كتاب عربي 21

الاستثمار الأجنبي والتعديلات الدستورية المصرية

ممدوح الولي
1300x600
1300x600

من بين مجموعة المتطلبات الأساسية لمؤشر ضمان جاذبية الاستثمار، كان مؤشر المشاركة والمحاسبة، ومؤشر الاستقرار السياسي وغياب العنف، ومؤشر سيادة القانون.

وفي عام 2010، ومع فعاليات انتخابات البرلمان المصري التي أسفرت عن حصول الحزب الوطنى الحاكم على نسبة 83 في المئة من المقاعد بالإضافة لوجود نسبة 10 في المئة تخص المستقلين الموالين للحزب، لتتبقى نسبة 3 في المئة من المقاعد لباقي المستقلين و3 في المئة للأحزاب الأخرى، وهي الانتخابات التي لم تتم تحت الإشراف القضائى الكامل، ولم تسمح السلطات وقتها بفكرة الإشراف الدولى عليها، وشهدت اشتباكات بعديد من اللجان أسفرت عن سقوط قتلى، كما لقيت اتهامات بالتزوير من المعارضة المحلية وشكوك دولية حول نزاهتها.. من هنا، فقد رافق فعاليات الحملة الانتخابية لتلك الانتخابات البرلمانية، بدء تزايد معدلات خروح الاستثمار الأجنبي المباشر من مصر، ليصل خلال الربع الثالث من عام 2010 إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار، وزاد معدل الخروج للاستثمارات الأجنبية خلال الربع الأخير من العام ليقترب من مليار وسبعمائة مليون دولار.

وخلال عام 2011، عام الثورة المصرية، زادت معدلات خروج الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتصل خلال العام إلى أكثر من ثمانية مليارات ونصف المليار دولار. وشهد العام ظاهرة لم تحدث من قبل بمجال الاستثمار الأجنبي بمصر، وهي أن قيمة الاستثمارات الخارجة من مصر كانت أعلى من قيمة الاستثمارات الداخلة، ليسفر العام عن عجز بصافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزادت معدلات الخروج للمستثمرين خلال عام 2012 لتتخطى الثمانية مليارات ونصف المليار دولار.

خروج الاستثمار المباشر والحافظة

ولم يختلف الحال مع استثمارات الأجانب بالحافظة والتي تتنوع ما بين الاستثمار بالبورصة المصرية وشراء أذون وسندات الخزانة المصرية، حيث تحول الفائض بصافي استثمارات الحافظة للأجانب بمصر خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2010، إلى عجز بلغ أكثر من مليار و300 مليون دولار، نتيجة خروج الأجانب خلال الربع الرابع من العام.

وفى عام 2011 ازدادت كثافة خروج الأجانب لتتجاوز العشرة مليارات من الدولارات خلال العام، واستمر العجز بصافي استثمارات الحافظة للأجانب عام 2012، وإن كان بوتيرة أقل.

ونفس الخروج من مصر كان حال استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية، والتي بلغت أرصدتها أكثر من 11 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر 2010، لتتجه خلال الشهور التالية إلى الانخفاض التدريجي حتى بلغت حوالي مليار و300 مليون دولار بنهاية عام 2011، ثم إلى أقل من 123 مليون دولار فقط عام 2012.

واذا كانت الانتخابات البرلمانية لعام 2010 قد جرت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، فقد بدأ الخروج للاستثمارات الأجنبية قبلها ببضعة شهور، نتيجة المعلومات التي يحصل عليها هؤلاء المستثمرون، سواء من الإعلام الإقتصادي الدولي أو من سفارات بلادهم أو من بعض أصحاب النفوذ من المصريين الذين يعمل بعضهم كمستشارين لتلك الشركات.

طفرة خروج للأجانب بالشهور الأخيرة

ومن هنا، فقد يمكن الربط بين الطفرة التي حققتها الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من مصر، خلال الربع الثالث من العام الماضي، وهي آخر بيانات منشورة، لتصل إلى مليار و773 مليون دولار، بمعدل نمو تجاوز الأربعين في المئة، سواء بالمقارنة لنفس الربع من العام الأسبق، أو بالمقارنة للربع الثاني من العام الماضي.

وهو رقم كبير لم يحدث منذ الريع الثاني من عام 2016، وقت شدة أزمة سعر الصرف وسيطرة السوق السوداء عليه، وصعوبة تحويل الشركات الأجنبية لأرباحها إلى الخارج.

 

 

التعديلات الدستورية التي سيقرها البرلمان المصري الصوري؛، أشد تأثيرا سلبيا على الحياة السياسية المصرية حين تعني تعطيل مبدأ تداول السلطة الذي ضحى المصريون من أجله بالمئات من الشهداء خلال ثورة الخامس العشرين من يناير 2011

وإذا كان شعور المستثمرين الأجانب بالانسداد السياسي في النصف الثاني من عام 2010 قد دفع الكثيرين منهم إلى الخروج من مصر، فإن التعديلات الدستورية التي سيقرها البرلمان المصري الصوري؛، أشد تأثيرا سلبيا على الحياة السياسية المصرية حين تعني تعطيل مبدأ تداول السلطة الذي ضحى المصريون من أجله بالمئات من الشهداء خلال ثورة الخامس العشرين من يناير 2011.

كما يرافق قرار تميد الفترة الرئاسية العديد من القيود التي تمتد إلى الإعلام والقضاء، مما يجعل أثرها على تعطيل الحياة السياسية المعطلة أصلا؛ أشد مما حدث في النصف الثاني من عام 2010، مما يمكن معه تصور تكرار سيناريو خروج عدد من المستثمرين الأجانب، سواء بالاستثمار المباشر أو استثمار الحافظة.

تصنيف غير استثماري لمصر

ويعزز ذلك تصنيف مصر غير الاستثماري من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث، حيث يصل تصنيفها حاليا درجة "B" لدى "ستاندر آند بور" ودرجة "B" لدى فيتش، ودرجة "B3" لدى موديز وكلها درجات عالية المضاربة.

ولعل هذا يفسر تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر خلال فصول العام الماضى، وتركزه في الاستثمارات البترولية، وندرته في مجالات الصناعة والزراعة التي يحتاجها المصريون لتوفير فرص العمل، وتوفير السلع والخدمات التي لتقليل ارتفاع نسبة التضخم.

وربما يقول البعض إن ما نقوله يتعارض مع ما نشر عن إعلان شركة مرسيدس عودتها للاستثمار بمصر، وهو أمر يحتاج إلى تريث، ترقبا لما ستسفر عنه الأمور، حيث كانت مرسيدس تضغط على الحكومة المصرية لحل خلاف ضريبي مع وكيلها في مصر، وهو ما تمكنت من الحصول عليه، وقد قالت إنها ستعود من خلال وكيل محلي تبحث عنه للاتفاق معه وربما لا تجده، خاصة وأن صناعة تجميع السيارات بمصر تمر حاليا بفترة من الركود، بسبب إلغاء الجمارك على السيارات الواردة من دول الاتحاد الأوربي مما جعلها أرخص نسبيا للمستهلك، ما دفع كثير من شركات تجميع السيارات المصرية إلى تأجيل استيراد مكونات التصنيع خلال شهر شباط/ فبراير الحالي، نظرا لضعف المبيعات منذ الربع الأخير من العام الماضي وحتى الآن، وبالتالي فإن الظروف المحلية ليست مهيأة لعودة مرسيدس حاليا.

نقطة أخرى هامة وهي عدم استطاعة رجال الأعمال المصريين التصريح إعلاميا بما يمرون به من مصاعب، مما يجعل الصورة الحقيقية لواقع الأعمال غير واضحة في ظل إعلام الصوت الواحد، والمنافسة غير المتكافئة التي يتعرضون نتيجة توسع الجيش في العديد من الأنشطة الاقتصادية، مما يجعلهم يؤثرون الصمت أو يصرحون بما يرضي الجهات الرسمية، خشية تنكيل السلطات بهم ووضع العراقيل أمامهم، كما حدث مع رئيس شركة راية القابضة وغيره، حتى صرح أنه سيتجه للاستثمار خارج مصر في ظل ما يلاقيه من تعنت.
التعليقات (0)