هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إنني مقتنع بأن الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز لم يكن على علم مسبق بالعملية التي أدت إلى مقتل الصحفي جمال خاشقجي، هكذا كان آخر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الحائط الذي استند إليه ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، منذ أن بدأ خطواته الأولى للوصول إلى مرتبة عالية في الهرم السياسي لنظام الحكم السعودي، الحائط المتين الذي اعتمد عليه في تحقيق غايته والوصول إلى حكم البلاد، بعد سلسلة مغامرات بدأها بحرب اليمن التي تحولت إلى كارثة إنسانية، ومن ثم حصار قطر، وصولاً إلى آخر المغامرات غير الواعية وشبه المكشوفة في جريمة اغتيال صحافي، لا حول له ولا قوة سوى قلم ولسان مفكر.
الدوائر بدأت تضيق حول بن سلمان، وأصابع الاتهام بدأت تأخذ طريقها نحوه بشكل دقيق كلما ظهرت أدلة جديدة على تورط النظام السعودي في قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، إذ لم يشكك كثيرون في الرواية التركية المبدئية حول القضية، وكان الوحيد الذي أراد تأجيل البت في المسألة هو حليف بن سلمان، الرئيس ترامب، المشغول حالياً بما هو أهم من أي قضية عالمية، والذي لا يريد أي أمر يسبب له تشويشاً وهو يخطب ود الناخبين، الذين بيدهم تحديد مصيره ومصائر نواب الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس بعد أيام قليلة.
أنا أريد أن أصدقهم، أريد حقاً أن أصدقهم، هكذا صرح ترامب بالأمس. إذ يبدو أن كل ما بجعبته من طرق ووسائل الدفاع عن ربيبه بن سلمان قد نفدت، وأنه ليس بالإمكان الذود عنه أكثر مما كان، خاصة بعد عودة مديرة سي آي إيه من تركيا، بعد خطاب السيد أردوغان بالأمس، والتي يبدو أنها رجعت بأدلة دامغة تثبت تورط بن سلمان في القضية، الأمر الذي جعل ترامب دون تردد، يعتبر الجريمة وما تلتها من أحداث وخاصة التستر السعودي، بأنه "أسوأ تستر على الإطلاق"، وأن "مخطط قتل خاشقجي كان سيئاً منذ البداية"، مشيراً إلى أن من فكر بهذا المخطط "هو الآن في ورطة كبيرة". وكأنه يريد بهذا توصيل رسالة لبن سلمان سرعة التصرف وإنقاذ نفسه بنفسه، وهذا ما يفسر أيضاً بأن ترامب صار إلى التنصل التدريجي من حليفه أقرب، وترك بن سلمان وحيداً يتعامل مع الأمر.
مما يدعم توجّه ترامب هذا، هو ذاك الوصف الدقيق لخطاب السيد أردوغان يوم أمس الثلاثاء، وأن خطابه كان "قاسياً جداً" على السعودية، في إشارة إلى أن زمام الأمور كلها بيد الأتراك، وهو ما دفعه، ضمن سياق التنصل من مسألة الدفاع عن الحليف السعودي، تحويل القضية إلى الكونغرس، ليحدد تبعات مقتل خاشقجي، إنه يريد بذلك أن يوصل رسالة أخرى إلى السعوديين أنه لا يتحمل نتائج ترك بن سلمان وحيداً في هذه المغامرة غير المحسوبة نتائجها ولا تبعاتها، بعد أن بذل ما بوسعه لإنقاذه، وأنه في حال تغييب بن سلمان عن المشهد بصورة وأخرى، لابد أن يكونوا على بينة ووضوح أنه كان أكثر من دافع لآخر لحظة عنه. لكن لأن التيار العالمي المضاد كان أقوى مما يتحمله، ترك الأمر لمؤسسات الدولة الأمريكية، وبذلك يعتقد ترامب أنه قد أبقى على شعرة معاوية بين الولايات المتحدة والسعودية، تعينهم في إعادة بناء الثقة مستقبلاً بين الحكومتين في حال أي تغيير سياسي قادم بالمملكة.
مما يجدر ذكره في هذا السياق، أنه لم يدر بخلد بن سلمان حين فتح صنابير الأموال نحو ترامب قبل انتخابه وبعد أن أصبح رئيساً للقوة العالمية الأولى في العالم، أن هذه الدول مهما أراد بعض رموزها التلاعب بصورة وأخرى، فإنما هي دول مؤسساتية. فقد تتيح بعض صلاحيات الرئيس مثلاً اتخاذ قرارات معينة، ولكن لتلك القرارات حدود لا يمكن تجاوزها، وخاصة في مثال الولايات المتحدة وترامب الذي نتحدث عنه.
هذا الرئيس منذ أن جاء والشكوك تلاحقه والإعلام يعاديه، بل صنع بؤر توتر وخلاف في كثير من جغرافيات هذا العالم حتى ضجت المؤسسات الأمريكية من تصرفاته، وبهذا سيبدو للمتابع أن الرهان السعودي عليه لم يكن بذاك المستوى من التخطيط الاستراتيجي، وهذا ما يفسر كيفية إدارة بقية المسائل عند بن سلمان منذ أن تولى زمام الأمور في بلاده، وتوريط المملكة في قضايا ومسائل ليس من السهل التخلص منها، وآخرها عملية تصفيه هدف مدني سهل بصورة لا يمكن وصفها بأكثر مما وصفها ترامب نفسه، أنها سيئة التخطيط منذ البداية، مروراً بالتستر السيئ عليها، حتى وجد صاحب القرار نفسه في "ورطة كبيرة"، الذي دون شك يبحث الآن عن أكبشة فداء كثيرة من هنا وهناك، بالإضافة إلى التغزل بهذا وذاك، والبحث عن حبل نجاة آخر غير الحبل الأمريكي أو حبل ترامب، الذي صار صوته يعلو كل يوم في أنحاء الولايات المتحدة، يقول: نفسي نفسي.
عن صحيفة الشرق القطرية