إدلب: سكان يستقبلون رمضان بالعراء.. والطائرات تحجب الهلال

غابت مظاهر شهر رمضان عن مناطق واسعة في أرياف إدلب وحماة، بعد أن صعّد النظام السوري وروسيا من قصفهما لمناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا.

وتحت وطأة القصف الشديد، الذي لا يميز المناطق المدنية عن العسكرية، اضطر أهالي هذه المناطق إلى النزوح نحو المناطق الحدودية القريبة من تركيا، لتتحول مدنهم وبلداتهم إلى مناطق فارغة من السكان.

وفور وصولهم إلى المناطق الحدودية تبدأ المعاناة بالبحث عن أي مكان صالح للسكن، غير أن كثافة النزوح تصعّب كثيرا على النازحين هذه المهمة.

الخمسيني أبو عيسى من بلدة الهبيط، بريف إدلب الجنوبي، حمله الخوف على حياة عائلته من القصف، إلى النزوح إلى أقصى الشمال الغربي، حيث المخيمات المنتشرة بكثرة على كامل الشريط الحدودي التركي.

بلا خيمة

ونتيجة للأعداد الكبيرة من النازحين الجدد، ارتفع سعر الخيمة إلى أكثر من 50 ألف ليرة سورية (100 دولار أمريكي)، وهو المبلغ الذي ليس في متناول الجميع، وفق ما أفاد أبو عيسى لـ"عربي21".

وأفاد أبو عيسى بأنه ينتظر مد يد العون من المنظمات المدنية، العاملة في الشأن الإغاثي، موضحا أنه "تلقى وعودا بتأمين خيمة مجانية من إحدى المنظمات".

وقال إنه لا يعرف كيف سيتصرف إلى أن يستطيع تأمين خيمة، ويعلق بالقول "نحن في بداية شهر رمضان، عسى الله أن يمنّ علينا بالفرج في هذا الشهر الفضيل".

وبسؤاله عن حال منزله في بلدته، أكد أن قسما منه تعرض للدمار، نتيجة استهداف طائرات روسية، مشيرا إلى أن "الهبيط باتت بلدة خاوية، باستثناء قلة قليلة من السكان اختارت البقاء هناك، مجبرة بسبب عدم مقدرتها على تكلف نفقات المواصلات إلى الشريط الحدودي التركي".

 

إقرأ أيضا: لحظة قصف النظام السوري خيمة مهجّرين في إدلب (شاهد)

مدير منظمة "مسار" (غير حكومية)، المحامي عقبة باريش، أعرب عن أسفه في حديثه لـ"عربي21" لعجز المنظمات عن استيعاب ما وصفه بـ"الوضع الإنساني الكارثي".

وقال إن "المنظمات عاجزة تماما عن وضع خطط للاستجابة الإنسانية، خصوصا وأنه ليس هناك من صورة واضحة للمستقبل القريب على الصعيد العسكري والسياسي".

وأكد باريش عدم توفر الخيام للنازحين الجدد، بسبب اكتظاظ المخيمات بشكل كامل، وقال "الخيمة غير متوفرة حتى بسعر 100 دولار أمريكي".

وبخصوص خطط المنظمات لشهر رمضان، أشار مدير منظمة "مسار" إلى صعوبة التحرك، معربا عن أمله في حدوث انفراجة قريبة.

الناشط الإغاثي سارية البيطار، نشر شرائط مصورة تظهر العشرات من العائلات وهم يبيتون تحت أشجار الزيتون في محيط قرية عقربات بالقرب من الحدود التركية، وذلك بعد أن عجزوا عن تأمين خيمة.

وفي الشريط الذي نشره الناشط على صفحته الشخصية "فيسبوك"، ظهر عدد من النازحين وهم يوجهون نداءات استغاثة إلى المنظمات والجمعيات الإنسانية، لمساعدتهم على تأمين شيء من الاحتياجات الضرورية، من مسكن وغذاء وماء، وهم على أعتاب شهر رمضان.

150 ألف نازح

من جانبه، أفاد "اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية" السورية، الأحد، بارتفاع عدد النازحين من مناطق القصف إلى أكثر من 150 ألف نازح، خلال أسبوع واحد.

وقال الاتحاد، في بيان وصل لـ"عربي21" إن "ما يجري هو سيناريو مروع، حيث كانت هناك زيادة كبيرة في الغارات الجوية والقصف في كل من إدلب وحماة".

وأكد مقتل ما لا يقل عن 77 مدنيا، مشيرا إلى إخلاء معظم المدن في شمال حماة بالكامل تقريبا، مما يترك أعدادا كبيرة بلا مأوى.

كما أشار البيان إلى تعرض خمس منشآت طبية وخمس مدارس للقصف وخروجهم عن الخدمة، مبينا أن هناك أكثر 350 نازح يعيشون في مخيمات اللاجئين، يعانون من نقص حاد في الرعاية الصحية والغذاء والمأوى والصرف الصحي ولا يمكنها تحمل المزيد من عدم الاستقرار.

وفي السياق ذاته، حذر رئيس "اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية"، الطبيب حسام الفقير،  من خطورة الاستمرار في عمليات القصف، مشددا على أن معركة إدلب وأزمة اللاجئين التي ستخلقهاستهدد السلام والأمن العالميين.

وأضاف الفقير أنه يجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة و المكلف بدعم السلام والأمن العالميين، اتخاذ خطوات استباقية لضمان إلغاء معركة إدلب وحلها بشكل سلمي على الفور.

بلا مدارس

وتسبب التصعيد العسكري في إيقاف العملية التعليمية في أرياف إدلب  الجنوبية وحماة الغربية والشمالية.

وعن ذلك، قال الخمسيني أبو عيسى، النازح من بلدة الهبيط، إن تعليم الأطفال بات أمرا ثانويا بسبب النزوح والأوضاع الصعبة، منوها بأن همه الآن هو العثور على مكان يؤوي به عائلته، فضلا عن تأمين الطعام في شهر رمضان.

وكانت مديرية التربية الحرّة في محافظة حماة، أعلنت السبت، عن توقف الامتحانات والدوام في كافة المدارس التابعة لها، نتيجة حملة التصعيد التي يشنها النظام وروسيا على ريف حماة.

وجاء في بيان المديرية، الذي تسلمت "عربي21" نسخة منه "بناء على مقتضيات المصلحة العامة وحرصا على سلامة الطلاب والكادر التعليمي، يتم إيقاف الامتحانات والدوام في مدارس ريف حماة الشمالي والغربي والشرقي، وتُعطى للطالب علامة المذاكرة للمادة التي لم يقدم فحص فيها".

الغلاء وجع آخر

وعلى وقع التصعيد العسكري، شهدت أسواق إدلب وريفها ارتفاعا ملحوظا في أسعار غالبية المواد الغذائية، في ظل عدم توفر القدر الشرائية لدى الأهالي، وخصوصا متطلبات شهر رمضان.

وفي هذا الصدد، أكد مصدر محلي لـ"عربي21" ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه في عموم مدينة إدلب وريفها.

وأوضح أن غالبية العائلات وتحديدا النازحة باتت عاجزة تماما عن تأمين قوت يومها، نظرا لانخفاض مستوى الدخل، وعدم توفر فرص العمل.

 

إقرأ أيضا: مقتل مدنيين بينهم أطفال بقصف للنظام السوري على إدلب

وعن المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات، وصف المصدر كمية المساعدات بـ"القليلة جدا"، مبينا أن المساعدات اقتصرت على العائلات التي فقدت المعيل، وعلق بقوله "حتى هذه لم تعد تحصل على حصصها الشهرية، بعد أن قطعت المنظمات الإغاثية الدعم عن إدلب".

وتابع قوله أن "الأهالي يستطيعون الصبر على الجوع والغلاء، لكنهم يتخوفون من توسع رقعة القصف لتشمل مناطق جديدة، مكتظة بالسكان".

وختم المصدر حديثه لـ"عربي21" بالإشارة إلى غياب مظاهر رمضان نهائيا، وقال "تعذر رؤية الهلال في سماء إدلب، بسبب الطائرات ودخان القصف المتصاعد بشكل دائم".

كن عونا

في غضون ذلك، أطلق فريق "منسقو استجابة سوريا"، حملة "كن عونا" بهدف تقديم المساعدات للنازحين من أرياف إدلب وحماة.

ودعا بيان الحملة، جميع الفعاليات المدنية والأهلية والمجالس المحلية والمنظمات الإنسانية لمتابعة أوضاع المهجرين من ريفي إدلب وحماة، ومد يد العون لهم لتأمين مأوى ومستلزمات الحياة.

وبالمقابل طالب البيان الحكومة التركية بصفتها "ضامنا لاتفاقيات أستانا" بالضغط على الجانب الروسي لوقف القصف المنظّم على المناطق المدنية، مهيبا بالمنظمات التركية الفاعلة للإسراع في إغاثة المتضررين من القصف والمشردين في مناطق النزوح، لتأمين مخيمات ومواد غذائية لآلاف النازحين، وتدارك أزمة إنسانية كبيرة في المنطقة.