هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث المتخصص في جنوب آسيا وإيران، آدم وينستين، يقول فيه إن قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول قضى على سمعة ولي العهد السعودية محمد بن سلمان في أمريكا وأوروبا بصفته مصلحا لبلاده.
ويقول الكاتب: "على الغرب الآن أن يسأل نفسه لماذا تمتع ابن سلمان بهذه السمعة ابتداء، فهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها زعيم سعودي نفسه على أنه محرر، وليست المرة الأولى التي يكتشف فيها العالم أنه خدع".
ويشير وينستين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن جهود الإصلاح بحسب محمد بن سلمان، قامت على فرضية أنه قبل الثورة الإيرانية، التي قادها الخميني عام 1979، واحتلال جهيمان العتيبي للمسجد الحرام في مكة، كانت السعودية مملكة معتدلة تحترم الاختلاف وحقوق الإنسان لمواطنيها، وفي آذار/ مارس، سألت المذيعة في "سي بي أس" نورة أودانل ولي العهد، عما إذا كانت الأربعين سنة الماضية تمثل "السعودية الحقيقية"، وأجاب قائلا: "أطلب من مشاهديكم أن يستخدموا هواتفهم الذكية للبحث عن ذلك، ويمكنهم البحث في (غوغل) عن السعودية في السبعينيات والستينيات، وسيكتشفون السعودية الحقيقية بالصور".
ويعلق الباحث قائلا إن "المشكلة هي أن هذه القصة ليست سوى أسطورة، وفي الواقع هي القصة ذاتها التي كان يسوقها الحكام السعوديون لأمريكا في العقود التي سبقت عام 1979 مقابل الحصول على الدعم المادي والدبلوماسي في المنطقة، لكن وعود الإصلاح كانت دائما ما يتم إهمالها، وكانت تلك الوعود تأتي مقدمة لإطلاق حملات ضد المعارضين وغيرها من السياسات الإقليمية غير المتوقعة، وبدلا من التوقف عن هذا النمط، فإن محمد بن سلمان لا يمثل امتدادا له".
ويقول وينستين: "اليوم، كما كان الحال في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لا تواجه السعودية فقط اضطرابا في الخلافة الملكية، وحربا بالوكالة في اليمن بين الرياض وقوة إقليمية أخرى، لكنها تقدم وعدا غير صادق في اللبرلة للحصول على الدعم السياسي لأمريكا، وكان خاشقجي آخر ضحايا هذا النمط، وليس هناك أي سبب لتوقع نتيجة أفضل من السابق".
ويلفت الكاتب إلى أنه "عندما أصبح جون كندي رئيسا لأمريكا عام 1961 كانت سمعة الملك سعود في واشنطن بأنه شخص جيد لكنه بسيط، وكان من المعروف عن سعود بصفته أميرا، أنه مسرف جدا، ويروى أن أباه حذره قائلا: (ستجعل حاجزا بينك وبين الناس، توقف عن هذه التفاهة، عش حياة بسيطة وستكون المملكة في حال أفضل)، ولكن سعود لم يأخذ بالنصيحة، وقام بحركة بناء أثرته هو ومن كانوا مقربين منه، بمن فيهم والد أسامة بن لادن، الذي كان يملك شركة بناء، وكان قريبا أيضا من أخ الأمير سعود غير الشقيق الأمير فيصل، وكانت السفارة الأمريكية في بدايات الستينيات تفضل العمل مع فيصل، وكانت لدى الأمير فيصل طموحاته، ومع حلول عام 1962 كان الأمير فيصل، مثل محمد بن سلمان اليوم، يدير فعليا السياسة الخارجية، وبعد سنتين انقلب على أخيه سعود".
ويفيد وينستين بأن "الملك فيصل كان يحتاج إلى ضمانات دعم من إدارة كندي، خاصة أن شمال اليمن كان غارقا في حرب أهلية دعمت فيها مصر جانبا، والسعودية الجانب الآخر، وكان فيصل يعتقد أن القاهرة تدعم الثوريين الذين أطاحوا بحاكم اليمن، كمقدمة للتدخل في الأراضي السعودية، وهو الاتهام ذاته الذي تستخدمه الرياض اليوم ضد إيران وقطر".
ويبين الباحث أنه "في المقابل، كانت إدارة كندي تريد أن ترى إصلاحات في البلد، بما فيها إنهاء العبودية، وبالرغم من الإنكار الرسمي، إلا أن العبودية بقيت قائمة في السعودية في بداية ستينيات القرن الماضي، وأبرز سفير مالي وثائق للدبلوماسي الأمريكي باركر هارت، تثبت أن مواطنيه كانوا مستعبدين في البيوت في مكة، وقال: (إنهم يأتون لي وقد امتلأت ساحاتي منهم، ووضعت لهم الخيام حتى لا تلقي الشرطة القبض عليهم وتعيدهم لمكة ليكونوا عبيدا للعائلات هناك، ويتم الاعتداء عليهم)، وكان الملك سعود قد ألغى العبودية بمرسوم ملكي عام 1962، لكن المبادرة كانت من ولي العهد حينها الأمير فيصل، بعد أن أعطى ضمانات شخصية لكندي بأنه يمكن الاعتماد عليه لإصلاح البلد".
ويجد وينستين أنه "خلاف ذلك، فإن سجل فيصل كان مختلطا، ومع أنه ادعى استعدادا لتحدي رجال الدين في مسألة التعليم، بما في ذلك للإناث، إلا أنه من الناحية العملية فإن سياساته لم تكن تقدمية، ففي بدايات الستينيات لم تكن هناك سوى مدرسة واحدة للإناث، بحسب علم السفارة الأمريكية، وهي مدرسة دار الحنان في جدة، التي أوجدتها الملكة عفة الثنيان، إحدى زوجات الملك فيصل، وتجاوبت الحكومة السعودية مع الضغط الأمريكي فأنشأت مدارس للفتيات في مناطق محافظة جدا، مثل البريدة".
ويستدرك الكاتب بأن "فيصل اختار أن يملأ الشواغر للأساتذة المؤهلين بتعيين رجال دين مصريين وسوريين؛ حتى لا يسجنهم حكامهم العلمانيون، وهذا غير التضاريس الدينية للبلد، وليس باتجاه التقدم، وبقي الدبلوماسيون بعيدين عن هذه التغيرات، حيث بقوا في جدة، التي تعد متنوعة نسبيا".
وتورد المجلة نقلا عن سلاتور بلاكيستون، الذي خدم في السعودية مسؤولا اقتصاديا "في السفارة الأمريكية"، في الفترة ما بين 1964 – 1966، قوله: "لم يشعر الملك فيصل أن بإمكانه أن تكون السفارات هناك (في الرياض)؛ بسبب علماء الدين الذين لم يسمحوا حتى ببيع السجائر في وقتها في الشارع، وكان هناك تزمت شديد".
وينوه وينستين إلى أن "سياسات التعليم هذه زادت من نفوذ الإخوان المسلمين في السعودية، وحاول مؤسس الحركة في أربعينيات القرن الماضي أن يؤسس فرعا للمنظمة في السعودية، لكن حاكم السعودية ومؤسسها الملك عبدالعزيز رفض ذلك، وتغير هذا الأمر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ أعضاء الإخوان وغيرهم من الجماعات الإسلامية الأخرى يقدمون للسعودية بأعداد كبيرة للتعليم في المدارس، بدعوة من حكومة تعمل في الظاهر على لبرلة النظام المدرسي".
ويقول الباحث إن "الشيخ (عمر) عبدالرحمن، الذي يعرف في الغرب بـ(الشيخ الضرير)، وكان عضوا في مجموعة أكثر تطرفا من الإخوان المسلمين، كان واحدا ممن ذهبوا للتدريس في السعودية في سبعينيات القرن الماضي، بعد أن سجن في مصر لوصفه جمال عبد الناصر بـ(الفرعون الشرير)، واتهم بعد ذلك في قضية اغتيال الرئيس السادات، وتفجير مركز التجارة العالمي في 1993، كما درس القيادي في الإخوان المسلمين السوريين سعيد حوى، في السعودية في أواخر ستينيات القرن الماضي، وكتب في تلك الفترة كتابه المشهور (جند الله)، الذي انتقد فيه رجال الدين التقليديين، (الذين تخلوا عن العنف، ودعوا للتخلي عن السياسة)، بالإضافة إلى أن محمد قطب، شقيق أحد القيادات الفكرية الإسلامية الحديثة، سيد قطب، درس الشريعة الإسلامية في السعودية في سبعينيات القرن الماضي".
وتشير المجلة إلى أن الإخوان المسلمين ساعدوا الملك فيصل في تصميم السياسات التعليمية الجديدة في سبعينيات القرن الماضي، مشيرة إلى قول الخبير في الحركات الإسلامية السعودية ستيفان لاكرويكس، إن "مفهوم شمولية الإسلام (الذي يدرس في المدارس السعودية) يتعلق بفكر الإخوان المسلمين أكثر من تعلقه بالوهابية التقليدية".
ويذهب وينستين إلى أن "المجموعة قامت بحقن جرعة من النشاط الإسلامي في السعودية، ساعدت إلى توجه نحو التطرف في المجتمع، وأثرت على المواطنين السعوديين، الذين تبنوا الإرهاب لاحقا، بمن فيهم أسامة بن لادن".
ويلفت الكاتب إلى أن "رسالة محمد بن سلمان للغرب كانت هي أن السعودية أصبحت أكثر رجعية عام 1979؛ نتيجة للضغوط المنبثقة من الثورة الإسلامية في إيران، وما تبع ذلك من أحداث الحرم في مكة، وهذا ما يردده الإعلام السعودي، الذي يحدد عام 1979 نقطة التحول الحاسمة لكل شيء، من تراجع الموسيقى في السعودية، إلى تطرف المناهج الدراسية، وصعود حركة الصحوة الدينية، التي شككت في شرعية الدولة، إلا أن الحكومة السعودية مهدت الطريق لتحولها الرجعي في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ببذور زرعها إسلاميون أجانب دعتهم الحكومة ومكنتهم".
ويؤكد وينستين أن "من اقتحم المسجد الحرام، جهيمان العتيبي، تأثر كثيرا بمحمد الألباني، وهو رجل ألباني انتقل إلى سوريا في ستينيات القرن الماضي، وكان كلا الرجلين قد تأثرا بشكل جزئي بالشيخ ابن باز، الذي أصبح في وقت لاحق مفتي المملكة، وكان ابن باز قد أيد مبادرات سابقة لهما، بما في ذلك إتلاف الصور في المناطق العامة".
ويبين الباحث أن السعودية لم ترجع أولئك الذين كان يعدهم الإخوان المسلمون متطرفين، فانتقل محمد سرور إلى السعودية عام 1965، بعد خلافات له مع الإخوان المسلمين في سوريا لتقبلهم الصوفية، وقال نائب وزير الأوقاف السعودي السابق توفيق بن عبدالعزيز: "بدأ التنظيم السروري يجر سجادته بالتدريج داخل المدارس، ويجند الطلاب في الجامعات، حتى زاد أتباعه".
وينوه وينستين إلى أن سرور وأتباعه كانوا في أواخر سبعينيات القرن الماضي ناقدين للدولة السعودية، لكن زاد تركيزهم على معارضة ثورة الخميني في إيران، مشيرا إلى أن الحكومة السعودية قامت بعد فترة قصيرة بتتبع خطواتهم.
ويقول الكاتب: "اليوم يقوم محمد من سلمان بمحاربة السروريين بصفتهم منظمة تهدد الاستقرار، لكنه يدافع في الوقت ذاته عن تعامل المملكة مع الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الإسلامية، بالقول: (لو عدنا في الوقت، سنكرر ما فعلنا مرة أخرى، سنستخدم هؤلاء الناس مرة أخرى؛ لأننا كنا نواجه خطرا أكبر -التخلص من الشيوعية- وبعدها علينا أن نرى كيف يمكن لنا أن نتعامل مع الإخوان المسلمين ، تذكروا أن أحد رؤساء الولايات المتحدة سمى هؤلاء الناس مقاتلين لأجل الحرية)".
وقال ابن سلمان لغولدبيرغ من مجلة "ذي أتلانتيك": "حاولنا أن نسيطر ونتحكم في تحركاتهم، لكن جاء عام 1979، الذي فجر كل شيء، فخلقت الثورة الإيرانية نظاما يقوم على عقيدة من الشر الخالص".
ويختم وينستين مقاله بالقول: "قد يستطيع ولي العهد أن يبيع هذا التاريخ المراجع في مملكة معظم سكانها مولودون بعد 1979، لكن على واشنطن أن تراجع ذاكرتها المؤسساتية، فإن المستنقع الحاصل في اليمن، وقتل خاشقجي المزعوم، يوفران لنا فرصة لأن نراجع النمط المتكرر، والمفاهيم الخاطئة والوعود الكاذبة، والعلاقات بين الأمريكية السعودية، فللرياض تاريخ في تصوير أي تنافس إقليمي على أنه خطر وجودي لتحصل على دعم واشنطن في حروب بالوكالة، ولواشنطن تاريخ في المطالبة بإصلاحات مجزأة، إما شكلية أو تحصل على حساب المعارضين، فموجة اعتقالات الناشطين ورجال الدين في السعودية، بالإضافة إلى اختفاء خاشقجي، هما خير شاهد على عيوب هذا النموذج من الإصلاح المتسرع والكاذب".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)