قضايا وآراء

معركة إدلب.. من المسؤول؟

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

علمتنا تجارب الصراع العسكري خلال السنوات الماضية في سوريا، أن موازين القوى ليست متوازنة بين النظام المدعوم بطيران عسكري متطور من روسيا، وبين فصائل المعارضة التي تفتقر إلى المعدات الثقيلة الكافية.

هكذا، سقطت الغوطة الشرقية وكامل الجنوب السوري خلال أسابيع معدودة بأيدي النظام، وسقطت قبلهما مدن وبلدات كثيرة.

 

تطبيق اتفاق سوتشي لو حصل، لكان أفضل لفصائل المعارضة بكثير مما سيحصل غداة العملية العسكرية


ماذا لو طبقت في إدلب بنود اتفاق سوتشي، التي تدعو إلى انسحاب كافة الفصائل المسلحة من المنطقة المنزوعة السلاح، ثم نزع الأسلحة الثقيلة من دبابات وصواريخ ومدافع هاون التي بحوزة الفصائل و"هيئة تحرير الشام" من المنطقة، على أن تقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية الروسية بدوريات منسقة، وأخيرا، فتح طريقي حلب ـ اللاذقية وحلب ـ حماة؟

الدروس الغائبة للمعارضة
 
لو نفذت بنود اتفاق سوتشي، لما امتلك النظام وروسيا حجة للقيام بعمل عسكري، طالما هددت به موسكو منذ أشهر بسبب عدم تطبيق الاتفاق.

هل تنفيذ هذه البنود أفضل للمعارضة المسلحة، أم قيام النظام بعمل عسكري يسيطر من خلاله على مناطق ومدن هامة في ريف حماة الشمالي، التي تشكل بوابة متقدمة للفصائل في إدلب؟

ستكشف الأيام، أن تطبيق اتفاق سوتشي لو حصل، لكان أفضل لفصائل المعارضة بكثير مما سيحصل غداة العملية العسكرية التي لن تتوقف قبل أن يستحوذ النظام على بعض القرى والبلدات.

لقد كشفت تجارب "جبهة النصرة" في إدلب، وقبلها في القلمون الغربي، أن لها أجندة خاصة مخالفة لأجندات المعارضة الوطنية، ولعلنا نتذكر اتفاق المدن الأربعة، الي كانت هي عرابته، وهي أول من يطبق الاتفاقات الجانبية على حساب المعارضة.

لم تتعلم فصائل المعارضة من تجاربها رغم تراكم سنين الحرب، لقد رفضت في البدايات تشكيل جيش موحد، ورفضت لاحقا طلبا أمريكيا بالحصول على دعمها العسكري والسياسي، شريطة التفرغ لمحاربة الإرهاب، ولو فعلت ذلك آنذاك، لكانت اليوم قوة هائلة تسيطر على منطقة شرق الفرات بدلا من سيطرة "قسد" عليها.

حدود المعركة

لا شك أن سيطرة قوات النظام على بلدة كفرنبودة ذات الموقع المهم، سمح لها بسهولة بالتقدم غربا والسيطرة على قلعة المضيق، ويسمح لها أيضا بالتوجه شرقا نحو الهبيط.

وفي هذه الحالة ستكون قوات النظام على مقربة من مهاجمة وتطويق اللطامنة وكفرزيتا، ومدينة مورك ذات الأهمية الكبيرة، قبيل الوصول إلى خان شيخون.

 

العملية العسكرية في إدلب مرتبطة بتفاهمات سوتشي وليس انقلابا عليها


حتى الآن، لا يعرف المدى الجغرافي الذي ستتخذه العملية العسكرية، لكن من الأكيد أنها عملية محدودة، أقصى حدودها ريف إدلب الجنوبي، لأسباب عدة:

1 ـ لا تشكل هذه المناطق (ريف حماة الشمالي، ريف اللاذقية الشمالي، ريف إدلب الجنوبي) أهمية استراتيجية لتركيا ولفصائل المعارضة، طالما أن الصراع العسكري بين ثنائية المعارضة / النظام، وضعت أوزارها بالمعنى الاستراتيجي، نتيجة تقاسم مناطق النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.

2 ـ الخطورة تكمن في عمق إدلب، وهنا لا ترغب موسكو بالتقدم إلى عمق إدلب خوفا من المخاطرة بانهيار تفاهماتها المهمة جدا مع تركيا، فقد بينت الأحداث خلال الأشهر السابقة حاجة موسكو لأنقرة أكثر من حاجة أنقرة لموسكو.

وتتمثل هذه الحاجة، أولا على المستوى العسكري في شرق الفرات التي توليها روسيا أهمية كبيرة، وهي تعلم أن أي تفاهم حول هذه المنطقة مع الولايات المتحدة يجب أن يمر عبر البوابة التركية، وثانيا، على المستوى السياسي، ذلك أن أي تقدم في ملف اللجنة الدستورية أو غيرها من الملفات السياسية يتطلب حضورا تركيا وازنا.

3 ـ تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام، حين أكد "مواصلة توجيه ضربات إلى الإرهابيين، الذين يقصفون قاعدة حميميم الروسية"، في وقت أكدت وسائل إعلام روسيا أن العملية العسكرية تأتي ردا على خروقات الإرهابيين.

 

الصمت التركي حيال ما يجري، يؤكد أن العملية العسكرية تأتي بالتفاهم مع أنقرة


هذه المواقف تؤكد أن العملية العسكرية مرتبطة بتفاهمات سوتشي وليس انقلابا عليها، كما أنها تعزز على ما يبدو تفاهمات سرية بين تركيا وروسيا في إطار أستانا.

4 ـ الصمت التركي حيال ما يجري، يؤكد أن العملية العسكرية تأتي بالتفاهم مع أنقرة، وهذا يعني أنها عملية عسكرية محدودة، لأنها لو كانت غير ذلك، لشهدنا مواقف تركية حادة. وليس مفاجئا، أن يعلن سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسية أن القصف الروسي وقصف النظام على إدلب سيستمر بالتنسيق مع تركيا.

5 ـ حرص دولي كبير على منع اجتياح إدلب بشكل موسع، لسببين: الأول رغبة أمريكية في إبقاء حصة جغرافية للمعارضة، ورغبة أوروبية في تكرار ظاهرة النزوح الإنساني تجاه تركيا.

بناء على ذلك، يمكن القول إن العملية العسكرية، ليست سوى ورقة ضغط روسية على تركيا لتحصيل تنازلات منها في ملفات ليس لها علاقة بإدلب، كما أن العملية العسكرية ستكون مهمة للنظام في هذه المرحلة، لتشتيت انتباه قواعده الشعبية عن الأزمة الاقتصادية.

*كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)