سياسة عربية

"آثار العبودية" تثير توترا في العلاقات الموريتانية الأمريكية

ترامب عزا السبب إلى عدم إحراز موريتانيا تقدما كافيا في التخلص من ممارسات العبودية- جيتي
ترامب عزا السبب إلى عدم إحراز موريتانيا تقدما كافيا في التخلص من ممارسات العبودية- جيتي

أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنهاء أهلية موريتانيا في الحصول على منافع تجارية بموجب قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA) بسبب "عدم إحرازها تقدما كافيا في التخلص من ممارسات العبودية" توترا في علاقات البلدين.


فقد أعلن مكتب الممثل التجاري الأمريكي في بيان السبت الماضي، أن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إلغاء مزايا تجارية ممنوحة لموريتانيا بموجب قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA) وذلك اعتبارًا من فاتح يناير المقبل، بسبب "عدم إحرازها تقدما كافيا في التخلص من ممارسات العبودية".


وقد جاء الرد سريعا من موريتانيا، على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة، ثم ببيان صادر عن وزارة الخارجية.


ووصف الناطق الرسمي باسم الحكومة، سيدي محمد ولد محم، القرار الأمريكي بـ"التافه والفارغ" لافتا إلى أن الحكومة الموريتانية حاربت العبودية وبجهودها الذاتية دون أي دعم أمريكي.


وتساءل في تغريدة على حسابه في "توتير"، متى كانت الإدارة الأمريكية مهتمة بمحاربة العبودية حتى داخل أمريكا ذاتها؟ مشددا على أن سيادة بلاده تفرض عليها أن يكون الرد على القرار الأمريكي، انطلاقا من قاعدة المعاملة بالمثل، كما وصف هذا القرار بأنه خيانة لعلاقات الصداقة بين البلدين، وتنكر "لجهودنا في مجال أنجزنا فيه ما لم ينجز الآخرون".


جهود محاربة الرق


بدورها أصدرت الخارجية الموريتانية بيانا عبرت فيه عن أسفها للقرار الأمريكي، معتبرة أن تعليل هذا القرار بــ"عدم كفاية الترتيبات المتخذة لمحاربة الرق" كان مفاجأ.


وأشار البيان الذي أطلعت عليه "عربي21" إلى أن موريتانيا قد بذلت، خلال السنوات الأخيرة جهودا كبيرة في القضاء على مخلفات الرق، وحققت، نتائج عظيمة "ومن ثم فإن تعليل القرار الأمريكي يستحيل أن تستند إلا على معلومات مغلوطة تم جمعها من مصادر منحازة وغير ذات مصداقية".


لكن السفير الأمريكي بنواكشوط مايكل دودمان، قال إن القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي استند إلى "تقييم واسع من جانب حكومة الولايات المتحدة يأخذ بعين الاعتبار تقارير و معلومات صادرة عن الحكومة الموريتانية والمنظمات الدولية وأصحاب المصلحة الآخرين في الولايات المتحدة وموريتانيا".


وأشار في بيان نشره على الموقع الرسمي للسفارة الأمريكية بنواكشوط، إلى أن القانون الأمريكي يتطلب من الحكومة الأمريكية "اتخاذ قرارات صعبة عندما نعتقد أن بلدًا لا يحقق تقدمًا مستمرًا نحو حماية حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا".


وشدد على أن بإمكان ترامب التراجع عن القرار، في أي وقت بعد التأكد من أن البلد يستوفي المعايير التي وضعها الكونغرس، مشددا في نفس الوقت على أن الصادرات الموريتانية إلى الولايات المتحدة ستستمر في الاستفادة من المعاملة التفضيلية بموجب القانون التفضيلي (GSP).


نبرة التحدي


ويرى الإعلامي الموريتاني، أبو بكر أحمد الإمام، أن الموقف الرسمي الموريتاني من القرار أخذ بعدين حمل أحدهما نبرة التحدي والتلويح بالمعاملة بالمثل في تغريدة الناطق باسم الحكومة ثم حضر البعد الدبلوماسي في بيان وزارة الخارجية في بيانها الذي أبدى الأسف واستغرب القرار وأكد في الوقت ذاته ثقة موريتانيا في أن الولايات المتحدة ستراجع قرارها.


وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن أثر هذا القرار معنوي أكثر مما هو مادي "لما يمثله من اتهامات للحكومة الموريتانية التي تقول إنها بذلت جهودا حثيثة للقضاء على آثار العبودية وسنت قوانين تجرم الظاهرة وأنشأت محاكم خاصة تعنى بملفات الاسترقاق".


ووصف ولد أحمد، القرار بأنه كان مفاجأ إذ جاء بعد أيام قليلة من حديث السفير مايكل دودمان عن فرص هائلة أمام رجال الأعمال الأمريكيين بموريتانيا خلال حفل إطلاق منتدى الأعمال الموريتاني الأمريكي بنواكشوط الذي احتضنته السفارة الأمريكية.

ورقة ضغط لا أزمة


بدوره استبعد الكاتب الصحفي، محمد ولد الراجل، أن يتسبب القرار في استفحال أزمة بين واشنطن ونواكشوط، خصوصا "إذا أخذنا بعين الاعتبار البعد الاستراتيجي لموريتانيا، ونجاحاتها في مجال مكافحة الإرهاب".


وتوقع في حديث لـ"عربي21" أن يكون هذا القرار مجرد ورقة ضغط على الحكومة الموريتانية لاتخاذ إجراءات أكثر بشأن التصدي لآثار الاسترقاق في البلد.


وأشار إلى أن نواكشوط لن تذهب بعيدا في تعميق أزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن، خصوصا في ظل الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية.


وأضاف: "موريتانيا قد تكون بحاجة لمزيد من الدعم الأمريكي، في ظل انشغال المملكة العربية السعودية بأزمتها الداخلية التي أعقبت مقتل الصحفي،جمال خاشقجي، حيث كانت السعودية أبرز داعم لموريتانيا، لكنها الآن مشغولة بكثير من الأزمات، ودعهما لنواكشوط في هذه الفترة سيكون محدودا جدا".


ويعود تاريخ الجدل حول العبودية في موريتانيا إلى السنوات الأولى لاستقلال البلاد، بداية ستينيات القرن الماضي، حينما كانت العبودية تنتشر علنًا بين فئات المجتمع، سواء الأغلبية العربية أو الأقلية الإفريقية.


وجاء أول إلغاء حقيقي للعبودية عام 1982، خلال حكم الرئيس الأسبق، محمد خونا ولد هيدالة، لكن منظمات حقوقية تقول من حين لخر إن حالات عديدة من العبودية لا تزال قائمة بشكل فعلي في أنحاء موريتانيا.

التعليقات (0)