قضايا وآراء

تحديات وأسئلة وإجابات شباب مصر

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
في الأول من كانون الأول/ ديسمبر عام 1999، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 آب/ أغسطس من كل عام يوما دوليا للشباب بهدف التركيز على قضاياهم.

في هذا السياق، يجب أن تأتي أسئلة الشاب المصري في مقدمة الاهتمام، خاصة وأنه يعاني دون غيره من شباب العالم؛ من العديد من التحديات التي تهدد وجوده في بعض دول العالم العربي، وتوحي برغبة بعض الأنظمة العربية (كما في مصر) في التخلص منه، بالرغم من أنه يعد أهم الثروات العربية، ومقومات بقائها ونموها ونهضتها.

مع محاولة التعبير بالغة الأسى والألم للشهيد بوعزيزي في 2011م وانطلاق شرارة الربيع العربي العفوي، تنفس الشباب الأمل في الإجابة العملية على أسئلته وتحدياته، ولكن سرعان ما انقض عليه أعداء الحياة محليا وإقليميا ودوليا، ليحاولوا وأد هذا الحلم الذي بدأ يتلمس شيئا من ممكنات تحقيقه.

وسرعان ما اكتشف الشباب المصري أنه ليس مرفوضا في وطنه وحسب، بل في الإقليم العربي كله والعالم أجمع، وكأنهم نفايات بشرية يراد التخلص منها.

هذه هي موجز الرسالة التي تلقاها الشباب المصري من الثورة المضادة المدعومة إقليما ودوليا.

في هذا السياق، تسأل الشعوب المراقبة والمشاهدة أسئلة: هل سيكمل الشباب المصري ثورتهم؟ ولماذا تأخرت الجولة الثانية من ثورة يناير المجيدة؟

هذه الأسئلة بهذا الشكل المتحامل على الشباب، أسميها بالأسئلة الظالمة للشباب، وكأن الشباب هم السبب في ضعف وتخلف وتخاذل ثلاثة أجيال على مدى قرن ونصف.

وبمنطق الفطرة الإنسانية والقوانين الاجتماعية أعتبره أيضا سؤلا هزليا؛ لأنه لم يعد للشباب العرب بعد البحر والزنزانة والقبر؛ إلا الثورة، ولذلك أعيد صياغة السؤال بشكله الفطري المنطقي الشرعي العلمى الواقعي الصحيح: متى وكيف سيعاود الشباب العرب ثورتهم؟

وللإجابة على هذا السؤال بمنطق الحكمة والعلم، لا بد أولا من قراءة واقع الشباب في الجولة الاولى من الربيع العربي، وفهم أبعاد ما جرى لهم وبهم وعليهم، حتى نتمكن من استشراف مستقبل الشباب العرب، وإعدادهم للجولة الثانية من الربيع العربي. وللإنصاف والواقعية والعملية، لا بد من تناول ملف الشباب والثورة من عده جوانب:

1- المشاكل الكبرى العميقة التي يواجهها الشباب.

2- الآثار الناتجة عن هذه المشاكل، والتي تركت بصمتها على الشباب حتى أصبحت سمات أساسية لهم.

3- هم الصدمات التي تعرض لها الشباب.

4- نموذج الاستجابة والتحدي.

5- التحديات والأزمات الحالية.

6- سياسات الشباب للتحرر خلال المرحلة المقبلة.

أولا: مشاكل عامة يعيشها الشباب العربي دون غيره من شباب العالم يأتي في مقدمتها:

1- ضعف وتردي مستوى التعليم الممنوح له، وتخلفه جامعيا وقبل الجامعي عن بقية المعايير الدولية للتعليم، فيتلقى الشاب تعليما محليا جامدا متقادما متخلفا، وضعه في جزيرة بدائية منعزلة عن التعليم العالمي دائم التحديث والتجديد والتطبيق وعن سوق العمل المحلي والعالمي، كما أنه استيقظ على وهم جامعات تعليمية تمنحه شهادات لا قيمة لها عالميا. ففي حين تقدم جامعات العالم نظام تعليم علمي وتعليمي حيث تنتج العلم والمعرفة، وتعلمها وتطورها وتطبقها، يتلقى شباب العرب تعليما يمثل معارف القرون الماضية، مما دعاهم للتخلص من شهاداتهم المحلية في أقرب صندوق قمامة، لينتقلوا إلى الأعمال البدائية اليدوية، حتى يجدوا لقمة عيشهم، متحسرين على 17 عاما من التعليم الوهمي.

2- ضعف وارتباك واختزال وتقزيم منظومة القيم والأفكار التي يتم تنشئة الشاب عليها، بين العروبة والإسلام والتغريب والقومية والعلمانية... إلخ، وأخيرا يراد له أن يختزل ويفهم هويته في القائد الزعيم والملك والأمير والرئيس والعلم والنشيد الوطنى، وأن يقزم انتماءه الوطني لشخص الحاكم ونظامه السياسي، على غير الفطرة الوطنية لبقية شعوب العالم التي تنتمى لهوية وطنية واحدة جامعة لكل مكونات الوطن؛ تعزز من حبها وانتمائها واعتزازها بوطنها.

3- نظام العمل، والبطالة التي تهدر كرامة الشاب الإنسانية وتتعامل معه على أنه عبء على المجتمع، وليس كما فطرة الإنسانية والكون وبقية دول العالم.. الشاب قوة بشرية تعد من أهم مقدرات الدولة التي تسعى إلى استثماره لتحقيق أفضل إنتاج وعائدات، فيشعر بذاته وقيمته في الحياة، وتُفتح له آفاق العمل والإنجاز والتعبير عن ذاته ومواهبه وقدراته وممكنات فعله، متنافسا مع بقية شباب العالم، ومحققا لنفسه أفضل مستوى معيشة ممكن.

4- التهميش من الحياة العامة والمشاركة في السلطة والحكم، والتعرض للاعتقال والتشريد والإعدام بالجملة والقتل الجماعي لمجرد التفكير في المشاركة في السلطة والحكم وصناعة القرار، حيث يعتبر ذلك من الجرائم بالغة الخطورة والتي تستوجب القتل، وإن لم ينص عليها القانون، ولكنها ممارسة مستقرة في الضمير الاستبدادى المعادي للشباب وللحياة بشكل عام.

وأكتفي بأكبر وأهم وأعمق أربع مشاكل فقط من بين عشرات المشاكل التي يعيشها الشاب العربي، والكفيلة بأن تعلن له بكل صراحة ووضوح: أيها الشاب أنت غير مرحب بك هنا، ومطلوب التخلص منك فورا؛ إما بالهروب الذاتي أو ستضطرنا لاعتقالك أو قتلك، فليس لك مكان هنا إلا المعتقل أو القبر.

ثانيا: السمات المميزة للشباب في هذه المحطة التاريخية

1- محدودية فضاء للتفكير بين التقليدي والمسموح به والمجرب نجاحه بسبب ما فرض عليه من موانع وحواجز للتفكير.

2- الضعف الذاتي في القدرة على التفكير، وإنتاج الأفكار والحلول والبدائل المتنوعة بسبب عدم تعلم مهارات ومناهج التفكير، وطرق التعليم الخاطئة التي منعت وحرمت التفكير، بالإضافة إلى استبداد وتسلط الكبار وفرض أفكارهم، انتهاء إلى تعطيل آلة التفكير الذاتية لدى الشباب واتكالهم على الأفكار الأبوية والسابقة، والمجرب نجاحها... إلخ.

وهذا ما يفسر مرور ست سنوات على الانقلاب دون أفكار جديدة، وتأخر الشباب حتى الآن عن القيام بدور ما في هذا الجانب.

3- الإحساس العميق المهين المؤلم بالقهر والمهانة والدونية عن بقية شعوب وشباب العلم

4- ضعف مستوى القراءة والمعرفة لحساب ثقافة الفهلوة والاتكالية على الآخر والماضي، والتجارب الناجحة.

5- ضعف القدرات والمؤهلات الشخصية والمهنية والحياتية بشكل عام، لأسباب تخلف التعليم وغياب التدريب والتأهيل، وغياب فرص العمل، واكتساب الخبرات والعيش طويلا في بيئة الاستبداد.

6- ضعف المنطقية والمنهجية العلمية في التفكير والقرار والعمل، لحساب العاطفية والعشوائية.

7- غياب الثقة والشك في كل شيء (أفكار، أشخاص، أشياء)، والتي تمثل سلاحا ذا حدين: الخروج إلى اللاعقلانية، أو العقلانية ويقظة العودة إلى الذات، حيث تحتاج لتدقيق علمي يعيد رسم المسار الصحيح الجديد.

ثالثا: الصدمات التسع التي تعرض لها شباب الربيع العربي

1- صدمة في القيادات التاريخية، الهشة علميا وفكريا وشخصيا في كثير من الأحيان، والتي تستند إلى مؤهلات غير منطقية، كالسبق الدعوي وعدد سنوات الاعتقال والقصص والمبالغات الوهمية حول الالتزام بالشعائر التعبدية، وليس على معيار المؤهلات الشخصية والفكرية والعملية والإنجازات المتحققة.

2- صدمة في مؤسسات التنظيمات الدينية العالمية... إلخ، والتي تم اكتشاف حقيقتها بغياب قواعد ومبادئ المؤسسية من الأساس، وافتقارها لكل أدوات الفعل والتأثير، فهي منزوعة الدسم، حيث لا جهاز تفكير، ومن ثم لا إنتاج للأفكار، ولا خطط، ولا إعلام، ولا علاقات، ولا نظام وشبكات أمان وحماية... إلخ.

3- صدمة في النخب الثقافية والإعلامية والسياسية العامة التي جاءت دون المستوى بكثير، وانكشف ضعفها العلمي والمهني والخبراتي، وعجزها عن التعامل مع الأزمة والهروب إلى الماضي، والاستغراق في تفاصيل الواقع، والتفرغ للبكاء والمناشدة والتسول لحل المشكلات.

4- صدمة في الأفكار والمسلمات المورثة، بل والتراث بالكلية، واكتشاف أزمة جمود وتقادم وتخلف الفكر التراثي وحاجته للتنقيح والتجديد.

5- صدمة الجيش الوطن، وانكشاف حقيقته (أنه أداة للقمع والاستبداد وضرب الشعب)، وأن جيل وحرب أكتوبر كانا حالة استثنائية.

6- صدمة السعودية الإمارات اللتين تعاديان وتحاربان كل ما هو إسلامي وإنساني.

7 - صدمة الإعلام المجرم الذي يقلب الحقائق، ويشيطن ويجرم الوطنيين الأحرار، ويجمل ويلمع ويبرز الأشرار ويصنع منهم منقذين وطنيين أبطالا.

8- صدمة في الحل السريع للأزمة: الحل الجهادي، ومجابهة الدولة بالعنف.

9- انتهاء إلى أزمة ضعف الذات الشبابية، وأنها أقل بكثير ودون مستوى التحدي.

رابعا: نموذج الاستجابة والتحدي

مع تعرض المجتمع لتحديات وأزمات ثم صدمات كبرى، ينقسم المجتمع إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: تعلن الاستسلام، والانضمام لمحور الشر.

الفئة الثانية: الهروب للأمام، ومحاولة المراوغة والإمساك بالعصا من المنتصف وادعاء الأكاديمية والحيادية والعقلانية، للمحافظة على الوجود وتصدر المشهد.

الفئة الثالثة: الوطنون الأحرار، صفوة البشر وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم حقا، القليلون الخلّص إخوان جيش دواد الذين قبلوا التحدي، وعظموا من استجابتهم للتحدي حتى صعدوا بأنفسهم وأرواحهم وكفايتهم إلى عنان السماء.

خامسا: أهم وأول التحديات والأزمات الحالية

1- أزمة الانتماء لدولة ووطن غائب، وكان ملخص الرسالة: أيها الشباب العظام أنتم غير مرحب بكم في مصر، وليس لكم عندنا إلا القبر أو المعتقل أو البحر.

وحلها: الانتماء إلى المستقبل والوطن الذي ننشده في أذهاننا حتى نجسده واقعا. ولنا في نموذج شباب سنغافورة درسا وفوائد كثيرة.

2- أزمة قوة وسيطرة النظام في الداخل والخارج، واستحالة تطوير التكوينات الحالية أو إنشاء تكوين جديد.

وحلها: حركة التحرر المنظمة محددة البوصلة والأهداف، ومحددة المشروع الرؤية والاستراتيجية المنظمة فكريا وخططيا، والوسائل غير الموجودة عضويا وفيزيائيا، والعمل الفردي المنظم الموجه، حتى يتم التجمع في تيار تسونامي تحرري واحد كاسح لا يمكن مواجهته.

3- أزمة المعوقات الذاتية والحرب الداخلية، من قيادات ونخب قديمة أفلست، ولم يعد لديها ما تقدمه، ولكنها تصر وتعاند وتقاتل على البقاء وتصدر المشهد على حساب كل شيء.

وحلها: التجاهل التام والانطلاق في المشروع، وعدم الدخول في صراعات وحروب جانبية.

سادسا: مبادئ وسياسات الشباب لقيادة مشروع التحرر

1- اليقظة والتحرر التام من الأزمة وتجاوزها (أشخاص، أحداث، أفكار)، والانطلاق إلى المستقبل بكل قوة وإقدام.

2- الاعتماد الكامل على الذات الوطنية الشبابية الجديدة.

3- التدريب والتأهيل واستكمال بناء القدرات الذاتية وفق المعايير الدولية للعمل المهني ولقادة التحرر الوطني ورجال الدولة، ووفق المواهب والقدرات الخاصة للتأهيل العلمي الحقيقي (التعليم الذاتي + التدريب الخاص).

4- الفهم الدقيق العميق لمشروع التحرر الكامل النهائي من الاستبداد بمشاريعه الأربعة (الوعي + اعداد القيادات البديلة + المشروع الوطني + تفكيك).

5- الحركة الفردية الواعية التي تعتمد على دقة الاصطفاء من الدوائر الطبيعية المحيطة للركائز الأساسية؛ رواد التحرر (الواحد منهم بأمة)، أصحاب النفوس الكبيرة والعقول الواعية والاستعداد الكبير لاستكمال الثورة.
التعليقات (0)