يشكل إنشاء لجنة دستورية سورية خطوة مهمة جدا على صعيد إعادة صياغة الدستور ووضع الأسس القانونية التي تشرعن مسار الحل، وتعبّد الطريق للوصول إلى المرحلة اللاحقة من عملية التغيير السياسي.
لكن، لا يبدو في الأفق القريب حصول اختراق إقليمي ـ دولي حول شكل ومضمون وأهداف اللجنة الدستورية، لعدة أسباب:
النظام ليس جدّيا
1 ـ مواقف النظام السوري الرافضة لأية محاولة من شأنها أن تؤسس لنظام ديمقراطي في البلاد، وتسمح للمعارضة بولوج بوابة السلطة. وقد أعلن وزير خارجية النظام وليد المعلم أن إطلاق عمل اللجنة يجب أن "يراعي سيادة سورية واستقلالها ووحدتها، وأن الشعب السوري هو صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده".
من الواضح أن دمشق تسعى إلى استبعاد أي دور نشط للأمم المتحدة في العملية السياسية واختزال دورها إلى مجرد مراقب واستشاري يقدم النصائح والمقترحات.
ومن هنا يرفض النظام أي تدخل أممي في اختيار الحصة الثالثة (المجتمع المدني والمستقلين) من اللجنة الدستورية، في مخالفة واحدة لمقررات "مؤتمر الحوار الوطني السوري" الذي عقد مطلع العام في سوتشي.
إنه يعمل من أجل الهيمنة على هذه اللجنة وتحويلها إلى أداة في يد "مجلس الشعب"، بحيث تكون مهمتها إجراء تعديلات شكلية في دستور عام 2012، بما يمنع من تحقيق تغييرات كبيرة، مثل تغير شكل نظام الحكم من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، وعدم تغيير مفهوم الإدارة المحلية المعتمد وفق المرسوم التشريعي 107 من أجل إحلال مفاهيم اللامركزية الإدارية.
مقاربة النظام التفاوضية مستنسخة من تجربة مفاوضات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية، إذ انسحبت الأمم المتحدة من المفاوضات لترك العملية التفاوضية تخضع للأقوى.
لن يسمح النظام السوري أن تكون اللجنة الدستورية أو السلة الدستورية مقدمة لقيام انتقال سياسي، أو مرحلة آمنة ذات بيئة محايدة سياسيا وقانونيا.
بناء على ذلك سيعمل النظام جاهدا على منع الوصول إلى اتفاق حول هذا الموضوع حتى وفق المقاربة الروسية التي تتقاطع إلى حد ما مع الرؤية الغربية من دون إظهارها للعلن.
حسابات موسكو وأنقرة
2 ـ الموقفان الروسي / التركي، حيث ما يزال إلى الآن موقفهما غامضا حيال هذه المسألة: بالنسبة للروس، صحيح أنهم يدعمون رؤية النظام ويحاولون قدر المستطاع تحصيل ذلك، لكنهم يدركون جيدا أن فشل هذه المحاولة تتطلب منهم تقديم مقاربة تختلف عن مقاربة النظام، وإلا ستصبح مقررات سوتشي حبرا على ورق بما يؤثر على الدور السياسي الروسي.
أما تركيا، الفاعل الأبرز على مستوى المعارضة السورية، فلم تقدم إلى الآن رؤية واضحة حول اللجنة الدستورية، وأغلب الظن أن أنقرة وموسكو يرغبان في عدم الإسراع بتشكيل اللجنة الدستورية قبيل إنهاء ملف إدلب، حيث يتوقع الروس الحصول على تنازلات من تركيا تجاه الملف الدستوري يُدفع ثمنه في إدلب، ويبدو أن تركيا بصدد تقديم بعض التنازلات في هذا الملف مقابل ضمان الإبقاء على محافظة إدلب، أو على الأقل وسطها وشمالها.
موقف أمريكي غامض
3 ـ الموقف الأمريكي: لا يوجد موقف واضح المعالم من المسألة الدستورية، باستثناء ورقة تيلرسون الخماسية وتصريحات بومبيو وجيفرسون اللاحقة، وهذه مواقف لا تتضمن آليات لتطبيقها، ما يبين عدم وجود نية أمريكية في ممارسة الضغوط الكفيلة في تنفيذ بنود الورقة الخماسية.
وإذا كان كثير من المراقبين يتحدثون عن صحوة أمريكية في سورية، فإن صاحب هذا المقال لا يعول على الولايات المتحدة، وأن الموقف الأمريكي يجب النظر إليه ضمن مستويين: الأول مرتبط بالمصالح العليا لإسرائيل، والثاني مرتبط بالعلاقة الأمريكية ـ الروسية.
اللعبة الأمريكية تقوم على دعم الموقف التركي بشكل مضمر في محاولة للوصول إلى موقف تركي معارض للموقف الروسي من شأنه أن يوتر العلاقة بينهما.
4 ـ إنهاء مهمة دي ميستورا، وانتظار اختيار بديل عنه، ومثل هذه الخطوة ستؤخر عملية إطلاق عمل اللجنة الدستورية، بما يسمح للمبعوث الجديد من استطلاع مواقف كل الأطراف.
وستسعى كل الأطراف إلى دفع المبعوث الأممي الجديد للإنقلاب على إرث دي ميستورا كل لأسبابه.
امتحان صعب
تشكل المفاوضات حول اللجنة الدستورية امتحانا صعبا للمعارضة، ذلك أن التنازل في هذا الملف سيؤدي بالضرورة إلى تنازلات أخرى في كافة الملفات الأخرى (الحكم، الانتخابات) الأمر الذي يتطلب توحدا بين مكونات المعارضة للحيلولة دون قيام أطراف خارجية بإحداث اختراقات جانبية في صفوفها.