مضى حوالي شهران على انتخاب أكرم إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول الكبرى، إلا أن الرأي العام التركي بدأ يناقش مدى قدرته على إدارة المدينة العريقة؛ لأنه منذ إعلان فوزه في جولة الإعادة للانتخابات المحلية قام بأفعال أثارت لدى الشارع التركي شكوكا حول تأهله لتحمل مثل هذه المسؤولية الكبيرة.
كان أول ما فعله إمام أوغلو بعد توليه منصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، هو أخذ إجازة ليغيب عن المحافظة ثمانية أيام قضاها في يخت فاخر يبحر قبالة سواحل بحر إيجه، علما بأنه أقام الدنيا ولم يقعدها حين تأخرت اللجنة العليا للانتخابات في تسليم وثيقة الفوز إليه بسبب الطعون، وطالب آنذاك بتسليم الوثيقة إليه فورا كي يتولى منصبه رسميا، مدَّعيا بأن إسطنبول لا تتحمل أن تضيِّع دقيقة واحدة، وأن لديه أعمالا كثيرة يجب أن يقوم بها بعد توليه رئاسة البلدية لحل مشاكل المحافظة.
إسطنبول تعرضت السبت الماضي
لأمطار غزيرة تسببت بسيول جارفة في عدد من مناطق المدينة، مات فيها مسن كان يعيش في الشوارع، كما غمرت المياه بعض الأنفاق والمحلات التجارية لتلحق بها خسائر كبيرة. وانتظر المواطنون طويلا أن يخرج رئيس بلدية إسطنبول الكبرى إلى الشوارع ليقف إلى جانبهم، ويستنفر كافة فرق البلدية وإمكانياتها لتخفيف آثار الأمطار والسيول وتقليل الخسائر، ولكن إمام أوغلو كان في الإجازة.
الإجازة الأولى التي أخذها إمام أوغلو بعد استلام مهامه قد تكون مقبولة، ويمكن أن يقال إن الرجل تعب كثيرا خلال الحملات الانتخابية، ولكن إجازته الثانية لا يمكن قبولها بأي حال. بل الأغرب من ذلك أنه بعد يوم من تعرض المدينة للأمطار الغزيرة والسيول، جاء إلى إسطنبول ليتفقد بعض المناطق برفقة الإعلاميين، ثم عاد مباشرة إلى سواحل بحر إيجة ليكمل إجازته،
دون أن يبالي بالانتقادات الموجهة إليه.
المديرية العامة للأرصاد الجوية تنشر تحذيرا قبل كل موجة أمطار غزيرة، لتقوم السلطات المعنية والبلديات باتخاذ التدابير اللازمة والاستعداد لأسوأ التوقعات. ومن الاستعدادات والتدابير التي تقوم بها البلديات بشكل روتيني، وبعد صدور تحذير، لمواجهة آثار الأمطار، تنظيف فتحات المجاري كي تنزل المياه من الشوارع والأزقة إلى المجاري من خلال تلك الفتحات؛ لأن انسداد الفتحات يؤدي إلى تراكم المياه في الشوارع والأزقة لتتحول إلى سيول جارفة. وبعد كارثة السبت، اتضح أن بلدية إسطنبول الكبرى لم تقم بتنظيم فتحات المجاري منذ أسابيع، وهذا ما تسبب في تفاقم الأزمة.
إمام أوغلو، خلال زيارته القصيرة لإسطنبول، صرح بأن بيان المديرية العامة للأرصاد الجوية حول الأمطار لم يصله إلا قبل ربع ساعة من بدء هطول الأمطار، مضيفا أن البيان كان يحتوي على تحذير من أمطار عادية وليست غزيرة. إلا أن المديرية العامة للأرصاد الجوية ردت عليه بالنفي، مؤكدة في بيان أنها "حذرت على مدى ثلاثة أيام سابقة من هطول أمطار غزيرة شمال غربي تركيا، وليس مجرد هطول أمطار عادية".
رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، منذ استلام مهامه، أي خلال 50 يوما، قضى 14 يوما في الإجازة بعيدا عن المحافظة. وقال نائب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، حسين آكسو، السبت، ردا على أسئلة الصحفيين، إنه حاول الاتصال به، ولكنه لم يصل إليه، مضيفا أنه ليس مخوَّلا بكشف مكان تواجد إمام أوغلو. وهذا أثار تساؤلات عديدة، مثل: أين إمام أوغلو؟ وما سبب هذه الإجازة الطويلة والغريبة؟ ولماذا لا يستطيع أن يصل إليه نائبه حتى في حالة طارئة؟ وهل هي مجرد إجازة أم وراءها شيء آخر، كاجتماعات سرية بعيدة عن الأنظار؟
حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه إمام أوغلو لديه سجل أسود في الإدارات المحلية. وينشغل معظم رؤساء البلديات المنتمين إلى هذا الحزب بإجراءات أيديولوجية، بدلا من المشاريع التنموية التي تخدم المواطنين. وقبل يوم واحد من افتتاح الطريق السريع بين إسطنبول وإزمير من قبل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، كان رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو يفتتح، في مدينة آرداهان، تمثال أتاتورك الذي نصبه رئيس بلدية المدينة.
قد يبقى المسؤول أمام الكوارث الطبيعية عاجزا، إلا أن المطلوب منه أن يشعر بالمسؤولية التي تقع على عاتقه، وأن يسعى إلى تخفيف آثارها قدر المستطاع. كما أن تولي رئاسة بلدية محافظة بحجم إسطنبول يتطلب مهارات عالية في إدارة الأزمات. ولو كان إمام أوغلو ذاك اليوم على رأس فرق البلدية يوجهها لخدمة المواطنين أو قطع إجازته فورا ليعود إلى إسطنبول ويبقى فيها؛ لما تعرض لكل تلك الانتقادات.