هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أولى المعهد القومي للدراسات الأمنية في "تل أبيب" INSS اهتماما كبيرا بالحراك
الشعبي في الجزائر، وقد تخصصت الباحثة "سارة فيوري" Sarah
J. Feuer في الكتابة عن مسارات ومستجدات ومآلات الحراك، وإلى أي مدى يمكن أن
يؤثر–حسب رأيها- في زعزعة الأمن القومي الإسرائيلي، ومن المقالات التي كتبتها في
هذا الشأن :" التذمر في شمال إفريقيا : ماذا يمكن أن تجر الاحتجاجات والسخط
في الجزائر على المناطق المجاورة".
قبل
أن أبدأ في تحليل أهم النقاط التي أثارتها الباحثة Sarah J. Feuer، من
الضروري أن أقدم تعريفا موجزا بالمعهد القومي للدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب،
وكذا بالباحثة "سارة فوري" Sarah J. Feuer. فالمعهد القومي للدراسات الأمنية مؤسسة بحثية
إستراتيجية، يصدر أبحاثا مبتكرة في مجال البحث الأمني الاستراتيجي ويهتم بالقضايا
الأمنية الحيوية المتعلقة رأسا بالأمن القومي الإسرائيلي، ويقدم تحليلات سياسية
وتوصيات معمقة لصانعي القرار في "إسرائيل’ وخارجها ضمن رؤيته الاستشرافية والاستراتيجية
القائمة غلى فكرة أن الأمن القومي الإسرائيلي غير قابل للتجزئة . وقد استطاع هذا
المركز الذي تديره شخصيات سياسية وفكرية ودينية أن يقدم كثيرا من الدعم اللوجيستي
لجهاز الشاباك من خلال تزويده بنتائج الدراسات التي تمكنه من مراقبة الأوضاع
واختيار وسائل وبدائل المواجهة بحسب ما تقرضه الظروف الجيوسياسية المحيطة. ومما
يجب أن يعلمه القراء هو أن تأسيس المعهد القومي للدراسات الأمنية في تل أبيب قد
جاء في أعقاب حرب أكتوبر 1973، كما تسمى في الأدبيات الحربية العربية أو حرب يوم
الغفران "يوم كيبور" كما تسمى في الأدبيات الحربية الصهيونية، حيث قررت
جامعة تل أبيب بعد عامين من هذه الحرب أي في سنة عام 1975 إنشاء مركز للدراسات
الأمنية، وقد تبنت كثير من الشخصيات داخل الجامعة وخارجها المساهمة في التأسيس
فرضية أن من بين أسباب المفاجأة غير السارة في حرب 6 أكتوبر 1973 تعود أساسا إلى
عدم وجود أي مؤسسة خارج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كان بإمكانها في حالة وجودها
توجيه وتقييم الخطط الأمنية التي اعتمدت عليها الحكومة الإسرائيلية قبل المغامرة بأي
مواجهة مع التحالف العربي، وذهبت تحليلات الشخصيات المشار إليها إلى أن فرضية وجود
هذا المعهد في زمن الحرب كان يمكن أن يجنب "إسرائيل" تبعات خيبة الأمل
الكبيرة لأنه كان سيقدم التوصية المطلوبة للمخابرات الإسرائيلية، هذه الأخيرة التي
تقوم بدورها بناء على هذه التوصية بتشجيع الحكومة على خوض الحرب ضد التحالف العربي
أو الامتناع عنها.
أما
"سارة فيوري Sarah J. Feuer" فهي باحثة غير مقيمة بمعهد واشنطن لسياسة الشرق
الأوسط ومؤلفة كتاب :" تنظيم الإسلام : الدين والدولة في المغرب المعاصر
وتونس، قدمت العديد من الدراسات السياسية وخاصة ذات الطابع الديني السياسي، وأسهمت
في تطوير برنامج بحثي حول التطورات الجيوسياسية الحاصلة في الشرق الأوسط في ظل
المقاربة الأمنية الإسرائيلية للصراع العربي الإسرائيلي، وقد عرفت باهتمامها منذ
مدة بقضايا الصراعات والأحداث السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية خاصة بعد
أحداث الربيع العربي أو قبله بقليل. وقد وجهت الباحثة اهتمامها منذ بضعة أشهر نحو
شمال إفريقيا، حيث قدمت مقاربات جيوساسية حول الحراك الشعبي في الجزائر وخاصة ما
يتعلق بتأثيراته المحتملة على "الأمن القومي الإسرائيلي" من خلال ما
سمته تحول العنف الاجتماعي إلى عنف ديني وازدياد شوكة الإسلام السياسي في شمال
إفريقيا في حال نجاح الحراك الشعبي في الجزائر وما يحدثه هذا النجاح من امتداد
للإسلام السياسي في شمال إفريقيا والمنطقة العربية وصولا إلى إسرائيل غبر البوابة
المصرية.
قرأت
مقال " Sarah J. Feuer " في موقع "المعهد
القومي للدراسات الأمنية" بلغته الأصلية" الإنجليزية"، وهو مقال
متوسط الحجم، ولكن مع ذلك لا يمكن الوقوف على كل النقاط التي وردت فيه ولذلك
سأقتصر على ذكر أهم النقاط وبيان المغالطات التي اتسمت بها المقاربات التي قدمتها
الباحثة وخاصة ما يتعلق بإعطاء صبغة دينية وأيديولوجية للحراك الشعبي في الجزائر،
والادعاء بأن النموذج الأيديولوجي والثيولوجي الذي سينتجه الحراك الشعبي سيمتد
خطره وأثره إلى مصر، ومنها إلى "إسرائيل"، ولا تخفي الباحثة قناعتها بأن
الحراك الشعبي في الجزائر يشكل تهديدا غير مباشر للأمن القومي الإسرائيلي.
بدأت
الباحثة Sarah J. Feuerحديثها عن الحراك الشعبي في الجزائر بالإشارة إلى
ثلاثة أمور تعد في نظرها من المسلمات التي استقر عليها تحليلها لمسار الحراك،
الأمر الأول وهو أن استمرار الحراك الشعبي في الجزائر يدل على وجود رغبة شعبية
شاملة في رفض نظام الحكم وفي رفض أي تطبيع معه حالي أو مستقبلي، والأمر الثاني،
وهو أن هناك –على حد قولها- حلقة مفقودة في الهبة الشعبية الجزائرية وهو عدم تمكن
الشخصيات البارزة والمؤثرة في الحراك من صياغة خارطة طريق ومحاولة فرضها على
النظام الحاكم، والأمر الثالث وهو أن الانسداد السياسي القائم في الجزائر يمكن أن
يكون له تأثير على المنطقة المغاربية والعربية وأن مشروع الإسلام السياسي سيستفيد
من حالة الانسداد السياسي ومن ثم ستبدأ حلقة مفزعة من حالة لا استقرار التي ستصل
بلواها ومداها إلى إسرائيل.
من
أهم النقاط التي أثارتها الباحثة " Sarah J. Feuer، هي أن البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية يمكن أن تتأثر بمخرجات
الحراك الشعبي في الجزائر وخاصة أن هناك دولا عربية تقع في محيطها ستمثل أول
المتأثرين بتداعيات هذا الحراك وفي مقدمتها مصر، ولمواجهة هذا الخطر الداهم تقترح
الباحثة Sarah J. Feuer على القيادة الإسرائيلية تدعيم التنسيق الأمني
والاستخباراتي بين مصر وإسرائيل وخاصة أن هناك في مصر حاليا–كما قالت- نظاما غير
معاد لإسرائيل يمكنه أن يلعب دورا في إنجاح هذا التعاون من أجل تفادي الهزات
المحتملة التي سيحدثها نجاح الحراك الشعبي في الجزائر.
و
توقعت الباحثة " Sarah J. Feuer " أن تقود التحولات السريعة
المتصاعدة في الجزائر من خلال ضغط الحراك الشعبي إلى تعزيز الحضور الروسي في
المنطقة، فروسيا ستجد في هذه التحولات السياسية والاجتماعية الحاصلة فرصة لفرض
نفسها متعاونا أو زبونا اقتصاديا بديلا مما سيقابله بالضرورة تقلص دائرة التعاون
بين الجزائر والشريك الأوروبي على وجه الخصوص.
إن
مقاربات الباحثة "سارة فيوري" هي في حقيقة الأمر -إذا أخضعناها للتحليل
والنقد العلمي الموضوعي- مقاربات غير صائبة أو بالأحرى مغالطات بالجملة تحمل كثيرا
من التفسيرات غير العلمية وغير الواقعية التي تظهر فيها الميول الدينية المتطرفة
ويهيمن فيها هاجس الأمن القومي على التأسيس العلمي الموضوعي، فالمغالطة الأولى هي
أن الحراك الشعبي في الجزائر حراك سياسي اجتماعي سلمي ومشروع تغييري ديمقراطي لا
صلة له بأي مشروع سياسوي أو أيديولوجي أو ثيولوجي، وأن إلصاق تهمة الإسلام السياسي
بالحراك الشعبي تهمة باطلة من كل الوجوه، فهدف الحراك في الجزائر تغيير النظام
بالطرق الديمقراطية المشروعة وليس الانقلاب على الشرعية كمبدأ دستوري وأخلاقي،
واحترام كل الحريات التي هي أساس أي تغيير ديمقراطي سلمي، والمغالطة الثانية هي أن
محاولة الباحثة تسميم العلاقات الجزائرية المصرية باختلاق الألغام السياسية
والأوهام هي محاولة يائسة لأن الحراك الشعبي في الجزائر شأن جزائري محض، هذا من
جهة ومن جهة أخرى فإن سياسة الجزائر الخارجية قائمة على احترام سيادة الدول،
فجزائر ما بعد الحراك الشعبي لن تشكل خطرا على شركائها وجيرانها ومتعامليها
السياسيين والاقتصاديين أيا كانت مخرجات الحراك وأيا كانت السلطة السياسية التي
تتمخض عنه، والمغالطة الثالثة وهي أن الجزائر من خلال مؤسساتها الدستورية سيدة في
تحديد توجهاتها وخياراتها الاقتصادية ولا تقبل إملاء في هذا الجانب، والمغالطة
الرابعة وهي أن الأمن القومي الجزائري تسهر عليه المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها
المؤسسة العسكرية وهذه الأخيرة واعية بدورها ولن تسمح بأي مغامرة سياسية يتخذ
أصحابها من الحراك الشعبي وسيلة لتغيير العقيدة الدينية والسياسية للدولة الجزائرية.
عن صحيفة الشروق الجزائرية