في قرار يجعل رجل حسني مبارك الأول، ووزير داخليته الأشهر، حرا طليقا
وبشكل نهائي بعد توقيفه قبل 8 سنوات إثر ثورة يناير، قضت محكمة
مصرية، الخميس، ببراءة
اللواء حبيب العادلي من تهمة الاستيلاء على أموال وزارة الداخلية بقيمة 2 مليار و388
مليونا و590 ألفا و599 جنيها.
جنايات الجيزة أصدرت حكمها ببراءة وزير الداخلية الأسبق، و8 آخرين،
بإعادة محاكمتهم بقضية "الاستيلاء على أموال وزارة الداخلية"، وأمرت بتغريمه
500 جنيه، وذلك بعد إلغاء محكمة النقض، في كانون الثاني/ يناير 2018، حكما بمعاقبته
بالسجن 7 سنوات.
وإلى جانب براءته من الاستيلاء على أموال الداخلية، بُرّئ
القضاء العادلي
من قضايا "تسخير المجندين"، و"التربح وغسيل الأموال"، و"قتل
المتظاهرين"، و"اللوحات المعدنية"، و"الكسب غير المشروع"،
و"عدم تنفيذ حكم قضائي"، و"فساد الداخلية".
"دولة السيسي تحمي دولة مبارك"
وفي تعليقه على براءات العادلي، يعتقد الحقوقي المصري خلف بيومي، أن
"هذا الحكم يضاف لأحكام عديدة صدرت من دوائر منتقاة بعناية؛ لمنع محاكمة ومعاقبة
رموز دولة مبارك".
مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، ذكر بحديثه لـ"
عربي21"، أن أحكاما مماثلة سبقت براءة
العادلي، منها "براءة رموز مبارك بقضية (موقعة الجمل) إبان الثورة، وما تلاها
من رفض النقض بسبب طعن النيابة بعد الميعاد".
وأشار بيومي إلى "براءة كل الضباط المتهمين بقتل شهداء (ثورة
25 يناير)، وصولا لبراءة ضباط أمن الدولة قتلة سيد بلال"، مؤكدا أن "كل ذلك
يؤكد أن النظام يحاول حماية رجاله باعتبار عدم وجود فصل بين رجال دولة مبارك ورجال
دولة السيسي".
وحول اعتبار براءة العادلي مسحا لآخر نقطة سوداء برداء نظام مبارك، أكد
المحامي المصري، أن "ذلك لا يعني مسح النقاط السوداء من رداء ذلك النظام؛ لأن
الذي وضع النقاط السوداء هو الشعب، بموجب ثورته في 25 يناير".
وبشأن تناقضات القضاء المصري، قال بيومي: "للأسف، القضاء المصري
يتحمل كل أوجه التناقض الموجودة في مصر بانبطاحه ومسايرته لشطحات ونزوات ورغبات السلطة
التنفيذية".
"حرب 30 يونيو على 25 يناير"
من جانبه، يرى القاضي المصري محمد سليمان، أنه بهذا الحكم تم تبرئة كل
رموز نظام مبارك، بل عاد بعضهم بالفعل للمشهد مرة أخرى، مشيرا إلى أن "هذا يؤكد أن 30 يونيو ما كانت "إلا ترسيخا للفساد، وحربا على كل من تصدى لمظاهر فساد نظام مبارك".
سليمان أضاف لـ"
عربي21": "لقد تكشفت منذ انقلاب
2013 أن منظومة القضاء جرى تسييسها وتطويرها لتكون ذراع الانقلاب لمحاربة معارضيه"،
مؤكدا أن "الحكم الصادر اليوم حلقة بسلسلة أحكام تكشف حجم الكارثة التي أصابت
العدالة بمصر".
المستشار سليمان أشار إلى انتقام النظام من معارضيه، ضاربا المثل بحكم
المؤبد بحق رجل الأعمال حسن مالك، مضيفا: "مع تحفظي على كون التهم الموجهة لمالك
غير مشابهة لجرائم العادلي ولا مجال لأي مقارنة؛ فالتلفيق واضح ضد مالك كونه من قيادات
جماعة الإخوان، بينما إجرام وفساد العادلي لا يخفى على أحد".
"كفالة الانقلاب والخليج"
واعتبر الباحث السياسي عزت النمر، أن براءة العادلي "دلالة واضحة
على واقع كئيب تعيشه مصر الوطن، وإرادة واضحة لإذلال المصريين، ومحاولات حثيثة للانتقام
من أحراره وشبابه وقهرهم، وفي الوقت ذاته هي تأكيد على أن مليارات المصريين يتقاسمها
أهل السلطة، ولا مانع من توزيعها غنيمة باردة على فلول وبقايا مجرمي العصر البائد، ولا
عزاء لشعب يتضور جوعا".
النمر أضاف لـ"
عربي21" أن براءة العادلي "رسالة من إدارة
المشهد الحالي بالأمان الكامل للقتلة والمفسدين، وأنهم محل رعاية رعاة الانقلاب وسدنته،
وأن دماء المصريين مهما أريقت فلا مجال للمحاسبة عليها؛ إذ إن القتلة والمجرمين وسراق
المال العام هم بكنف النظام وحمايته".
وتابع قائلا: "حكم براءة العادلي له رسائل متعددة تهتف بمن يتلقاها، منها رسالة للكنيسة المصرية ورموزها، الذين باعوا دماء شعب كنيسة القديسين، وقبلوا أن
يشاركوا بهكذا جريمة؛ طلبا لمكاسب لا أخلاقية رخيصة".
ويعتقد الباحث المصري أنها "كذلك رسالة من رعاة الانقلاب بالخارج
أن الفسدة والمجرمين لا يمكن أن يحاكموا أو يتعرض لهم أحد؛ إنما الأحكام والسجن والعقاب
للشعب ورموزه فقط".
وأشار أيضا إلى أنها "رسالة بأن القضاء بمنصاته الحالية جزء من منظومة
الإجرام والفساد، ويتحمل المسؤولية الأكبر، ويمثل مشهد العهر والخيانة بمنظومة الانقلاب".
ويرى النمر أنها "رسالة كذلك بأن الخلاف مهما علا شأنه بين أجنحة
الاستبداد يمكن قبوله وتجاوزه؛ إذ إن العادلي كان يمثل بزمن مبارك سوطا طالما ضُرب
به العسكر وقياداته، ومع ذلك شمله الأمان والكفالة الانقلابية والإقليمية الخليجية".
اقرأ أيضا: محكمة مصرية تبرئ العادلي وتغرمه 29 دولارا فقط