جاء المؤتمر الدولي الخاص بالتنوع البيولوجي (الذي انعقد في شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر المنصرم) خطوة على طريق تجسيد وتفعيل الإرادة الدولية الجماعية للحفاظ على الأنواع، في إطار التزام دولي أشمل لحماية الطبيعة علي وجه الخصوص، وحماية
البيئة بوجه أعم.
وقد اختيرت
مصر لتكون مقرا لانعقاد هذا المؤتمر، مما لفت الأنظار مجددا للقضايا البيئية في مصر، التي تحتاج إلى دفعة قوية لمواجهة التحديات الخطيرة التي يواجهها حماة البيئة في كل دول العالم، وبالأخص في العالم النامي. ويأتي في مقدمة التحديات البيئية في مصر؛ ما تفرزه العلاقة الجدلية وصراع الإرادات التقليدي بين صناع القرار البيئي وجماعات الضغط ومراكز القوي الاقتصادية، التي لديها مصالح (مشروعة أو غير مشروعة)، والتي تتجلي في بعض الملفات في كسر إرادة صانع القرار البيئي لحساب مصالح متنفذين في الساحة الاقتصادية، على غرار ما حدث في ملف استيراد الفحم الحجري الذي سمح به على خلاف إرادة حماة البيئة في مصر، وربما بترحيب من أحد المتنفذين في الملف البيئي وقتها، في الوقت الذي يتخارج فيه العالم من عصر الفحم إلى عصر الطاقة الجديدة والمتجددة.
وأيا كانت التفاصيل التنظيمية للمؤتمر وفعالياته، فقد ساهم المؤتمر في تسليط الأضواء على قضية التنوع البيولوجي بوجه خاص، وعلى القضايا البيئية في مصر بوجه عام، مما سيساهم في مراكمة الوعي البيئي لدى الشعب المصري، الذي ما يزال يحتاج إلى المزيد من التراكم المعرفي والوجداني، حتى تصبح قضايا حماية البيئة عاملا مفصليا في صناعة القرار بإلحاح من ذلك الوعي البيئي للشعب، ونخرج بذلك من مرحلة استضعاف حماة البيئة وتهميشهم لحساب جماعات المصالح الاقتصادية.
وتعد قضية التنوع البيولوجي من القضايا البيئية التي تحظي باهتمام عالمي كبير؛ تجلى في عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بهذا الملف، من بينها اتفاقية التنوع البيولوجي التي تهدف إلي وضع استراتيجيات وطنية للحفظ والاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي، وينظر إليها على أنها وثيقة رئيسية تصب في روافد قضية التنمية المستدامة.
ومصطلح التنوع البيولوجي أو الحيوي أو الأحيائي؛ يعني التنوع في مختلف أبعاد الطبيعة الحية وأشكالها، ويعد بمنزلة مقياس لصحة الأنظمة البيولوجية. ويرتبط هذا المفهوم بالكائنات الحية الموجودة على الكوكب، التي تشمل التراكيب الجينية كافة للنباتات والحيوانات. ويتضمن التنوع البيولوجي عدة مستويات؛ أهمها التنوع الوراثي وتنوع الأنواع وتنوع الأنظمة البيئية.
كما يعرف البعض التنوع البيولوجي أيضا بأنه تفاعل ناشئ بين جميع
الكائنات الحية في وسط بيئي ما، على مستوي البيئات والمناطق كافة على سطح الكرة الأرضية، بداية من الكائنات الدقيقة وانتهاء عند الكائنات الضخمة، كالحيتان والأشجار وغيرها. ويصل عدد الكائنات الحية التي يشملها هذا التنوع البيولوجي إلى ملايين الكائنات، حيث تعد المناطق الاستوائية هي أكثر مناطق الكرة الأرضية ثراء بمعيار التنوع البيولوجي، نظرا لكثافة وجود الكائنات الحية بما يعادل ستة أضعاف معدلات وجودها في المناطق المعتدلة والقطبية.
ويحظى التنوع البيولوجي بأهميّة كبيرة في رفاهية وجودة الحياة المعاصرة، حيث تؤدي الكائنات الحية دورا كبيرا في تطوّر كل من الزراعة والطب والصناعة. فعلى سبيل المثال، يتجلى أثر التنوع البيولوجي في الأرياف في الثروة الحيوانية التي توفر حوالي 90 في المئة من احتياجات السكان من حطب وغذاء للإنسان وسماد للنبات. كما يسهم التنوع البيولوجي في تحقيق منافع اقتصادية للبشرية بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال مسارات وآليات متعددة، من بينها الحفاظ على سلالات الكائنات الحية، وتنمية السياحة البيئية، والاستفادة من المصادر الطبيعية بأنواعها، التي تخدم البشرية في مجال توفير الغذاء والدواء، ومجالات أخرى، مثل الثروات النباتية والحيوانية والسمكية والشعاب المرجانية.
[email protected]