كتاب عربي 21

في ذكرى رحيل جمال

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600

رحل الكاتب السعودي الشهير جمال خاشقجي، من هذا العالم قبل حوالي سنة، ليلقى ربه بعد أن قُتل بشكل وحشي قل نظيره، في قنصلية بلاده في إسطنبول، ليترك وراءه بصمات طيبة مشهودة في عالم الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وإن نجحت الجريمة البشعة في تغييب جسد جمال، فإن جمال في صورته لم يغب، ولن يغيب، بل ستعيش ذكراه، بإذن الواحد الأحد، لتكون عونا لعشاق الحرية والكرامة في نضالهم ضد الظلم والطغيان.

جمال كان من أشد الداعمين لثورات الربيع العربي بمقالاته وتعليقاته وتغريداته. وكنت أقرأ مقالاته بكثير من الإعجاب، وقليل من الاختلاف؛ لأنه كان في غاية اللطف في انتقاد سياسة بلاده المعادية للديمقراطية وثورات الشعوب. ويا ليته كان حيا يرزق ليفرح بنجاح التجربة الديمقراطية في تونس، وعودة روح الربيع العربي إلى ميدان التحرير لتهز رياحه كرسي الدكتاتور، وعروش الممولين للانقلاب على الرئيس المصري المنتخب، ويا ليته كان معنا ليتحفنا بتحليلاته القيمة حول ما يجري في سوريا وليبيا والجزائر والسودان واليمن والخليج العربي.

"قل كلمتك.. وامش".. هذا كان شعاره، وقال كلمته ومشى، ولكن تلك الكلمة التي قالها ستبقى نيِّرة لتضيء طريق المتعطشين للحرية، وتقض مضاجع أعدائه، وتطارد قتلته المجرمين حتى ينالوا عقاب ما اقتفرته أيديهم الآثمة، وسيعلم الطغاة وأعوانهم أن الآراء لا تموت بموت أصحابها، وأن الكلمة الصادقة أقوى من كل أكاذيبهم، وهياط ذبابهم الإلكتروني، وهذيان وسائل إعلامهم الهابطة.

 

جمال رحل.. ولكن قضيته لن تطوى. بل هناك آلاف من أصدقائه ومحبيه يحملون شعلته، ويدافعون عن قضيته، ولن يسمحوا لقتلته بالإفلات من العقاب

جمال رحل.. ولكن قضيته لن تطوى. بل إن هناك آلافا من أصدقائه ومحبيه يحملون شعلته، ويدافعون عن قضيته، ولن يسمحوا لقتلته بالإفلات من العقاب، كما أنهم سيسعون إلى استكمال طريق جمال في نشر الوعي، والوقوف إلى جانب الشعوب الثائرة من أجل الحصول على الحرية والكرامة، والدفاع عن حرية التعبير والديمقراطية والإرادة الشعبية.

قضية اغتيال جمال خاشقجي أكبر بكثير من أي قضية إجرامية أخرى. وفيها انتهاكات عديدة، بالإضافة إلى جريمة قتل نكراء. ولا بد من تشكيل لجنة دولية للتحقيق مع كافة المتورطين فيها، على رأسهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لكشف جميع ملابسات الجريمة، ومعرفة دورهم فيها. ومهما نجح قتلة جمال في الهروب من قبضة العدالة لبرهة من الزمن بفضل حماية ترامب ونتنياهو، فإنهم لن يفلتوا من العقاب إلى الأبد، كما أن عار الجريمة سيطاردهم في جميع المحافل الدولية، وأين ما حلوا في العالم، بفضل أصدقاء جمال، والغيورين على تحقيق العدالة.

 

مهما نجح قتلة جمال في الهروب من قبضة العدالة لبرهة من الزمن بفضل حماية ترامب ونتنياهو، فإنهم لن يفلتوا من العقاب إلى الأبد، كما أن عار الجريمة سيطاردهم في جميع المحافل الدولية

رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان في كلمته التي ألقاها الثلاثاء أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، أثار قضية اغتيال خاشقجي، مشددا على أن تركيا ستمضي في متابعة القضية عن كثب، كما أكد في تصريحاته خلال لقائه الجالية التركية والإسلامية في الولايات المتحدة، أن بلاده "ستواصل البحث عن الحقائق في قضية اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول رغم امتعاض البعض".

"البعض" الذي ورد في كلمة أردوغان هم المسؤولون السعوديون الذين ما زالوا يطلقون تصريحات متناقضة وغير قابلة للتصديق. وفي آخر تلك التصريحات، قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، في جلسة حوارية مع الصحفيين بنيويورك: "نحن لم نقتل جمال خاشقجي بل قُتل من قبل عملاء للحكومة السعودية من دون قرار رسمي"، في محاولة لإخفاء مسؤولية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ودوره في اغتيال خاشقجي.

 

اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول إرهاب دولة مكتمل الأركان، وجريمة يستحيل ارتكابها دون علم ولي العهد السعودي وضوئه الأخضر

اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول إرهاب دولة مكتمل الأركان، وجريمة يستحيل ارتكابها دون علم ولي العهد السعودي وضوئه الأخضر؛ لأن أعضاء فريق الاغتيال، عملاء الحكومة السعودية كما سماهم الجبير، جماعة يستحيل تواطؤهم على ارتكاب مثل هذه الجريمة دون علم قيادتهم العليا.

 

وبالتالي، فإن القول بأن هؤلاء قاموا بهذه الجريمة دون قرار رسمي منافٍ للحقيقة، ومحاولة للضحك على العقل البشري.

الأربعاء القادم يصادف الذكرى الأولى لرحيل جمال خاشقجي، رحمه الله، وبهذه المناسبة ستنظم فعاليات عدة وستعود أخباره إلى الواجهة. وأما نحن، أصدقاء الكاتب المغدور ومحبوه، فنعاهد الله أن لا ننسى قضية جمال وجمال صورته وآثاره، وأن نطارد قتلته بكل سبل ممكنة حتى تتحقق العدالة.

0
التعليقات (0)