هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على مدى العقدين الماضيين، أصبحت مقاطعة إسرائيل جزءاً مهماً من مقاومة الشعب الفلسطيني وداعميه عالمياً في النضال ضد العنصرية والاستعمار الاستيطاني والاحتلال العسكري الإسرائيلي.
تسعى حركة بي دي إس (للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل) لتحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي واستعمار الأراضي الفلسطينية، وإنهاء العنصرية المؤسسية الإسرائيلية وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين.
تمكنت حركة بي دي إس من الحصول على دعم عالمي، بما في ذلك من قبل الأكاديميين والفنانين والرياضيين والكنائس والنقابات ومنظمات حقوق الإنسان وقطاع الأعمال.
المقاطعة الرمزية
كما تبنت بعض الحكومات الغربية استراتيجية المقاطعة الرمزية، بما في ذلك حكومة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي أشارت، أو طالبت، بضرورة توسيم البضائع الإسرائيلية التي يتم إنتاجها داخل المستعمرات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان. إلا أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يرفضان إقرار حركة المقاطعة بي دي إس، رغم أنهما يعتبران المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي.
ثم عندما تكثفت مقاطعة المنتجات الواردة من المستوطنات الإسرائيلية، تحركت الحكومة البريطانية لحظر المقاطعة، بينما تبنى البرلمان الألماني مؤخراً قراراً غير ملزم تقدم به الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة أنغيلا ميركيل يتهم حركة بي دي إس المناهضة للعنصرية بأنها "معادية للسامية".
تدعي الحكومات الغربية بأنها تدعم إسرائيل لما بينهم من قيم مشتركة مزعومة. وكان سفير الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل، إيمانويل غايفريت، قد أعلن في عام 2018 أن إسرائيل والاتحاد الأوروبي "يشتركان في نفس القيم، حيث نؤمن بالديمقراطية وبسيادة القانون وبحقوق الإنسان."
وفي نفس العام أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن بريطانيا "تفخر بالوقوف جنباً إلى جنب مع إسرائيل كحليف ... وصديق حميم تجمعنا به القيم المشتركة."
وفي عام 2017، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إسرائيل "إننا نتعهد بالوقوف إلى جانبكم والدفاع عن قيمنا المشتركة." وكان في ذلك يقلد الرئيس السابق باراك أوباما الذي كثيراً ما كان يؤكد على أن "الرابطة بين إسرائيل والولايات المتحدة متجذرة في القيم المشتركة."
وفي وقت مبكر من هذا العام، غرد رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو قائلاً إن "كندا وإسرائيل تجمعهما رابطة خاصة تكمن جذورها في الاحترام المتبادل والقيم المشتركة."
وفي عام 2017 أعلن رئيس وزراء أستراليا مالكولم تيرنبول ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو: "إن الصداقة بين إسرائيل وأستراليا راسخة انطلاقاً من قيمنا المشتركة (بما في ذلك) الالتزام بالديمقراطية."
الغزو الاستعماري
يزعم الفلسطينيون الليبراليون وأنصارهم بأن ثمة تناقضا بين قيم الحكومات الغربية، التي تعتبر ديمقراطية، وإسرائيل، الدولة التي تقوم على الغزو الاستعماري، والقوانين العنصرية والاحتلال العسكري. ولكن هل فعلاً يوجد مثل هذا التناقض؟
لقد كانت الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية التي أيدت الصهيونية في عام 1917 على دراية تامة بأساسها العنصري والاستعماري – وهي القيم والالتزامات المشتركة بينهم. في عام 1917 كانت لدى الكثير من البلدان الأوروبية مستعمرات ومستوطنات تُحكم بمواصفات وقوانين عنصرية استعلائية.
فالولايات المتحدة، والتي تعتبر ذاتها مستعمرة استيطانية، كانت تدير نظاماً للفصل العنصري – عرف باسم جيم كراو – استمر حتى الستينيات من القرن العشرين، وكانت تحرم السكان الأصليين من حق المواطنة إلى أن سُن قانون الجنسية الهندية في عام 1924، مع أن الهنود ظلوا محرومين إلى حد كبير من حق التصويت.
وعندما أيدت هذه البلدان إقامة إسرائيل في عام 1948، كانت تتشابه تماماً في قيمها المشتركة وفي التزامها بالاستعمار الاستيطاني. ففي الفترة ما بين عام 1947 وعام 1948، عاث الجنود الفرنسيون فساداً وإفساداً في مدغشقر يقتلون ويحرقون ويغتصبون ويضرمون النيران بالقرى. لقد قتلوا حينها عشرات الآلاف من الناس.
وفي فيتنام قتلت فرنسا مئات الآلاف من أبناء الشعب الفيتنامي ما بين عام 1945 وعام 1954 قبل أن تُهزم في "دين بين فو". وفي الجزائر، حرم الفرنسيون الجزائريين المسلمين من التمتع بحقوق متساوية مع المستوطنين المستعمرين الفرنسيين. ولقي مئات الآلاف من الجزائريين حتفهم في النضال الذي أنهى الاستعمار الاستيطاني.
كانت فرنسا وإسرائيل تشتركان في الاستراتيجيات خلال تلك الفترة حول كيفية قمع واضطهاد السكان الأصليين في كل واحدة من الحالتين.
ولم تشذ عن ذلك السياسات البريطانية، ففي كينيا، وبهدف الحفاظ على مستوطنيها الاستعماريين، شنت بريطانيا في خمسينيات القرن العشرين حرباً همجية ضد الماو ماو، الذين كانوا يقاتلون في سبيل إنهاء الاستعمار الاستيطاني. وحينها عذب البريطانيون واغتصبوا وسجنوا الماو ماو في حملة يقال إنها خلفت مئات الآلاف من القتلى. كما عانى الأفريقيون من ضحايا الاستعمار الاستيطاني البريطاني في روديسيا الكثير تحت الحكم الاعتباري البريطاني.
قمع شامل
وعندما بادرت البلدان الغربية تارة أخرى بدعم الغزو الإسرائيلي في عام 1967، كان التمييز العنصري مازال ممارساً في الولايات المتحدة رغم إلغاء معظم قوانين جيم كراو العنصرية في عام 1965، بينما كانت الشرطة تمارس القهر والقمع ضد حركة الحقوق المدنية وكان الجيش الأمريكي يقصف فيتنام ويحرق فيها الأخضر واليابس.
في تلك الأثناء كانت فرنسا وبريطانيا تخلصان نفسيهما من السياسات الاستعمارية ولكن ليس من العنصرية، فقد استمر الدعم الغربي للاستعمار الاستيطاني في جنوب أفريقيا، وذلك رغم مطالبات الأمم المتحدة المتكررة بمقاطعة نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) هناك. وأصبحت إسرائيل في نفس الفترة الحليف الأقرب إلى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
ولم يبدأ التخلي عن هذه الالتزامات إلا بعد أن تغير السلوك الغربي تجاه جنوب أفريقيا وانضمام الغربيين إلى حركة المقاطعة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.
ومع ذلك، في حالة كل من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، فإن اضطهاد السكان الأصليين وحرمانهم من حقوقهم ما يزال القيمة التي تشترك فيها هذه البلدان مع إسرائيل، الأمر الذي لم يصدر عن بريطانيا ولا الاتحاد الأوروبي أي انتقاد له على الإطلاق.
في هذه الأثناء ترفض الحكومات الغربية مشاطرة الفلسطينيين قيمهم المتمثلة في السعي نحو الديمقراطية والالتزام بإنهاء عنصرية إسرائيل واستعمارها الاستيطاني. أما القيم التي تشترك فيها هذه الحكومات مع إسرائيل، وعلى النقيض مما يزعمون زوراً وبهتاناً، فهي ليست الديمقراطية ولا الحرية للجميع – وإنما اضطهاد وقمع الشعوب الأصلية غير البيضاء.
نقلا عن موقع ميدل إيست آي البريطاني (ترجمته "عربي21")