيب قدوم "النشطاء" والراغبين في الانضمام إلى صفوف " القاعدة" من سوريا والسعودية.
وكشفت صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية أن البغدادي الذي كان معتقلا في قاعدة أميركية بالعراق لسنوات طويلة، ونقلت الصحيفة عن الجنرال الأمريكي كينيث كينج أنه يتذكر ما قاله البغدادي لحظة مغادرته السجن عام 2009عندما قال: "أراكم في نيويورك يا شباب"، وحينها لم يأخذ كينج هاتين الكلمتين على محمل الجد .
ويقول كينج إنه لم يكن يتخيل أنه خلال أقل من خمس سنوات فقط سيجد أن البغدادي سيتصدر وسائل الإعلام وتقارير الأخبار، ويؤكد أن "أسوأ السيئين كانوا محتجزين في مكان واحد، لكن البغدادي لم يكن من بينهم".
لكن الصحيفة تقول إنه طوال أربع سنوات من اعتقال البغدادي لم يكن الأمريكيون قادرين على التنبؤ بدرجة خطورة هذا الرجل، مشيرة إلى أن " البغدادي لم يكن حتى محتجزا في المجمع رقم (14) الذي كان مخصصا للمعتقلين الأكثر تطرفا والأكثر خطورة". وتشير الصحيفة إلى أن البغدادي كان واحدا من بين 26 ألف سجين يقبعون في معسكر اعتقال "بوكا".
ورغم صمت "البنتاغون" وعدم تأكيده لهذه المعلومات سابقا إلا أنه عاد واعترفت عبر المتحدث باسم الجيش الأميركي رولان سينيور بأن البغدادي، كان نزيلا في سجن أبو غريب، قبل أن يكتسب السجن شهرته الواسعة بعد فضيحة التعذيب الشهيرة التي كان يقوم بها الجنود بحق السجناء.
وبحسب تقرير نشره موقع "ذي انترسبت" الأمريكي، شهد عام 2004 استقدام القوات الأميركية رجلا يدعى إبراهيم عواد إبراهيم البدري إلى سجن أبو غريب في العراق، وتم اعطاؤه رقما تسلسليا US9IZ-157911CI..
وفي حين أشارت تقارير منشورة عام 2014 إلى أن البغدادي كان معتقلا في مخيم "بوكا" بين عامي 2005 و2009، إلا أن معلومات جديدة أفصحت عنها وزارة الدفاع (البنتاغون) لفتت إلى أن البغدادي أوقف في عام 2004 "بناء على توصيات مشتركة طالبت بالإفراج غير المشروط ".
وبعد إطلاق صراحة وبعد سلسلة من العمليات أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2011 أن "البغدادي إرهابي عالمي"، وأعلنت عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه أو قتله، وفي عام 2016، زادت الولايات المتحدة المكافأة إلى 25 مليون دولار.
وانتهز البغدادي فرصة اندلاع الثورة السورية ضد بشار الأسد، فأرسل مساعده أبو محمد الجولاني إلى سوريا لكي يوجد لتنظيم "القاعدة "موطئ قدم هناك، والذي قام بدوره بتشكل "جبهة النصرة " أو "جبهة فتح الشام" فيما بعد التي أعلنت عن نفسها بسلسلة تفجيرات.
وأكد البغدادي عام 2011، في تسجيل صوتي أن "جبهة النصرة" في سوريا هي امتداد لـ"دولة العراق الإسلامية"، وأعلن توحيد اسمي "جبهة النصرة" و"دولة العراق الإسلامية" تحت اسم واحد وهو "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام". ومن الأحرف الأولى من كل كلمة اختصر الاسم إلى "داعش "إعلاميا، مع ان "التنظيم" يرفض لقب "داعش" للإشارة إليه.
ومع تزايد نفوذ الجولاني بسوريا، ورفضه فتوى دمج قواته تحت قيادة زعيم "تنظيم الدولة بالعراق"، شن البغدادي حربا على "جبهة النصرة" مما أدى إلى انفصاله عن تنظيم "القاعدة".
وتجاهل البغدادي نداءات زعيم "القاعدة " أيمن الظواهري لترك سوريا لـ"جبهة النصرة" والتفرغ للعراق، وأمعن في توسيع عملياته في شمال وشرق سوريا عامي 2012 و2013، واشتبكت عناصره مع قوات النظام السوري في البدايات، غير أنها كرست جل مجهودها لمحاربة كتائب المعارضة المسلحة الأخرى.
في عام 2014، أعلن "التنظيم " قيام "الدولة الإسلامية"، ونُصب أبو بكر البغدادي خليفة لها، وظهر مقطع فيديو للبغدادي، وهو يخطب في جامع النوري الكبير بمدينة الموصل العراقية، التي عليها "التنظيم".
وفي ذلك الوقت، كان "التنظيم" قد سيطر بأعداد قليلة من المقاتلين على منطقة واسعة في سوريا والعراق تقارب مساحة بريطانيا.
سلسلة طويلة من الروايات
وليدخل البغدادي بعدها في سلسلة طويلة من الروايات المتداخلة والمتناقضة من كافة الأطراف المشاركة في الحرب في سوريا والعراق، ففي عام 2012 أدعى مسؤولون عراقيون أنهم ألقوا القبض على البغدادي بعد عملية تجسس وتتبع استمرت لشهرين، وقالوا إنهم حصلوا على أسماء وأماكن متعلقة بتنظيم "القاعدة"، لكن وزير الداخلية العراقي أكد إن الذي ألقي القبض عليه ليس البغدادي بل هو قائد منطقة تمتد من شمال بغداد وحتى التاجي.
وفي تلك الفترة أيضا ذكر تقرير في صحيفة "الغارديان" البريطانية بأن البغدادي تمت إصابته في العمود الفقري إثر غارة أمريكية مما أدى إلى شلله. وفي عام 2015، وجهت طائرة تابعة للقوة الجوية العراقية ضربة لمكان في منطقة الكرابلة اجتمع فيه البغدادي مع قياداته، وقيل حينئذ أن أبا بكر البغدادي لا يعرف مصيره ، بينما صدر له تسجيلا صوتيا بعد ذلك في نهاية العام.
وقال مسؤول عسكري أمريكي بارز إن القوات الأمريكية كانت "على وشك الإمساك بالبغدادي أو قتله" عام 2016 في مدينة الرقة السورية.
وقالت بعض المصادر الغربية إن البغدادي يختبئ في ما يمكن وصف بأنه "العاصمة الثالثة" ل"تنظيم الدولة"، أي المناطق التي يسيطر عليها "التنظيم" على جانبي الحدود السورية والعراقية. ويطلق على هذه المنطقة اسم "ولاية الفرات"، التي تتكون أساسا من مدينة القائم العراقية وبلدة البوكمال السورية.
كما شوهد عدد من المقربين من البغدادي في البوكمال وفي مدينة الميادين، التي تعد أحد المعاقل الرئيسية ل"التنظيم" في محافظة دير الزور السورية.
ما الذي نستنتجه من جميع ما سبق، أن البغدادي قتل أكثر من مرة على يد أميركا وروسيا وسوريا والعراق وإيران، وبأنه اعتقل أيضا أكثر من مرة من قبل الروس والسوريين والعراقيين، وفي نفس الوقت لم يقتله ولم يعتقله اي طرف من المذكورين سابقا، وبأن مكانه مجهول ومعلوم في نفس الوقت.
تلك أحجية لكنها أحجية يبدو انه حان الوقت لحلها ربما لتخفيف الضغط الذي يتعرض له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قبل الكونغرس الأمريكي على ضوء مكالمة ترامب مع الرئيس الأوكراني والتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
فبعد أخر ظهر للبغدادي في الفيديو صادر عن "مؤسسة الفرقان" الدعائية، أشار البغدادي إلى هزيمة "التنظيم" في معقله الأخير في الباغوز، وهدد بشن هجمات انتقامية.
الأمر الذي وضعه في دائرة الاستهداف من أكثر من جهاز مخابرات أقليمي ودولي ة،وردا عى الفيديو تعهدت الولايات المتحدة، بتعقب قادة "تنظيم الدولة الإسلامية / داعش " الطلقاء، وإنزال الهزيمة بهم، وذلك بعد ظهور البغدادي في شريط فيديو، للمرة الأولى منذ خمس سنوات.
إعلان ترامب عن مقتل البغدادي هل هو نهاية الرجل ، هل انتصار أمريكي حقيقي ام انتصار قدمته دول أخرى مثل روسيا وتركيا غلى طبق من ذهب لكي يتفاخر به ترامب، كما لو كان يتحدث عن فيلم مغامرات شيق من نمط أفلام "مارفيل"؟
قد لا نجد إجابات فيبقى البغدادي سرا غامضا وأحجية ميتا وحيا.