هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تمثل القدس واحدة من أهم محاور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى الرغم من أن الاحتلال تمكن من السيطرة على القدس، وحصل على دعم أمريكي باعتراف الرئيس دونالد ترامب بها عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، فإنها (القدس) ما زالت تمثل واحدة من أعقد ملفات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وما زال الخلاف حولها من أهم عقبات التسوية السياسية والاستقرار في الشرق الأوسط.
جزء من الخلاف يتأسس على التاريخ والآثار، حيث تقوم رواية الاحتلال، على أن داود بن يسي الذي يعرف تقليديا في التراث العربي والإسلامي بأنه هو النبي داود، انتزع مدينة القدس من أهلها وأطلق عليها اسم أورشليم، مشكلا بذلك منطلق مملكة بني إسرائيل من مدينته (مدينة داود) التي أضحت عاصمة تلك المملكة (1000- 960 ق.م!).
ويسجل التاريخ أن أحد أبنائه، واسمه التوراتي شلمه (ينطق شلومو 960- 930 ق.م)، ويعرف عادة في التراث العربي والإسلامي بأنه النبي سليمان، أسس مملكة مشرقية سادت في القسم الأكبر من المشرق العربي.
الكاتب والباحث الفلسطيني أحمد الدبش، يعيد طرح هذا الخلاف التاريخي من خلال نقاشه لكتاب متخصص لعالمة الآثار الهولندية، مارغريت شتاينر: "القدس في العصر الحديدي (1300- 700 ق.م)".
الصورة التقليدية التي تقدمها أسفار العهد القديم عن القدس في العصر الحديدي، وتحديدا مطلع العصر الحديدي، مدينة داود وسليمان، هي صورة مدينة كبيرة جميلة، ذات تحصينات وقصور ومخازن ومعبد رائع الصنعة. تلك الصورة لا مكان لها في أوصاف الماضي التاريخي الحقيقي. ولا يتوافد أي دليل على وجود داود وسليمان، ولا نملك دليلا على وجود هيكل في القدس في هذه الفترة المبكرة.
ونظرا لانعدام المصادر التاريخية المتعلقة بهذه الفترة من حياة القدس، تقريبا، فإن مصادر "الكتاب المقدس" قد استخدمت كمراجع تاريخية على الرغم من أن تأليفها يعود إلى مرحلة متأخرة.
ظل العصر البرونزي المتأخر (1550 ـ 1200 ق.م) يعد دائما فترة مهمة جدا في تاريخ القدس، لأن اسمها ذكر (أو افترض أنه ذكر) في (رسائل تل العمارنة) على نحو (أوروساليم Urusalim). ص 49).
تصف شتاينر كتابها هذا بالقول: "هذا الكتاب ليس تقرير حفريات عادي كما أنه لا يشمل دراسات واسعة عن الأواني الفخارية واللقى الصغيرة، وبدلا من ذلك يركز على المعلومات عن طبقات الأرض وعلى المباني، وينظم المعلومات في مراحل متسلسلة زمنيا. وصفت فيه كل مرحلة، وشملت جميع الأواني الفخارية واللقى الصغيرة إلى القدر الذي توفرت فيه المعلومات من الخبراء. وحصيلة كل هذا وصفا لمدينة القدس في العصرين البرونزي والحديدي إضافة إلى تفسير نشوء وتطور المدينة" (ص 14-15)، فــ "المقصود أن يكون هذا الكتاب تقريرا نهائيا عن جزء من حفريات السيدة كاثلين كنين في القدس" (ص 17).
الفترات الأكثر قدما
يعود تاريخ المادة الأكثر قدما المأخوذة من حفريات كنين إلى العصر البرونزي المبكر. في هذا القسم تصف شتاينر "مكتشفات كنين من العصر البرونزي المبكر". وتقدم "تحليلا قصيرا للموقع في الفترتين البرونزية المبكرة والبرونزية المتوسطة" ص (27- 30).
العصر البرونزي الوسيط الثاني
تناقش شتاينر في هذ الفصل، "اللقى من حفريات كنين" وتبين سبب رفض أو قبول ما توصلت إليه كنين من استنتاجات ص (31- 43). وبعد ذلك تستخدم "المعلومات ذات الصلة كلها لرسم صورة عامة للقدس في العصر البرونزي الوسيط الثاني" ص (43- 47). وترفض شتانير، أن تكون "القدس مركز توزيع إقليمي" بالقول: "بحسب البقايا الأثرية لا يمكن أن تكون القدس مارست هذا الدور". ص 47. وتضيف أن "ذكر هذا الاسم (أورشليم في نصوص اللعن) وحدة لا يمكن أن يستخدم برهانا على أن القدس (أورشليم) كانت مدينة مهمة حينئذ، لأن الإسم لا يصف مدينة محددة" (ص 47).
العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي الأول
ظل العصر البرونزي المتأخر (1550- 1200 ق.م) يعد دائما فترة مهمة جدا في تاريخ القدس، لأن اسمها ذكر (أو افترض أنه ذكر) في (رسائل تل العمارنة) على نحو (أوروساليم Urusalim). ص 49).
في هذا القسم يتم "تقديم اكتشافات كنين"، ويتم التعليق عليها وتقويمها من قبل شتانير. وتقدم شتانير تفسيرا جديدا لـ(رسائل العمارنة). وتشير إلى أنه "في أثناء الحفريات الكثيرة التي جرت في القدس وحولها، لم يعثر على أي أثر لمدينة محصنة: لا أسوار كبيرة ولا بيوت ولا حتى أي قطع من أوان فخارية سائبة، إلا ما ندر، في الحشوات اللاحقة وطبقات الأنقاض الكثيرة. يبدو أنه لا يمكنني إلا الاستنتاج آنه لم تقم أي "مدينة" في القدس في أثناء فترة (رسائل العمارنة). ومن الناحية الأثرية، لم تكن القدس ببساطة مأهولة أثناء العصر البرونزي المتأخر. يبدو لي هذا واحد من الأمثلة الكثيرة التي يبدو فيها أن النصوص وعلم الآثار يناقض واحدهما الآخر"، (ص 152).
العصر الحديدي الثاني: من القرن العاشر إلى التاسع (ق.م)
في هذا الفصل، تقدم شتانير، "اللقى من حفريات كنين"، ثم تصف وتفسر "المبنى الحجري المدرج" (ص 71- 82). وتحدثنا شتانير عن القدس في القرنين العاشر والتاسع بالقول: "من هذه الفترة (التي وصفتها مصادر التوراة بالعصر الذهبي) لم يعثر على كثير من البقايا الأثرية في القدس: جزء من سور المدينة فوق التلة، والمبنى الحجري المدرج، وبعض الأنقاض التي نشأت من مبنى عام ضخم؛ هذا كل شيء. وهذا يقع في تعارض كبير مع كل أعمال البناء التي نسبت إلي الملكين داود وسليمان" (ص 82- 83).
إذن "ما عثر عليه بالواقع يحكي حكاية مختلفة" (ص 153). "استنادا إلى الدلائل الأثرية يمكن وصف القدس في القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد بأنها مدينة صغيرة محصنة. لا تزيد حجمها عن (12 هكتار). ومن الممكن أنها كانت تتسع لسكنى ألفي نسمة" (ص 154). لكن "يبدو من غير المحتمل أن هذه القدس كانت عاصمة "المملكة المتحدة" المذكورة في النصوص التوراتية" (ص 154)، فـ "المملكة المتحدة ليست حقيقة تاريخية" (ص 154).
العصر الحديدي الثاني: القرون (9- 6 ق.م)
بين القرنين التاسع والسادس قبل الميلاد? تحولت القدس من مدينة إدارية إلي مركز حضري حقيقي وتوسع حجمها من إثني عشر هكتارا إلى نحو خمسين هكتارا (ص 85). وقدمت حفريات أنقاض الدمار في المدينة كميات كبيرة من المواد، ومعظم اللقى من حفريات كنين كان منشؤها من هذه الطبقات. وعثر على مواد من هذه الفترة من كل مربعات حفرياتها تقريبا (ص 85). وتصنف شتانير، هذه اللقى بواسطة مربعات الحفريات أو مجموعة المربعات في المقاطع. وبعد ذلك، تقدم شتانير، بيانا زمنيا لجميع النتائج، وتنتقل إلى الحديث عن وظيفة وتطور القدس في هذه الفترة (ص 85- 146). تتوصل شتانير إلى أن "مساحة القدس وقتذاك حوالي 50 هكتارا، لكن حجمها وحدودها بدقة لا يزالان موضع جدال? ومن الممكن أنها كانت تتسع لسكنى حتى عشرة آلاف نسمة" (ص 155).
ملخص
في هذا القسم، تعطي شتانير ملخصا قصيرا لما توصلت إليه من استنتاجات بناء على تحليل مادة حفريات كنين ومواد من حفريات أخرى (ص 151- 157).
ملحق القدس (جدار العصر البرونزي الثاني):
أضافت شتانير إلى كتابها ملحقا كتبه الدكتور البروفيسور ديني بواس-فيدار، يشرح فيه مقدار الجهد اللازم لبناء سور مدينة القدس من فترة العصر البرونزي الوسيط الثاني (ب).. (ص 160- 182).
ما يمكن قوله في المجمل أن هذا الكتاب العلمي يقدم تاريخا لمدينة القدس في العصر الحديدي يناقض الرواية التوراتية، ويؤكد مرة أخرى الحاجة إلى قراءات علمية موضوعية من شأنها الإسهام في كشف الحقيقة كاملة، وإحداث القطيعة مع روايات يسعى الاحتلال الإسرائيلي وأنصاره لإشاعتها، وتقديمها كمسلمات لتبرير احتلالهم لها.
*كاتب وباحث فلسطيني