في عصر الذكاء الاصطناعي.. كل شيء يزداد عمقا

مع نهاية كل سنة، تعلن معظم المعاجم الرئيسية «كلمة السنة». والسنة الماضية، على سبيل المثال، كانت «عدالة» الكلمة الأكثر بحثاً في معجم «مريم-ويبستر». ومع أنه ما زال من المبكر جداً القيام بذلك، إلا أنني مستعد لإعلان كلمة تميز عام 2019. إنها كلمة «عميق». لماذا؟ لأن التطور الأخير في سرعة ونطاق الرقمنة، والاتصال، والبيانات الكبيرة، والذكاء الصناعي بات يأخذنا الآن «عميقا» إلى أماكن وإلى قوى لم يسبق أن شهدنا مثيلاً لها أبدا – ولم تكن الحكومات مضطرة إلى تقنينها وتنظيمها من قبل.

إنني أتحدث عن التعليم العميق، والفهم العميق، والمراقبة العميقة، والتعرف العميق على الوجه، والتعرف العميق على الصوت، والأتمتة العميقة، والعقول الصناعية العميقة. بعض هذه التكنولوجيات تقدم وعوداً غير مسبوقة ومخاطر غير مسبوقة – ولكنها باتت جميعها جزءاً من حيواتنا الآن.

ونتيجة لذلك، بات كل شيء يزداد عمقاً. ولكن كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من العمق - حيث تعيش أسماك القرش؟ الإجابة القصيرة هي أن التكنولوجيا تتقدم وتترقى بخطوات، وكل خطوة، وكل محطة جديدة، تتحيز عادة نحو مجموعة من القدرات. فحوالي عام 2000، مثلا، خطونا خطوة كبيرة نحو الاتصال بسبب ثورة كابلات الألياف البصرية، والأنظمة اللاسلكية، والأقمار الاصطناعية. وهكذا، أصبح الاتصال فجأة سريعاً ورخيصاً وسهلاً ومتاحاً في كل مكان لدرجة أن بدا كما لو أنك تستطيع لمس شخص لم يكن بإمكانك لمسه من قبل، وأنك يمكن أن تُلمس من قبل شخص لم يكن بإمكانه لمسك من قبل. 

وحوالي 2007، خطونا خطوة كبيرة أخرى. «الآيفون»، إذ انصهرت أجهزة الاستشعار، والرقمنة، والبيانات الكبيرة، وإنترنت الأشياء، والذكاء الصناعي، والحوسبة السحابية... مع بعضها البعض وخلقت منصة جديدة انحازت تجاه إزالة التعقيد بسرعةٍ ونطاقٍ ومدى لم يسبق لنا أن عرفنا مثله أبداً. ونتيجة لذلك، أصبحت أشياء معقدة كثيرة مبسطةً. وأصبح التعقيد جد سريعاً، ومجانياً، وسهل الاستخدام، وغير مرئي لدرجة أنك بلمسة واحدة على تطبيق «أوبر» أصبحت تستطيع استدعاء سيارة أجرة، وتوجيهها، ودفع المال لها، وتقييم سائقها، كما أصبح بإمكان سائقها تقييمك. 

وخلال العقد الماضي، ازداد هذا التطور في سرعة الاتصال وإزالة التعقيد بشكل متزايد. ذلك أنه بينما ازدادت البيانات الكبيرة كبراً، وسرعة نقل البيانات سرعةً، والخوارزميات ذكاءً، واستُخدمت شبكة الجيل الخامس 5G، ازداد الذكاءُ الصناعي ذكاءً حقاً. وهكذا، وبمن دون لمسة - وبأمر صوتي فقط أو اشتغال الآلات بشكل مستقل - بات باستطاعتنا اليوم الذهاب عميقاً إلى أماكن كثيرة جداً.

فبات بإمكان العلماء والأطباء اليوم العثور على إبرة في كومة قش البيانات الصحية، كقاعدة وليس كاستثناء، وبالتالي، رؤية بعض أنساق المرض التي لم تكن واضحة من قبل. وباتت الآلات تستطيع التعرف على وجهك بدقة متناهية لدرجة أن الحكومة الصينية تستطيع معاقبتك عن عبورك الشارع من أماكن غير مخصصة لعبور المشاة في بكين، باستخدام كاميرات الشوارع، علما بأنك لن تلتقي بضابط شرطة أبداً. 

واليوم، يستطيع «العملاء الافتراضيون» – باستخدام واجهات محادثة تشتغل بالذكاء الاصطناعي – أن يفهموا نيتك عندما تتصل بالبنك أو شركة بطاقة الائتمان أو شركة التأمين من أجل تلقي خدمة ما، وذلك عبر الاستماع إلى صوتك فقط. غير أن الأشرار، الذين يتكيفون مع التكنولوجيات الجديدة مبكراً يرون أيضاً الإمكانيات نفسها تزاد عمقاً بطرق مختلفة كلياً. 

ذلك أنهم يستطيعون تقليد وجهك وصوتك بدرجة كبيرة من الإتقان لدرجة أنهم يستطيعون خلق فيديو على «يوتيوب» يلقى انتشاراً كبيراً جداً تقول فيه أشياء عنصرية أو جعل الأمر يبدو كما لو أن رئيس الولايات المتحدة قد أعلن للتو هجوماً نووياً على روسيا. كما يستطيعون استخدام التكنولوجيا لتقليد صوت مدير بنك بدرجة كبيرة من الإتقان لدرجة أنه يستطيع أن يتصل بجدتك ويطلب منها - بأمر صوتي - تحويل 10 آلاف دولار إلى حساب مصرفي في سويسرا، وهو ما ستقوم به – ولن تستطيع القبض عليهم قبل فوات الأوان. والواقع أن التقنين كثيراً ما يتأخر عن التكنولوجيات الجديدة، ولكن عندما تتحرك هذه الأخيرة بهذه السرعة وتغوص إلى هذا العمق، يمكن أن يكون هذا التأخر خطيراً حقاً.

وكنت أتمنى أن يكون تدارك هذا التأخر ممكناً قريباً، ولكن الأمر ليس كذلك لأن نقاشنا الوطني لم يسبق له أن كان أكثر ضحالة مما هو عليه اليوم – إذ قُلص إلى 280 حرفاً. هذا الأمر خلق فرصة وطلباً متنامياً على الزعماء السياسيين والاجتماعيين والدينيين والمؤسسات الحكومية والشركات التي تستطيع الذهاب إلى العمق – وتستطيع تأكيد ما هو حقيقي، وتقدم للجمهور حقائق عميقة، ووسائل حماية عميقة للخصوصية، وثقة عميقة. ولكن الثقة العميقة والولاء العميق لا يمكن أن يُصنعا بين ليلة وضحاها. فهما يتطلبان وقتاً. 

عن صحيفة الاتحاد الإماراتية