مقالات مختارة

التغير المناخي.. ونموذج إيلون ماسك

توماس فريدمان
1300x600
1300x600

إذا أردتُ أن أكون صريحا لدرجة قاسية، فإن هناك شعارا واحدا فقط يمكن أن أعطيه لحركة وقف تغير المناخ بعد قمة غلاسكو في اسكتلندا، ألا وهو؛ «إن الجميع يريد الذهاب إلى الجنة ولكن لا أحد يريد الموت». 


ذلك أنه من جهة، سيُخبرك الخضر الليبراليون بأن «العالم يحتضر»، ولكنهم سيضيفون أنه يجب علينا ألا نستخدم الطاقة النووية، التي تُعد مصدرا مهما للطاقة النظيفة، تفاديا لحدوث ذلك. ومن جهة أخرى، سيخبرك الخضر المحافظون بأن «العالم يحتضر»، ولكنهم سيضيفون أنه لا يمكننا إثقال كاهل الناس بضريبة كربون أو ضريبة غازولين لإبطاء الاحتباس الحراري. 


ومن جهة ثالثة، سيخبرك الخضر من سكان الضواحي بأن «العالم يحتضر»، ولكنهم سيضيفون أنهم لا يريدون أي طواحين هوائية أو مزارع شمسية أو خطوط قطارات فائقة السرعة في أفنيتهم الخلفية. 
ومن جهة رابعة، سيقول لك معظم زعماء اليوم؛ إن «العالم يحتضر»، ولهذا قرروا جميعا في غلاسكو المجازفة بإلزام الرؤساء الذين سيأتون من بعدهم بإنتاج كهرباء خالية من الانبعاثات بحلول 2030 أو 2040 أو 2050 – أي، تاريخ لا يقتضي منهم أن يطلبوا من مواطنيهم القيام بأي شيء مؤلم. 


غير أن كل هذا ليس جديا، ليس حينما يتحدث المرء عن تغيير كل الطرق التي زعزعت استقرار أنظمة كوكب الأرض، من الغطاءات الجليدية والتيارات البحرية والشعاب المرجانية والغابات الاستوائية إلى كثافة ثاني أكسيد الكربون في الجو. إنه مجرد ادعاء وتظاهر. 


بل إن الطريقة الجدية هي التي رددنا بها على كوفيد 19، حين بدا حقا كما لو أن الاقتصاد العالمي يحتضر: فقاومنا بالأدوات الوحيدة التي نمتلكها، أدوات كبيرة وقوية على غرار «أُمنا الطبيعة»: «أبونا الربح» والتكنولوجيا الجديدة. 


فقد زاوجنا بين شركات تكنولوجيا حيوية تتميز بالابتكار – مثل فايزر-بايونتك، وموديرنا، وبعض الشركات الناشئة الصغيرة – وقوة الحوسبة الهائلة الحالية وإشارة طلب سوق عملاقة، فكانت النتيجة مذهلة؛ إذ في غضون نحو عام ونيف على خضوعنا للإغلاق بسبب الفيروس، تلقيتُ لقاحا فعالا ضد كوفيد 19 في جسدي متبوعا بجرعة معززة. 


كان ذلك نجاحا مذهلا للتكنولوجيا الحيوية وخدمات لوجستية محوسبة لتطوير اللقاحات وتوزيعها. وآملُ أن يجني العلماء والموظفون والمساهمون في تلك اللقاحات الكثير من المال؛ لأنه سيحفز آخرين على تطبيق صيغة مماثلة من أجل وقف تغير المناخ. 


والحق أنه ليس لدي أي شيء ضد قمة غلاسكو. فأنا معجب بأولئك الزعماء الذين يحاولون تشجيع العالم على تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وحماية التنوع البيولوجي، ومحاسبة بعضنا البعض. غير أننا لن نتمكن من إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي بخطة عمل ذات قاسم مشترك أدنى من 195 بلدا. فهذا أمر غير ممكن! 


إننا لن نحقق ذلك إلا عندما يُنتج روادُ أعمال يحفزهم «أبونا الربح» ومستعدون للمجازفة تكنولوجيات تغيِّر الوضع الحالي، وتمكّن الناس العاديين من أن يكون لهم تأثير مهم على مناخنا من دون بذل تضحية كبيرة – فقط عبر كونهم مستهلكين جيدين لهذه التكنولوجيات الجديدة. 


باختصار، إننا في حاجة إلى مزيد من أمثال غريتا ثانبرج والمزيد من أمثال إيلون ماسك. أي، مزيد من المبتكرين المستعدين للمجازفة الذين يحوّلون العلوم البسيطة إلى أدوات لم يتم تخيلها بعد، من أجل حماية الكوكب من أجل جيل لم يولد بعد. 


الخبر السار هو أن ذلك يحدث الآن. وفي ما يلي مثال على ذلك. 


إنها شركة «بلانيت.كوم»، التي كنتُ قد أشرت إليها بشكل موجز في مقال الأسبوع الماضي من غلاسكو. 


«بلانيت.كوم»، التي أسسها في 2010 ثلاثة علماء سابقين في وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ويوجد مقرها في سان فرانسيسكو، لديها نحو 200 قمر اصطناعي يسبح في الفضاء حول كوكبنا لتصوير الأرض، ومعظمها يعادل حجمه حجم رغيف خبز لمراقبة كتلة الأرض بأكملها كل 24 ساعة بصور عالية الدقة – وذلك من أجل جعل التغييرات التي تحدث على الأرض «مرئية، ويمكن الوصول إليها، واتخاذ تدابير بشأنها». والأكيد أنه لا توجد حكومة في العالم لديها هذه القدرة. 


ومع أدوات الشفافية العميقة هذه، نستطيع بدء إعادة تشكيل ملامح الرأسمالية. فعلى مدى سنوات، مكّنت قواعدُ الرأسمالية ومحفزاتها شركاتِ النفط والفحم من استخراج الوقود الأحفوري – والصناعات من استخدامها – من دون دفع الكلفة الحقيقية للضرر الذي تتسبب فيه. وقد كان من السهل القيام بذلك لأنه كان من الصعب تقدير قيمة الطبيعة، وكان من الصعب في الغالب رؤية الدمار في الوقت الحقيقي لحدوثه، ولم يكن لدى المستهلكين أي أدوات للقيام برد فعل. وكان عليهم انتظار المحاكم. 


وفي هذا الصدد، يقول آندرو زولي، رئيس التأثير في «بلانيت»: «لقد أنتجت الرأسمالية ثروة هائلة، ولكن ذلك يعزى جزئيا إلى حقيقة أنها كانت قادرة على معاملة الطبيعة باعتبارها مجددة لذاتها، ووافرة، ومجانية».


ولكن ذلك لن يعود سهلا بعد الآن. ذلك أن الأقمار الاصطناعية باتت «تمكّنننا الآن من وضع رأسمال طبيعي على سجل كل شركة وكل بلد»، ومن ثم، فإنها لن تأخذ في الاعتبار أرباح شركتك وخسائرها فحسب، و«إنما كل تأثيراتك» على البيئة أيضا، كما قال لي «ويل مارشل»، أحد مؤسسي «بلانيت» الثلاثة ورئيسها التنفيذي.


وخلاصة القول؛ إننا نستطيع الخروج من الأزمة الحالية، جزئيا عبر تسريع أفضل ما في الرأسمالية الأمريكية، إذ علينا أن نعيد تنشيط نظامنا الخاص بالابتكار وتوجيهه إلى حيث تموّل الحكومة البحوث الأساسية التي تدفع حدود الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، ثم تزاوج بين ذلك الابتكار وسياسات هجرة تجمع أفضل مجموعات المواهب الهندسية، ثم تطلق العنان لتلك المواهب – مدفوعة برواد أعمال مستعدين للمجازفة – لاختراع تكنولوجيا نظيفة جديدة من أجل إبطاء احترار المناخ بالسرعة والحجم اللذين نحتاجهما. 

 

(الاتحاد الإماراتية)

1
التعليقات (1)
المهندس/ أحمد نورين دينق
الإثنين، 22-11-2021 04:51 ص
لابد دون الشهد من إبر النحل:بعد إطلاعي على أساسيات مجال العلاقات الدولية و تقييمي للجهد المبذول فيه, وجدته دون الطموح, هذا المجال معطل بمتاريس كثيرة أهمها:أن المؤسسات الناتجة من رحم معاهدة عصبة الأمم مشلولة بسبب تقييدها بتقديم مصالح الدول المنتصرة المصممة للمعاهدة على المصلحة الدولية , المتراس الثاني هو التفسير الهلامي لمفهوم سيادة الدولة حيث فشل القانون الدولي في توضيح متى و كيف و أين يتقدم أو يتأخر المصلحة الدولية على حساب المصلحة الوطنية? المحصلة النهائية:قرار دولي مشلول . كيف يتحقق الإستقرار السياسي لبلد ما? إذا نجحت في تحويل الشعارات الأهداف المرسومة الى واقع عبر سياسات تنفيذية رشيدة و صارمة...فكيف تتوقعون من مجتمع دولي مشلول القرار السياسي النجاح في حسم مسألة جوهرية?لقد صدق الكاتب في جملة _حل جزئي_ لأن إبتكار حلول لمشاكل المناخ أمر ممكن و جائز و لكن تطبيقها و تنفيذها في واقعنا الحالي يحتاج الى إعادة صياغة مؤسسات دولية عديدة على أسس جديدة بعد إزالة المتاريس السابقة .