هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قرار وزيرة التربية، الذي تدافع عنه باستماتة منقطعة النظير، من أجل طرد الصلاة من المدرسة بعد أن تم طرد بقية “المنكَرات” الدينية من البرامج أو تقليصها أو حذفها أو تعويمها، يأتي في سياق مبرمَج سلفا، يبدو ظاهرُه ضد السلفية والإسلاميين، الشيء الذي يفسره موقف جمعية الزوايا والأشراف من المسألة، لكن باطنه غير ذلك. الباطن يوحي بما يبديه الظاهر، والظاهر في ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
المسألة مرتبطة بمنهج واضح يدخل ضمن استراتيجية لنسخة فرنسية هي علمنة التعليم على الطريقة الفرنسية، أي تحييد الأخلاق والدين والمقومات الهوياتية التي يقوم عليها التماسك الهوياتي الاجتماعي، من المدرسة، بما يجعل التلميذ مجرد آلة تلقين لا يشوِّش عليه ملقن لا من العائلة ولا من المسجد أو المحيط الاجتماعي.
هذا التحييد، جعل المدرسة تهوي إلى الحضيض، بعدما فقدنا البوصلة وصرنا في المرتبة 185 عالميا، بعد اليمن المدمَّر وسوريا المفتتة: لا تعليم ولا تربية.
فقهُ الأولويات أو ما يسمى بـ”الأجوندا”، تحتم علينا أولا طرد المدنس لا المقدس من المدرسة: تنظيف المدرسة من المخدرات والسجائر والممارسات غير الأخلاقية بين البنين والبنات، وهذا قبل التفكير في منع الصلاة داخل المدارس، لكن ترتيب الأولويات عند التوجه العلماني الفرنسي المعروف بمعاداته للدين ولكل أشكال التدين، لعقدة تاريخية مع الكنيسة منذ القرن السابع عشر والثورة الفرنسية، ودخول اليهود في ترسيخ عقيدة كراهية الأديان كلها المسيحية والإسلام على الخصوص، ينبني عندنا على أن استراتيجية إخراج الدين أولا وأخيرا، لأن إخراج الدين من المدرسة أولى عندهم من إخراج المخدرات، والانحلال رمزٌ للتفتح ومناهضة التدين.
هذا التوجه، ليس وليد المدرسة مع الوزيرة أو حتى ما قبلها، بل إنه وليد استراتيجية أوسع وأبعد بدأها التيار الاستئصالي منذ التسعينيات، عندما شرع في ضرب الحركة الإسلامية الراديكالية بفرض بيع الخمور ونشر كل أشكال المجون، الهدف منه كان التشويش على هذا التيار المشاكس المتنامي، الذي كان بالتأكيد يخيف الجميع بتشدده، حتى إننا لاحظنا كيف أن عدة ولاة أرسلوا لكلِّ من أغلق حانته في التسعينيات خوفا من التهديد الإرهابي، أن يعيدوا فتحها تحت طائلة الغلق وسحب السجل التجاري، بل إن “الإضارة” سارعت لتسهيل فتح محلات بيع الخمور وشربها حتى في قرى بعيدة ومحافِظة، ما أدى أحيانا إلى مظاهرات حرقٍ وتخريب لأوكار الفسوق هذه، لأن الخمر يجلب الرذيلة حتى داخل القرى المحافظة. وهو تماما ما كانت فرنسا قد قامت به في بداية الاحتلال، وقد قرأتُ كتابا فرنسيا في هذا الصدد يعترف صاحبُه وهو من الكولون القدماء، كيف أنهم كانوا يعملون على تدنيس كل ما هو مقدس وضرب المعتقدات الدينية من أجل “تحرير العقل والفكر”، كما كان يُسمى، من هذه “الذهنية البالية” تمهيدا لفرْنسة المجتمع دينيا وثقافيا وفكريا وأخلاقيا.
هذا المسعى التربوي، كما نلاحظ إنما هو امتدادٌ لهذه الاستراتيجية التي تتجاوز الوزيرة نفسها، باعتبارها مجرد عريف حامل للّواء، الغرض منه تكملة ما عجزت فرنسا عن تنفيذه طيلة احتلالها وإلى اليوم.
العيب ليس في الخمر ولا في المخدرات وفي العري والمجون ولا في انهيار القيم والمستوى التعليمي، بل في الصلاة والدين.. وهذا ما تحاول الوزيرة أن تغرسه رغما عن الجميع في عقولنا جميعا، على اعتبار أن الجميع “غاشي” وأن المجموعة “الفاهمة” هي التي تفهم ولها الحق في الاستفهام.
عن صحيفة الشروق الجزائرية