مقالات مختارة

«لنحترم العِلم والطبيعة.. لنحترم بعضنا بعضا»

توماس فريدمان
1300x600
1300x600

أكاد أشعر بالأسف لدونالد ترامب. فهو في حرب مع «عدوين غير مرئيين» في وقت واحد – فيروس كورونا وجو بايدن – وكلاهما مراوغان جيدان: المرض بشكل طبيعي، والسياسي بشكل مقصود. «بايدن»، الموشح «الديمقراطي» الذي قام بظهور علني نادر يوم الثلاثاء الماضي، كان حكيما حين قرر التواري عن الأنظار. فترامب يوجد الآن في ما يشبه حالة سباق إلى التراجع، متخذا مواقف تحظى بتأييد شرائح صغيرة بشكل متزايد من الجمهور الأميركي. فلماذا يعترض طريقه؟ 

طبعا، في نهاية المطاف سيتواجه «بايدن» مع الرئيس المنتهية ولايته في مناظرة انتخابية وسيحتاج لرسالة بسيطة وواضحة تقابل شعار «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد» الذي بات مكرورا. ولدي فكرة لشعار «بايدن» المقبل.

فبينما كنت أفكرُ في أي نوع من الرؤساء يريد «بايدن» أن يكون وأي نوع من الرؤساء تحتاجه أميركا أن يكون، خطر على بالي شعار اقترحه عليه المبتكر البيئي «هال هارفي». هارفي لم يكن يعلم أنه بصدد اقتراح شعار، وكل ما هناك أنه حدث أن ختم رسالة بعث بها إلي عبر البريد الإلكتروني بـ: «لنحترم العلم، لنحترم الطبيعة، لنحترم بعضنا بعضا». فقلتُ في نفسي: يا لها من رسالة رائعة لبايدن، ولنا جميعا. ذلك أنها تلخّص بشكل بسيط للغاية أهم القيم التي يشعر الأميركيون أننا أضعناها في السنوات الأخيرة ويأملون في استعادتها من رئاسة ما بعد ترامب. 

ويجدر ببايدن أن يُظهر التزامه بكل القيم الثلاث في كل خطاب يلقيه ومقابلة يعطيها، قيم ترسم تباينا قويا واضحا وبسيطا وسهل التذكر مع ترامب. 

ولنبدأ باحترام العلم. فازدراء ترامب الواضح لقول الحقيقة مزعج حينما يبالغ في وصف حجم الحشود التي حضرت تجمعاته، أو حجم يديه، أو حجم حسابه البنكي، أو حجم فوزه في الانتخابات. ولكن ازدراءه العلم أصبح مميتا، مثلما نرى في تفشي هذا الوباء واستفحاله، ذلك أن ترامب انتقل من وصف علاجات دجل مثل المواد المعقمة والأشعة فوق البنفسجية وعقار الهيدروكسيكلوروكين، إلى السخرية من الناس، بمن فيهم بايدن، لأنهم تبنوا الطريقة الأسهل والأنجع علميا للحد من انتشار فيروس كورونا، ألا وهي ارتداء الكمامة. 

حاكم أريزونا الموالي لترامب، وهي الولاية حيث أخذ الفيروس يخرج عن نطاق السيطرة، كان قد منع المسؤولين المحليين في مرحلة من المراحل من فرض ارتداء الكمامات على السكان. وهذا عمل جنوني على غرار قول ترامب: «إذا توقفنا عن إجراء الاختبارات الآن، فإنه ستكوون لدينا إصابات قليلة جدا، إن وُجدت». فكر في الأمر: أوقفوا إجراء الاختبارات، وحينها لن تعود لدينا أرقام، وحينها لن يكون لدينا فيروس. ترى، لماذا لم نفكر في هذا الأمر من قبل؟ 

توقفوا عن إجراء الاختبارات للأشخاص الذين يسوقون سياراتهم في حالة سكر، وحينها لن يعود لدينا أي حالات لسائقين مخمورين. وتوقفوا عن توقيف الناس بسبب إطلاق النار، وحينها سينخفض معدل الجريمة. 

أما في ما يتعلق باحترام الطبيعة، فهذا لديه معنيان. الأول هو احترام قوة الطبيعة، وهو ما فشل ترامب في فعله. فالطبيعة لا تتفاوض. ولا يمكنك إغراؤها أو مقاضاتها. وهي تفعل ما يُمليها عليها الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء. نقطة إلى السطر. ما يعني أنه في حالة الوباء، فإنها ستستمر في إصابة الناس بلا هوادة، وبلا رحمة، وبصمت، وبشكل متزايد، إلى أن ينفد الأشخاص الذين يمكن أن تصيبهم أو يجعلنا اللقاح أو التعرض للفيروس نكتسب مناعة كافية ضده. ثم إنها لا تسجل النقاط. ذلك أنها قد تجعلك مريضا، ثم تقتلع منزلك بإعصار. 

وقد يكون عدم احترام ترامب للطبيعة أداة سياسية له بين قاعدته الانتخابية، ولكنه يمثّل كارثة بالنسبة للبلد. ذلك أن ترامب لم يرسم أي استراتيجية وطنية منسقة ضد فيروس يقتضي التنسيق، لأن الفيروس تطوّر ليستغل أي ثغرات وشقوق في نظامك المناعي الشخصي أو الجماعي، ولا يعترف بخط أوكلاهوما-تكساس الحدودي.

أما ما يتعلق باحترام بعضنا بعضا، فهذا الأمر ليس سهلا وسط وبائنا الآخر: وباء الأخلاق السيئة. والواقع أن المرء لا يمكن أن يبالغ في وصف تأثير أن خطر ارتفاع حدة اللغة المسيئة وتشويه السمعة والكذب إلى مستوى حالة نعاني منها. كما لدينا شبكات اجتماعية يقوم نموذَج أعمالها على إبراز أكثر الأصوات غضبا من أقصى «اليمين» وأقصى «اليسار» ونشرها، شبكات تُخرج عادة أسوء ما في الناس. ونتيجة لذلك، صرنا نرى كل يوم تقريبا أحد الوجوه العامة، أو مجرد أميركي عادي، يضطر للاعتذار عن تغريدة تافهة أو مؤذية على تويتر. 

والواقع أن لدينا الكثير من المواضيع المهمة لنناقشها بيننا في الوقت الراهن، ولكن حتى يكون ذاك النقاش مثمرا، لا يمكننا الانتقال بكل بساطة من غضب مبرر إلى إطلاق نار أو تشويه للسمعة أو تفكيك لقسم الشرطة، دون التوقف قليلا من أجل حوار قائم على الاحترام. وشخصيا، لا أعرف ما الذي يتطلبه جعل الناس يحترمون بعضهم بعضا، ولكنني أعرف شيئين اثنين ضروريين. الأول هو رئيس يكون كل يوم قدوة في الاحترام بدلا من تشويه السمعة. وتلك مهمة بايدن. 

أما الثاني، فهو إخراج الناس من «فيسبوك» وجعلهم يتقابلون من جديد، ليس من أجل الصراخ أو التنديد، وإنما من أجل الاستماع. فالأشياء التي تعرفها عندما تستمع مهمة، ولكن الأهم من ذلك هو ما تقوله عندما تستمع. ثم إن الاستماع مؤشر على الاحترام. ومن المذهل حقا ما سيسمح لك الناس بأن تقوله لهم إن شعروا بأنك تحترمهم. وتلك مهمتنا نحن. وعليه، فلنحترم العلم، ولنحترم الطبيعة، ولنحترم بعضنا بعضا. بايدن 2020. إنها الطريقة الوحيدة لجعل أميركا عظيمة من جديد! 

(الاتحاد الإماراتية)

1
التعليقات (1)
علي الحيفاوي
الأحد، 19-07-2020 12:38 م
لا يحق لهذا الصهيوني المنافق أن يعلم الآخرين الإحترام وهو الذي لا يحترم أبسط حقوق الشعب الفلسطيني ولا جئيه في العودة إلى وطنهم والمساواة وحق تقرير المصير.