هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "التايمز" يوم الجمعة تقريرا للصحافية جين فلانغن، تقول فيه إن الملابس العسكرية التي ارتداها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد كانت أعلى صوتا من حث الناس في خطاب متلفز له على الوحدة الوطنية، بعد محاولة الانقلاب الدموية التي تسببت بمقتل بعض حلفائه.
وتقول الكاتبة إن الانقلاب الفاشل في إثيوبيا كشف عن التوترات التي قد تعرقل حتى الآن محاولات تحويل واحدة من أكثر دول إفريقيا اكتظاظاً بالسكان، من استبداد الحزب الواحد إلى الديمقراطية الليبرالية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن آبي أحمد، البالغ من العمر 42 عاما، وهو أصغر حكام أفريقيا، كسر التقليد الشائع في أفريقيا بأن يكون الزعماء طاعنين في السن، في محاولة منه لنقل إثيوبيا من ديكتاتورية الحزب الواحد إلى ديمقراطية حديثة.
وتقول فلانغن إن الهجوم على مكاتب الحكومة الإقليمية الأسبوع الماضي، الذي قتل فيه بعض كبار المسؤولين، كان تذكيرا له بهشاشة طموحاته، وجعل ضابط الاستخبارات العسكرية السابق يرتدي الزي العسكري ليخاطب الشعب من خلال التلفزيون.
وتذكر الصحيفة أن عملية سفك الدماء في ولاية أمهرة الشمالية قادها واحد من الآلاف الكثيرين من السجناء السياسيين الذين أطلق آبي سراحهم بعد تسلمه مقاليد الحكم العام الماضي، مشيرة إلى أن تلك كانت مفارقة لم تفت على منتقديه، بالإضافة إلى أنها أبرزت مخاطر الإصلاحات الجذرية التي بدأ بنشرها بسرعة كبيرة.
ويلفت التقرير إلى أن وعد رئيس الوزراء بانتخابات حرة ونزيهة العام القادم يبدو مبالغا بالتفاؤل الآن، مشيرا إلى أنه منذ تخفيفه من قبضة الحكومة الأمنية، التي دامت لعشرات السنين، فإن تخفيف التوتر الإقليمي تحول إلى سفك دماء فاقمه الجفاف والفقر والفساد المؤسساتي في بلد عدد سكانه 105 ملايين شخص.
وتجد الكاتبة أنه مع أنه لا يزال يحظى بدعم كبير في بلده وفي الخارج، فإن المحللين يقولون إن آبي يدفع ثمن فشله في تشكيل إجماع سياسي قبل بدئه عملية إصلاح نظام القمع المغلق، الذي أسس له تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية (EPRDF)، الذي تشكل كتلته السياسية جزءا منه.
وتنوه الصحيفة إلى أن تحالف EPRDF حكم البلد منذ ثورة عام 1991، وركز على الإعلان عن تغييرات تحظى بعناوين الصحف محليا، وعمليات سلمية في الخارج.
وينقل التقرير عن المحلل المستقل رشيد عبدي، قوله: "لم يكن رئيس الوزراء استراتيجيا إلى تلك الدرجة، وبعض القرارات بدت وكأنها اتخذت على عجل"، وأضاف أن كثيرا من أجندة آبي تتم "عادة بشكل فردي دون استشارة أو عودة إلى المؤسسات".
وتقول فلانغن إن محاولة الانقلاب الأسبوع الماضي تعد أخطر هجوم على القيادة الإذثيوبية منذ طغمة دريغ العسكرية التي حكمت من عام 1974 وحتى عام 1987، وجاءت بالضبط بعد عامين من إلقاء قنبلة كان يقصد بها آبي، قتلت اثنين وجرحت عددا آخر في تجمع سياسي، وتم اعتقال تسعة مسؤولين عن تلك الحادثة، مشيرة إلى أن محاولة رئيس الوزراء تنظيف الأجهزة الأمنية تسببت بخلق أعداء متنفذين ضده.
وتشير الصحيفة إلى أن فيدرالية إثيوبيا متعددة الإثنيات، تتألف من أكثر من 80 مجموعة إثنية ولغوية، موزعة على تسعة أقاليم، ما يجعل تحدي التوجهات القومية المحلية المتزايدة صعبا جدا، بالإضافة إلى أن الأسلحة تتدفق إلى المليشيات المحلية من السودان وجنوب السودان.
ويلفت التقرير إلى أن حرق البيوت، وقتل المسؤولين، واغتصاب النساء من المليشيات المحلية العام الماضي، بالإضافة إلى الجفاف القاسي، أجبرت 3 ملايين إثيوبي على ترك بيوتهم، مشيرا إلى أن حوالي 200 شخص قتلوا قبل شهرين في عملية انتقام بالقرب من الحدود السودانية.
وتنوه الكاتبة إلى أن آفة القتل الإثني أصابت حرم الجامعات في المناطق المجاورة، تيغري وأمهرة، حيث تذكر التقارير أن الطلاب اقتتلوا فيما بينهم.
وتبين الصحيفة أنه قبل صعود آبي غير المتوقع العام الماضي، فقد كان يسيطر على ائتلاف EPRDF أشخاص من إثنية التيغري، وهي مجموعة لا تشكل سوى 6% من الشعب، وقادت ثورة 1991، ومنذ ذلك الحين قاد الائتلاف إثيوبيا من بلد مصاب بالمجاعة إلى نموذج للتطوير الديكتاتوري.
ويشير التقرير إلى أن آبي هو أول زعيم من إثنية الأورومو في الجنوب، التي تم تهميشها لسنوات طويلة، بالرغم من كونها أكبر الإثنيات في البلد، لافتا إلى أنه في الوقت الذي اعتاد فيه ائتلاف EPRDF قديما على مقاومة المعارضة -وهو لا يزال يسيطر على مقاعد البرلمان كلها- إلا أن رئيس الوزراء الجديد ينادي بالمصالحة، وأصبح رمزا للأمل بسياسات ليبرالية في أفريقيا.
وتستدرك فلانغن بأن المجموعات المحلية، التي شعرت بأنها مقموعة لأجيال، بدأت تنفس عن غضبها المكتوم، وفي الوقت ذاته فإن مجموعات التيغري، التي خسرت نفوذها في ظل حكم آبي، تسعى للتخلص منه، مشيرة إلى أنه حتى يتفق الائتلاف الحاكم كيف تتم مشاركة السلطة في المستقبل فإن من الصعب تجنب المزيد من الفوضى.
وتورد الصحيفة نقلا عن محرر صحيفة "أديس فورتتشيون" تامارت جيورجيس، قوله: "العالم يريد أن يصدق الحكايات الخيالية.. لكن ذلك لا يتوافق مع ما يحصل على الأرض، بل إنه أكثر تعقيدا وهو أمر مخيف".
وتقول الكاتبة: "ستتم مراقبة الطريقة التي سيتعامل فيها الزعيم الشاب الطموح مع مهمته الخطيرة، ومهما كانت النتيجة، فإن رؤية آبي ستجد لها صدى في القرن الأفريقي، وكثير يتساءلون عن ما إذا كانت طموحاته لإيجاد ليبرالية ديمقراطية قابلة للتطبيق في أفريقيا مع الحفاظ على حكم القانون في الوقت ذاته".
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي يحاول فيه آبي جاهدا الحفاظ على تجربته الديمقراطية على قيد الحياة في بلد تم اللجوء فيه عادة للقوة، فإن إثيوبيا قد ترى المزيد من ملابس آبي العسكرية.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)