هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا للكاتب أوليفر مودي، يقول فيه إنه في نهاية حمى صيف عام 2015، عندما تدفق آلاف المهاجرين عبر حدود ألمانيا التي فتحت فجأة، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت ثلاث كلمات مشهورة: "وير تشافين داس" باللغة الألمانية، وتعني "بإمكاننا التأقلم".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "كانت هناك أوقات على مدى الثلاث سنوات ونصف الماضية، بدت فيها ألمانيا تحاول جاهدة استيعاب تدفق لا مثيل له في التاريخ، وصل إلى حوالي 1.2 مليون شخص، وبدت فيه كلمات ميركل في أفضل الأحوال غير مكترثة، وفي أسوأ الأحوال متغطرسة".
ويلفت مودي إلى أن المعارضين اليمينيين لميركل، خاصة في حزب البديل لألمانيا الشعبوي، رغبوا في أن يجعلوا تلك الكلمات لجام تأنيب على رأس ميركل (لجام التأنيب في العصور الوسطى في أوروبا كان عبارة عن قفص حديدي، على شكل وجه، يربط على وجه النساء المتهمات بالشعوذة أو نشر الإشاعات عقوبة لهن).
وتقول الصحيفة إن التشاؤم كان يسود البلد، فأكثر من ثلثي الألمان يعتقدون أن الهجرة جعلت بلدهم مكانا أكثر خطورة، بحسب استطلاع أجراه YouGov، ونشره مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي يقول فيه 20% إن الهجرة حولت الهوية الألمانية والثقافة إلى الأفضل، فإن 44% يعتقدون أن الهجرة جعلت الأمور أسوأ.
ويستدرك التقرير بأنه بعيدا عن العناوين، فإن هناك قصة أمل لبلد في الواقع تمكن من التأقلم والاستيعاب، مع أن ذلك بصمت، وليس بشكل منتظم عبر المناطق، فهناك حوالي 400 ألف أقاموا في ألمانيا منذ عام 2015، يعملون الآن، بحسب اتحاد أصحاب الأعمال الفيدرالي، مشيرا إلى أن هذا الرقم لا يزال أقل منه لدى الألمان، الذين تصل نسبة العاملين بينهم إلى الثلثين، إلا أن هناك حاجة لوضع كل رقم في السياق المناسب.
ويبين الكاتب أن استيعاب الوافدين الجدد في اقتصاد يعطي العامل الألماني مميزات تتمثل في تحدي الأجيال، فتشير الدراسات إلى أن اللاجئين يحتاجون ما معدله 20 عاما للحاق بالسكان الأصليين في سوق العمل.
وترى الصحيفة أن الأوضاع بشكل عام تحتاج إلى وقت لإعادة بناء حياة مدمرة، ففي قرية بيلستين، التي تبعد أقل من نصف ساعة في السيارة عن كولون، يهطل المطر البارد دون توقف على ملعب كرة قدم محاط بأشجار الصنوبر، وتشعر أن سوريا بعيدة جدا من هنا.
وينوه التقرير إلى أنه في النادي يجد كل من يوسف (29 عاما) وعدنان (24 عاما)، أمامهما قهوة سوداء وبسكويت، ويتحدثان بصراحة عن مدى الهوة بين العالم الذي تربيا فيه ومحيطهما الجديد، فقواعد العبادة تحتاج إلى الاعتياد عليها، والطعام الألماني غريب نوعا ما، وإن كان الخبز لا بأس به، و"عادة ما تضيع النكات في الترجمة".
وينقل مودي عن يوسف، قوله: "الألمان لا يستوعبون نكاتنا، والعكس صحيح.. يمكنك أن تقول بالنسبة لنا المبالغة طبيعية، فلا نأخذ الأمور بحرفية، لكن الألمان يفهمون الأمور حرفيا".
وتذكر الصحيفة أن يوسف كان محاميا في دمشق، وعندما أصبحت الحياة صعبة عام 2015، سافر إلى لبنان، ثم إلى تركيا، ومن هناك ركب قاربا إلى جزيرة ليسبوس اليونانية.
ويشير التقرير إلى أنه مثل مئات آلاف السوريين في ذلك الصيف، فإنه مشى في طريق اللاجئين الصعب، من مقدونيا إلى صربيا إلى هنغاريا إلى ألمانيا، ووصل إلى بلدة روزينهيم، بعد أيام من فتح ميركل للحدود، وتم إرساله إلى بيلستين في ولاية ويستفاليا الغنية، حيث تم توزيع طالبي اللجوء على المناطق، كل بحسب دخل الفرد في المنطقة.
ويفيد الكاتب بأن المهاجرين وضعوا في مراكز استقبال، حيث يعطى الفرد 140 يورو في الشهر، حتى يتم النظر في طلب اللجوء، فإن تمت الموافقة عليه فإنه يعطى 420 يورو، مضافا إليها إيجار السكن.
وتلفت الصحيفة إلى أن الدولة أطلقت عام 2016 برنامج "ما قبل الدمج" لطالبي اللجوء، الذي اتبع نموذجا هولنديا ناجحا، حيث يعطى كل لاجئ 600 ساعة لغة ألمانية، و100 ساعة "مواطنة"، بما في ذلك العناصر الأساسية للنظام السياسي، مشيرة إلى أنه عندما يتم إسكانهم في بلد ما فإنهم يمنعون من الانتقال منه لمدة ثلاث سنوات؛ لمنعهم من التكتل في المدن الكبيرة، مثل فرانكفورت وبرلين.
وبحسب التقرير، فإنه بالنسبة ليوسف فإنه أخذ طلب اللجوء بعد عامين ونصف، ويقول: "لم أصب بالملل، لأنني بقيت شاغلا نفسي في كورس اللغة الألمانية.. لكن كنت أعيش ضغطا نفسيا كبيرا؛ لأنني لا أعرف مستقبلي، ولا أعرف ماذا يحصل لعائلتي في سوريا"، ولحسن حظ يوسف رحب به نادي كرة القدم المحلي.
وينوه مودي إلى أن المسؤول عن الدمج في النادي، وهو مستشار برمجيات سابق، يدعى أخيم شولتز (65 عاما)، يشغل نفسه بتفاصيل حياة اللاجئين، ويحاول حل مشكلاتهم، من خلال متاهات البيروقراطية الألمانية، وعندما لا يفهم اللاجئون اللغة الألمانية فإن شولتز يستخدم تطبيقا على هاتفه يترجم للغة العربية، لافتا إلى أنه كان غاضبا جدا اليوم من مركز توظيف قريب أضاع وثائق عائلة سورية.
وتقول الصحيفة إن "الصعوبات التي تواجه اللاجئين جمة، أما قصص نجاح اللاجئين السوريين والعراقيين، التي تبدو كأنها قصص خيالية، مثل قصة عازف البيانو إيهام أحمد، أو السباحة الأولمبية يسرى مرديني، أو الفائزة بجائزة نوبل للسلام ناديا مراد، ليست إلا الاستثناء".
وبحسب التقرير، فإنه في بلد يولي أهمية كبيرة للشهادات، فإن هناك اثنين من كل خمسة من القادمين الجدد بعد عام 2015، ليست لديهم شهادة ثانوية عامة، وواحد من ثمانية ليس معه تعليم ابتدائي.
ويبين الكاتب أنه "حتى عندما يحمل اللاجئون شهادات مهنية أو خبرة عملية، فهي في العادة غير معترف بها في ألمانيا، وهذا يعني أن شهادة المحاماة التي يحملها يوسف ليست لها قيمة في ألمانيا: فهي باللغة الخطأ، والقوانين الخطأ؛ لأن القانون السوري قائم على النموذح الفرنسي، فهو قائم على الفلسفة القانونية الخاطئة أيضا، وبدلا من المحاماة تحول إلى العمل أي عمل يتوفر له، مثل الترجمة أحيانا لشركة تلفزيون".
وتفيد الصحيفة بأنه من ناحية نظرية فإنه يمكن للأشخاص الذين هم في وضع يوسف أن يجسروا الهوة من خلال نوع من التدريب، الذي يكون عائده قليلا بهدف التدرب من خلال العمل، لكن في الواقع يجد هؤلاء أنفسهم يتنافسون على هذه الفرص مع شباب ألمان، يحظى فيها هؤلاء الشباب بأفضلية.
ويشير التقرير إلى أن عدنان لديه شهادة في الهندسة الكهربائية من سوريا، لكنه يقول إن طلباته للعمل رفضت أكثر من مئة مرة، وهو يحاول الحصول على العمل اليدوي عندما يتوفر له ذلك.
ويورد مودي نقلا عن عدنان، قوله: "أردت أن أحصل على فرصة تدريب.. فيتم دعوتي للمقابلة فأجد عشرة آخرين، وهؤلاء ألمان، ثم يجرى لنا اختبارات في الرياضيات والفيزياء والألمان يتفوقون فيها علي.. لقد درست في سوريا قبل ست أو سبع سنوات، وأحاول أن أتذكر التفاصيل، لكن الأمر يأخذ شيئا من الوقت، وبإمكان الألمان ببساطة الإجابة بشكل أسرع مني".
وتعلق الصحيفة قائلة إن مثل عدنان، فإن الأمر ينتهي بربع اللاجئين إلى الحصول على عمل غير مضمون، من خلال وكالات العمل المؤقت، مشيرة إلى أن بعض الاقتصاديين يتوقعون أن حوالي 300 ألف قد ينتهي بهم الأمر للعمل في سوق العمل الرمادية لساعات طويلة مقابل راتب أقل من الحد الأدنى للأجور.
ويذهب التقرير إلى أن المشكلة الأخرى ثقافية، فقالت وزيرة الدمج في ولاية ويستفاليا، سيراب غولر (38 عاما)، إنه يمكن الحديث عن "نجاح ضئيل" من ناحية عدد اللاجئين الذين حصلوا على عمل، والذين أتقنوا اللغة الألمانية، إلا أن غرس القيم الألمانية في نفوس القادمين الجدد سيأخذ وقتا أطول.
وينقل الكاتب عن غولر، قولها: "أحيانا كان قبول طريقة حياتنا هو التحدي الأكبر.. فإذا نشأت في مجتمع مختلف تماما، وإذا نشأت تحت نظام ديكتاتوري، وتم تعليمك منذ الصغر بأن النساء أضعف وأقل شأنا، فإنك لا تصبح ذاتيا مؤيدا للديمقراطية والحرية والمساواة بمجرد عبورك للحدود الألمانية.. قبول هذا سيأخذ وقتا، ويجب علينا أن نوضح بأن قبول الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية ليس التماسا منا، لكنه مطلب واضح".
وتؤكد الصحيفة أن "عدنان ويوسف عملا بشكل جاد للاستقرار في بلدهما الجديد، ويريدان البقاء، وقاما بالتأقلم مع عاداته وقواعده الكثيرة، وحتى حس النكتة المتميز، ولغة يوسف الألمانية قريبة من الطلاقة، فيما يسافر عدنان عدة ساعات في الباص ليحضر دروس اللغة".
ويورد التقرير نقلا عن يوسف، قوله: "لقد تركنا حياتنا القديمة، وألقينا بشهاداتها وخبرتنا العملية جانبا، واضطررنا للبدء ثانية من الصفر.. لكن بالرغم من المشكلات التي واجهتنا، والصعوبات، والعملية البيروقراطية الطويلة.. أنا شاكر جدا لألمانيا لأنها كانت البلد الوحيد في العالم الذي قبل أن يأخذنا كوننا سوريين ولاجئين، إنها بلد جيد والناس منفتحون ومتفهمون".
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن عدنان وافقه الرأي، قائلا: "نشعر أننا في وطننا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)