هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا نعلم بالضبط أي شركة خوارزمية ستخترق حاجز التريليون دولار عند حساب قيمتها السوقية، لكننا نعلم أن هناك خمس شركات في أقل تقدير تلهث على خط السباق هذا. ونعلم كذلك أن اثنتين منها صارتا قاب قوسين أو أدنى من هذا الخط. ونعلم أيضا أن الشركات الخمس هذه أمريكية.
وأهم من كل هذا، علينا التذكر دائما أن أيا من الشركات الخمس هذه، لم يكن لها أثر أو وجود قبل نحو أربعة أو خمسة عقود. في غضون نحو 40 سنة، برزت لدينا خمس شركات تعبر قيمتها السوقية مجتمعة فضاء أربعة تريليونات دولار، وقد لا يستغرق الوقت منا طويلا حتى نقرأ أو نسمع أن قيمتها وصلت أو فاقت عتبة الخمسة تريليونات دولار. والشركات التي أقصدها هي: أمازون، وأبل، ومايكروسوفت، وجوجل، وفيسبوك.
ولا أظن أن هناك قارئا لهذا المقال لم يسمع عن الشركات الخمس هذه. وإن أردنا معرفة أهميتها ومكانتها، نقول إن قيمتها السوقية تساوي نحو ربع قيمة الإنتاج القومي الإجمالي في الولايات المتحدة البالغ نحو 19 تريليون دولار. وإن أردنا أن نضع قيمة هذه الشركات في سياق الاقتصاد العالمي، نقول إنها تبلغ نحو ضعف قيمة الإنتاج القومي الإجمالي في فرنسا. وأخيرا، فإن الشركات هذه، أو الأمهات الخمس التي أشرنا إليها، نشاطاتها تستحوذ على الصفحات الرئيسية في الجرائد، وتأتي غالبا في مقدمة النشرات الإخبارية.
والمنافسة على الوصول إلى خط التريليون دولار على أشده بين "أمازون" و"أبل"، هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الشركات الثلاث الأخرى – جوجل وفيسبوك ومايكروسوفت – ستتخلف عن اللحاق بهما.
أهم ما يميز الثورة الخوارزمية وشركاتها، لا بل ما يميز أغلب شركات وادي السيليكون، هو خلخلة الوضع القائم، بل تمزيقه. بمعنى آخر، الفرضية أو النظرية أو القاعدة التي نصل إليها في تفسيرنا ظاهرة الثورة الخوارزمية ربما لا ثبات لها. ما نراه سليما ومنطقيا اليوم، وما نظن أنه عامل استقرار قد يتحول إلى عامل يخلخل أو يهدم القاعدة التي اتكأنا عليها.
أستطيع تشبيه الوضع الاقتصادي، الذي نشأ عن نمو شركات عملاقة مثل هذه، بلعبة السلم والحية. فما إن تصعد السلم حتى يظهر لك ثعبان يبتلعك ويعود بك القهقرى. انظر ماذا حدث للعملاق "فيسبوك". قبل عدة أيام؛ تراجعت القيمة السوقية لهذا الوحش الخوارزمي بشكل غير مسبوق بنحو 100 مليار دولار، بعد ورود أنباء تشير إلى تقلص عدد المشتركين فيه. وتراجع عدد المشتركين كان أيضا سببا في هبوط القيمة السوقية لشركة خوارزمية أخرى، وهي "تويتر"؛ حيث تقلصت قيمتها السوقية أكثر من ستة مليارات دولار.
نستطيع الاستدلال من هذا على أننا أمام شركات، رغم عولمتها وأثمانها التي صارت حلما بالنسبة إلى دول وشعوب هي بمئات الملايين، أرضيتها ليست بالصلابة التي يتصورها أغلبنا. إن كان عمر هذه الشركات قد لا يتجاوز نحو 40 سنة، فهناك احتمال أن أي خلخلة في الوضع القائم، قد تؤدي إلى بروز شركات أخرى أو صعود شركات لم تكن في الحسبان. لماذا؟ لأن الطريقة التي نحتسب بها القيمة السوقية للشركات تعتمد على المضاربة وخلخلة الوضع القائم.
الطريقة الأولى، وهي الشائعة، تستند إلى قيمة السهم في السوق؛ أي عدد أسهم الشركة مضروبا في قيمة السهم، وقيمة السهم تتأثر كثيرا بأي خلخلة للوضع. الطريقة الثانية، تأخذ في الحسبان كل الأرباح المتوقعة في المستقبل استنادا إلى قيمة الواردات الحالية. مثلا، لو كان إيراد السهم الواحد عشرة دولارات يوميا، نتوقع نموا بمقدار 5 في المائة في الـ 25 سنة المقبلة، فيحق لنا تقدير قيمة السهم بـ 100 دولار. ومن الواضح أن للمضاربة دورا كبيرا في تقدير قيمة الشركة في أي طريقة نتبعها لحساب قيمتها السوقية.
وأكثر من هذا، أدخلتنا الشركات الخوارزمية في عالم تقدير ثروات الأشخاص، هذه شركات تطبعت بطبائع مؤسسيها وأصحابها ومبلغ ثرواتهم. عندما خسرت "فيسبوك" نحو 100 مليار دولار، انصب اهتمام الإعلام على تقدير الهبوط الذي أحدثته الخسارة في الثروة الشخصية لمؤسسها مارك زوكربيرج، الذي قيل إنه خسر نحو 16 مليار دولار أيضا من ثروته.
الشركات الخوارزمية، وعلى
رأسها الشركات الخمس التي نحن بصددها، تقود حياتنا، وربما سلوكنا، من خلال ما
تستنبطه من خطوات وأدوات ومتسلسلات عقلانية ومنطقية، تبهر ذهننا الإنساني؛ لتمكنها
من حلّ مشكلات ما كان بمقدورنا تجاوزها دونها. بيد أنها فشلت حتى الآن في تطوير أو
استنباط طريقة أو خطوة منطقية تمكنها من تجاوز المضاربات التي تعصف بقيمتها
السوقية، وأمام عاصفة المضاربات فحالها حال أي شركة أخرى.
عن صحيفة الاقتصادية السعودية