هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كأن الولايات المتحدة كان ينقصها تربع على عرش مجد آخر، بعد أن بسطت سطوتها على أسواق المال والتجارة، وتوجت نفسها رائدة في الثورة الصناعية الجديدة، بدءا بـ"الرقمنة" وانتهاء بـ"الذكاء الاصطناعي".
قلما يَرِد اليوم اسم مجال حيوي يشكل عصب الحياة والاقتصاد، إلا وكان للولايات المتحدة قصب السبق فيه.
ما هذه الدولة يا ترى؟
يعيب بعض المحللين على دول وحكومات في العالم الثالث خشيتها من الولايات المتحدة وتنفيذها سياساتها ورغباتها.
ولكن ماذا عن دولة جبارة، مثل ألمانيا، انحنت أمام الضغط الأمريكي، وألغت تصريح تشغيل شركة الخطوط الجوية الإيرانية "ماهان" على أراضيها.
وقبلها لم تفلح جهود الدول الأوروبية جميعها ومعها روسيا والصين لإبقاء إيران ضمن الدائرة المصرفية العالمية عبر نظام سويفت، الذي من دونه لا يمكن لأي دولة أو مصرف أو شركة في العالم التداول ضمن النظام المالي العالمي.
والإيرانيون حتى اليوم رغم العقوبات التي فرضتها أمريكا على بلدهم يبدو أنهم يجرون وراء السراب، سراب أن تنقذهم أوروبا من قبضة أمريكا، أو تهون الأمر عليهم؛ لممارسة بعض الأعمال التجارية.
ولكن بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على خروج أمريكا من الاتفاق النووي، إلا أن أوروبا لا تزال تراوح مكانها؛ لإيجاد صيغة للتجارة مع إيران من دون إثارة غضب واشنطن.
هناك كثير من الكلام عما يسمى بالإنجليزية Special Purpose Vehicle SPV، أو آلية ذات غرض خاص، ولكن بعد كل هذه المدة لم تتجرأ أي دولة أوروبية على قبول أن تكون مقرا لهذه الآلية.
ربما لم يشهد التاريخ دولة أو قوة عظمى تعرف كيف توظف عضلاتها الاقتصادية خدمة لمصالحها الاستراتيجية ومنافعها الخاصة مثل الولايات المتحدة.
ووصل الأمر إلى أن يقوم سفير لها في برلين بتهديد شركات ألمانية كبرى تسهم في بناء أنبوب غاز بين روسيا وألمانيا للانسحاب من المشروع، وإلا مواجهة قبضة العقوبات الأمريكية الخانقة، وفعل ذلك سفيرها في أمستردام مع الشركات الهولندية المساهمة في المشروع نفسه.
هناك أمثلة وشواهد كثيرة على الخطوات التي يمكن أن تتخذها واشنطن لتحقيق غاياتها. وهنا نحن لا نتحدث عن الأخلاق الإنسانية؛ لأن الأخلاق في السياسة شيء، والأخلاق الإنسانية التي تقود تصرفاتنا كبشر شيء آخر.
أسوق هذه المقدمة؛ لمحاولة معرفة ما ستفعله هذه الدولة التي لم يعرف التاريخ مثيلا لسطوتها وقوتها العسكرية والاقتصادية، وهي قاب قوسين أو أدنى كي تصبح عملاقا مهولا في سوق إنتاج وتسويق الطاقة الهيدروكربونية من النفط والغاز.
لقد حدثت طفرات كبيرة في صناعة النفط في أمريكا؛ نتيجة استثمارات هائلة في النفط الصخري، ما جعلها رقم واحد في العالم من حيث مستوى الإنتاج.
وإن تحققت توقعات النمو في الإنتاج والتطور التكنولوجي، فإن إنتاج النفط الأمريكي يتوقع له أن يصل إلى ما تنتجه السعودية وروسيا معا عام 2025؛ أي سيكون حينئذ معدل الإنتاج في أمريكا أكثر من 20 مليون برميل في النهار.
العملاقان، روسيا والسعودية، يبدو أنهما بدأا التحضير لوجود عملاق ثالث في الساحة النفطية، ولكن عليهما أن يعرفا أن العملاق الجديد يطاوع - في أغلب الأحيان - قوته الاقتصادية؛ لتلبية حاجاته الاستراتيجية، ليست بعيدة المدى فحسب، بل الآنية أيضا.
الباحثون في شؤون النفط والطاقة يحاولون تقديم سيناريوهات لما سيفعله العملاق الجديد، والبصمات التي سيتركها في أسواق النفط العالمية.
الضغط على الشركات الغربية للانسحاب من مشاريع الغاز بين روسيا وأوروبا، يراه البعض مؤشرا لفتح الأسواق الأوروبية أمام صادرات الغاز الأمريكية.
بعض الدول الأوروبية، مثل بولندا، بدأت في الاعتماد على الغاز الأمريكي بدلا من الروسي.
ومن المحللين من يؤكد أن نمو الإنتاج الأمريكي بطفرات كبيرة - "التوقعات تشير إلى إضافة مليوني برميل إلى معدل الإنتاج الحالي عام 2020" - لا مناص منه؛ لأن معدلات الإنتاج الصخري في طريقها إلى الارتفاع مع تقدم الزمن وتطور التكنولوجيا.
وهناك من المحللين من هو أقل تفاؤلا؛ حيث يشير إلى أن الطريق إلى استثمار مستدام في النفط الصخري الأمريكي ليس معبدا كما يتصور البعض.
مهما يكن من أمر، فإن الساحة النفطية عليها التأقلم مع ظهور العملاق الجديد، وعلى المنتجين التقليديين، إن في روسيا أو الشرق الأوسط، وضع استراتيجيات للحفاظ على مصالحهم.
مبيعات الغاز والنفط بالنسبة إلى العملاق الجديد لا تساوي شيئا، ولا حتى حبة خردل من صادراته الإجمالية.
في روسيا، مثلا، تقترب نسبة مبيعات النفط من نحو 70 في المائة من مجمل الصادرات.
في الدول الشرق أوسطية قد تصل نسبة مبيعات النفط إلى نحو 90 في المائة من مجمل الصادرات.
عن صحيفة الاقتصادية السعودية