نشرت مجلة سلايت الناطقة باللغة الفرنسية تقريرا، سلطت فيه الضوء على تنامي اللامساواة الاجتماعية في فرنسا وفي بلدان أخرى من
العالم، التي تُنبئ بظهور حركات اجتماعية احتجاجية. ويحتمل الخبراء أن تكون هذه
الاحتجاجات على طريقة السترات الصفراء الفرنسية.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن تقديرات خبراء مصرف "كريدي سويس"، التي نُشرت في
تقرير الثروة العالمية لسنة 2018، تكشف عن ارتفاع عدد المليونيرات في فرنسا، الذي
وصل إلى ما يقارب 259 ألف في الفترة المتراوحة بين منتصف سنة 2017 ومنتصف سنة
2018.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة
وضع أغلبية الشعب الفرنسي. ويظهر هذا الجانب على مستوى متوسط الثروة، الذي نتوصل
إليه بعد قسمة ثروات كل الفرنسيين على عدد البالغين في البلاد. وبينما تتجاوز
ثروات هائلة هذا المتوسط، تقل ثروات جزء كبير من الفرنسيين عنه.
في الواقع، يبدو التركيز على متوسط الثورة أمرا
ضروريا. ويقسّم هذا المتوسط الفرنسيين إلى مجموعتين، تضم أولاهما الأشخاص
الذين تفوق ثرواتهم المتوسط، بينما تشمل الثانية الأفراد الذين تقل ثرواتهم
عنه.
وأفادت المجلة بأن عدم تجاوز هذا المتوسط مبلغ
106.830 دولار (حوالي 94 ألف يورو) لا يعدّ بالأمر المفاجئ. تبعا لذلك، تحتل
فرنسا بفضل هذا الرقم المرتبة الخامسة في العالم، ويعود ذلك إلى السياسة التي
تتبعها في مجال مكافحة اللامساواة الاجتماعية. في المقابل، تحتل الولايات المتحدة
المرتبة الثالثة في العالم من حيث متوسط ثروة كل شخص بالغ بثروة تعادل مبلغ
404.970 دولار (حوالي 357 ألف يورو).
من الجلي أن هذه الأرقام عاجزة عن إخفاء الصعوبات
الحقيقية التي تواجه جزءًا من السكان. ومن جهة أخرى، تعكس هذه الأرقام حقيقة أن
وضع الطبقات الأكثر حرمانا في معظم البلدان الأخرى أشد صعوبة من ظروف نسبة هامة من
الفرنسيين. ويكشف هذا الأمر عن ثقل المشاكل التي يجب على العالم حلها وقوة الحركات
التي ينبغي على الدول مواجهتها.
وبينت المجلة أنه على الصعيد العالمي، يمتلك نصف
البالغين أقل من واحد بالمئة من إجمالي الثروة العالمية. في المقابل، يمتلك 10
بالمئة آخرين 85 بالمئة منها، ويتصدر واحد بالمئة من هؤلاء الترتيب، بثروة
تناهز 47 بالمئة من إجمالي الثروة.
وقد يكون من غير المرجح أن تسعى فرنسا إلى توسيع
نطاق تطبيق العدالة الاجتماعية. وفي السياق ذاته، حذرت المديرة التنفيذية لصندوق
النقد الدولي، كريستين لاغارد، في خطاب يعود إلى تاريخ الرابع من كانون الأول/
ديسمبر الجاري في واشنطن، من أنه "بحلول سنة 2040، قد تحطم نسب اللامساواة كل
الأرقام القياسية".
ونقلت المجلة عن وزيرة الاقتصاد السابقة في عهد
نيكولا ساركوزي، أنه "يُمكن لعوامل على غرار نفوذ شركات التكنولوجيا المحتكرة
وضعف الدول وعدم نجاعة السياسات الوطنية، أن تحول دون نجاح الشركات الصغرى. كما
يُمكن للتقدم في مجال الصحة أن يسمح للأغنياء بالعيش أكثر من 120 سنة، في الوقت
الذي سيعاني فيه ملايين الأشخاص الآخرين من الفقر المدقع والأمراض".
وبالتالي، يبدو الاستنتاج بسيطا، حيث إنه "في حال لم نتحرك حيال ذلك، يمكننا
الدخول في عصر الغضب".
وأشارت المجلة إلى أن منظمات دولية أخرى استنتجت
الأمر ذاته؛ فقد شكل التقرير الأخير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة
والتنمية، مثلا، اتهاما صارخا للأيديولوجية السائدة، إذ ورد فيه أنه "لسوء
الحظ، جدّت الثورة الرقمية في عهد الليبرالية الجديدة. فمنذ 40 سنة، عصفت الأوهام
المالية، والنفوذ الجامح للشركات الكبرى، والتقشف الاقتصادي، بالعقد الاجتماعي
الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية".
وفي جميع البلدان، سيطرت بعض الشركات المصدرة
الكبرى على أسواق التجارة العالمية. كما سمح لها النجاح الذي تمكنت من تحقيقه بعدم الالتزام بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه أوطانها.
يبدو أن كريستين لاغارد تعتقد أن الوقوف في وجه
تنامي اللامساواة الاجتماعية يستوجب اعتماد نوع من "المهارة" في معالجة
ثلاث قضايا رئيسية. وتتمثل هذه القضايا في وضع قواعد جديدة للتجارة الدولية لوقف
التوترات، وفرض قواعد جديدة على الضرائب؛ لمنع الشركات الكبرى من التهرب الضريبي، وعدم مشاركة الدول في منافسة مدمرة، فضلا عن تطبيق اتفاق باريس للمناخ، وإحراز تقدم
في مشروع اعتماد اقتصاد خالٍ من الكربون.
وأردفت المجلة بأنه يمكن تصور أن القادة السياسيين
سيشرفون بأنفسهم على وضع الترتيبات اللازمة، ما يفترض أن المناخ الدولي سيسمح لهم
بذلك، وأن شركاتهم ستواجه منافسين ذوي التزامات اجتماعية. وفي الواقع، لا يعد هذا
السيناريو ممكنا، خاصة أن التنسيق بين المؤسسات الدولية يعد الشرط الأساسي لتحقيق
التقدم.
وفي الختام، ذكرت المجلة أنه يجب التسريع في
الإصلاحات، لأن عدوى حركة "السترات الصفراء" التي عرفتها فرنسا في
الأيام الأخيرة يُمكن أن تنتقل إلى مناطق أخرى من العالم. علاوة على ذلك، يُمكن أن
تتخذ أشكالا مختلفة، علما أن هذا ما يُثبته تنامي الشعوبية أو صعود الأحزاب
المتطرفة في العديد من البلدان.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)