هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة
"البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن الثورة الجزائرية التي أثارت
جدلا واسع النطاق، حيث اختارت الدول المجاورة التزام الحذر والتراخي في مواجهة
الأزمة السياسية التي تمر بها الجزائر.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في الوقت الذي تتصدر فيه الثورة
الجزائرية عناوين الأخبار في الأسابيع الأخيرة، يُخيّم الصمت على معظم الحكومات
العربية التي تتصرف كما لو كانت غير موجودة. وقد كان هذا الصمت شبه مطلق وهو يندرج
ضمن النقاط القليلة التي تعكس الاتفاق الضمني بين مختلف المحاور الإقليمية. في المقابل،
تختلف الأسباب الكامنة وراء هذا الموقف من بلد لآخر، كما هو الحال بالنسبة لوجهات
نظرهم حول النتيجة المحتملة لهذه الأزمة.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في مركز برشلونة للعلاقات الدولية، إدوارد سولير،
أن "الحذر يشير إلى النهج الذي تتخذه جميع البلدان في المنطقة. وأعتقد أنه
يعود إلى الدروس المستفادة من ثورات الربيع العربي". وخلافا لما حدث في ثورات
الربيع العربي، لم يدعم أي بلد علنا مطالب الشارع الجزائري. وهذه المرة، أظهرت كل
من قطر وتركيا موقفا حذرا، على الرغم من أن قناة الجزيرة القطرية قدمت تغطية واسعة
للاحتجاجات.
وأضاف سولير أنه "إذا عبر أردوغان أو قطر عن موقفهما علنا، فإنه
بإمكانهما إلحاق الضرر بالاحتجاجات من خلال إثارة الخوف في صفوف جزء من المجتمع
إزاء وجود خطة إسلامية تهدف إلى السيطرة على البلاد". وربما يفسر هذا المنطق
حيادهما الظاهر. وربما تكمن أسباب أخرى تدفعهم إلى التزام الصمت، حيث تركز كلا
الحكومتين على قضايا أخرى.
وبينت الصحيفة أنه بالنسبة للرئيس التركي، قد يعود الحياد إلى اقتراب موعد
الانتخابات المحلية، حيث سيراهن على المشاعر المعادية للغرب، وتنامي القلق بشأن
احتمال إرساء الحكم الذاتي الكردي في سوريا. وبالنسبة للدوحة، فإن أولوياتها تكمن
في التخلص من الحصار الذي تفرضه عليها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها، مما
يجعلها تعمل على الحفاظ على حيادها في الأزمات الإقليمية.
وذكرت الصحيفة أن الزعيمين العربيين الوحيدين اللذين علّقا على الاحتجاجات
في الجزائر هما الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والمصري عبد الفتاح السيسي.
وقد صرح الرئيس التونسي في أواخر شهر شباط/ فبراير بأنه "لكل بلد قواعده
الخاصة، ولا يمكننا أن نعطي دروسا للآخرين. فالشعب الجزائري يتمتع بحرية التعبير
والأمر سيان في ما يتعلق بنظام الحكم في البلاد".
وأضافت الصحيفة أن المشير عبد الفتاح السيسي كان أكثر جرأة، إذ صرح في تجمع
عسكري عقد مؤخرا بأن "كل هذه الاحتجاجات تأتي بثمن يتعين على الناس دفعه، هل
يجب أن نتناول الطعام أو ننشغل بالاحتجاج؟". وحسب الباحث في خلية تفكير مركز
تشاتام هاوس، جورج فهمي، فإن حلفاء السيسي الإقليميين خاصة السعودية والإمارات
يخشون نجاح الثورة الشعبية في الجزائر، بالنظر إلى احتمال أن يؤدي ذلك إلى ظهور
حركة إسلامية، مثلما حدث في مصر.
اقرأ أيضا: الحزب الحاكم في الجزائر يؤيد موقف الجيش من بوتفليقة
ونظرا لصغر حجمها ومكانتها المجاورة، فإن تونس هي البلد الذي سيتأثر بشكل
مباشر بالاحتجاجات في الجزائر. وعلى ضوء ذلك، قال المحلل التونسي يوسف الشريف إنه
"يتعين على الحكومة التونسية أن تبقي علاقاتها جيدة مع الجزائر، وأن تحافظ
على توازن دقيق حتى لا تزيد من نفور النظام الجزائري أو المعارضة".
وأوضحت الصحيفة أنه بالنسبة لتونس، فإن أسوأ سيناريو هو أن تكون نهاية
الأزمة دموية وأن يعزز النظام من قوته وسيطرته، وهو ما يمكن أن يغير حساباتها.
بالإضافة إلى ذلك، تستقبل السواحل التونسية سنويا حوالي مليون سائح جزائري،
وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى ركود اقتصادي في البلاد. وبالنسبة للشريف "يكمن
السيناريو الأمثل في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي، إثر ذلك يمكن للبلدين تشكيل جبهة
إقليمية تعارض الاستبداد الذي يمثله محور السيسي".
وحسب الباحث جورج فهمي، فإن "الأحداث التي شهدتها كل من الجزائر
والسودان قد أثارت من جديد مسألة التحول الديمقراطي عندما اتضح أن الميل
الاستبدادي قد استقر في المنطقة". وتتمتع الجزائر بتأثير كبير في جميع أنحاء
العالم العربي بسبب ثقلها الديمغرافي ومواردها الطبيعية، التي تفوق تونس بكثير.
وأشارت الصحيفة إلى أن
فهمي يعتقد أن تقاعس المحور السلطوي يُفسَّر أيضا بالموقف المحايد الذي اتخذته
الجزائر في الأزمات التي واجهتها قطر. فنتيجة لتاريخه وأيديولوجيته المناهضة
للاستعمار، اختار النظام الجزائري دائما سياسة خارجية مستقلة في النزاعات التي هزت
المنطقة.
ومن بين الأسباب
الأخرى التي تجعل البلدان المجاورة تتوخى الحذر في ما يتعلق بالأزمة الجزائرية، سبب
مشترك يجمع بين جميع بلدان المنطقة بما في ذلك المغرب، وهي القدرة المحدودة على
التأثير على اللاعبين الرئيسين في المشهد الجزائري.
وفي الختام، نوهت الصحيفة بأن السياسة الخارجية التقليدية للجزائر أو
احتياطاتها الهائلة من الهيدروكربون، التي تبيعها خاصة للغرب، قد جعلت منها بلدا
على قدر من الاستقلالية. وحيال هذا الشأن، قال سولير إن الجزائر "واحدة من
الجهات الفاعلة القليلة التي لها ثقل في الولايات المتحدة الأمريكية بفضل العلاقات
بين جيشي البلدين. لكن الأزمة ستُحل على أساس ديناميات داخلية بحتة".