هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في هذا المقال سنبتعد عن جلد الذات وسنكون أكثر إيجابية بالحديث عن النجاحات الفلسطينية، وأيضا إنجازات حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة دوليا بـ«BDS»، في قلب إسرائيل وعلى الساحات الدولية. وهي إنجازات ونجاحات لا يستهان بها، وسط الصورة القاتمة التي تحاول الأطراف المعادية، وفي مقدمتها إدارة ترامب والعرب المتأسرلون، رسمها لمستقبل القضية الفلسطينية، بهدف بعث اليأس في النفوس وإحباط الهمم والمعنويات، إنها نجاحات وإنجازات تبقي على بصيص الأمل المطلوب للحفاظ على نضال الشعب الفلسطيني وصموده.
وتحاول حكومة بنيامين نتنياهو أن تغطي شمس هذه الإنجازات بغربال، وتحاول أيضا أن تقنع نفسها بأن مجرد حصولها على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة إلى القدس، سيجر وراءه اعترافات بالجملة. وهو ما كان يردده نتنياهو، بل لا يزال يردده ويرسم سياساته الدبلوماسية على أساسه، وقد أخفق في تمنياته ومبتغاه.
وخاب ظن هذه الحكومة اليمينية العنصرية، وسارت الرياح بما لا تشتهي سفنها وسفن نتنياهو المتعجرف، إذ اقتصر عدد من سار على خطى واشنطن، على دولتين فقط، هما غواتيمالا وباراغواي. ولكن حتى هذه الفرحة لم تدم طويلا بعد إعلان باراغواي العودة عن قرارها، وإعادة سفارتها إلى مقرها في تل أبيب، فأسقط في يدي نتنياهو فجاء رده متسرعا وغاضبا بإغلاق السفارة في العاصمة أسانسيون واستدعاء السفير هناك.
وهذا في الحقيقة يحسب للدبلوماسية الفلسطينية التي نجحت في إقناع رئيس الباراغواي الجديد ماريو عبدو بنيتيز، بالإقدام على مثل هذه الخطوة الجريئة. وقال وزير خارجيته لويس البرتو كاستيغليوني «إن باراغواي تريد أن تساهم في تكثيف الجهود الدبلوماسية الإقليمية، من أجل تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط».
وقرار باراغواي، شجاع وفي غاية الأهمية، لأنه يسدد صفعة قوية لخطط نتنياهو، الذي لا يزال يصر على الادعاء على أن دولا عديدة ستنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، رغم أنه فشل في إقناع حتى قادة بعض الدول الأوروبية الشرقية، التي يعدها صديقة باتخاذ مثل هذه الخطوة، وآثرت الالتزام بقرار الاتحاد الأوروبي، الذي يرفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويصر على أن القدس الشرقية أرض محتلة شأنها شأن بقية الضفة الغربية. وتشكل خطوة الباراغواي أيضا ضربة قوية لمخططات وزارة الخارجية الإسرائيلية للعام المقبل 2019، التي وضعت تصورا يرتكز على تشجيع دول أخرى للسير على خطى الولايات المتحدة، إلى جانب مخطط لتطوير العلاقات مع ما وصفته بـ«دول عربية معتدلة».
وحتى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية توصلت لقناعة بفشل سياسات نتنياهو وطموحاته في مسألة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعبر عن ذلك الكاتب رافيت هيخت في مقال رأي نشرته الصحيفة، يقول فيه «إن نقل السفارات من تل أبيب إلى القدس، فيه انتهاك للإجماع الدولي، وإن ما يحصل الآن دليل إثبات، على أن خطوة ترامب الاستعراضية، لم تغير من هذا الواقع شيئا».
وجاءت الصفعة الدبلوماسية الثانية بتأكيد الرئيس الكولومبي الجديد إيفان دوكي، أن بلاده ستلتزم بقرار الإدارة السابقة الاعتراف بدولة فلسطين. وقال لإذاعة «كاراكول»، إن «قرار الاعتراف بفلسطين كدولة حرة مستقلة وذات سيادة لا يخضع للمراجعة».
وفي سياق الإنجازات الفلسطينية أو لنقل نجاحات «BDS»، فإن أكثر من140 من مشاهير الفنون في العالم، من بينهم ستة إسرائيليين، وموسيقيون وكتاب وممثلون ومخرجون وروائيون وشعراء وقعوا عريضة نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية، يدعون فيها إلى مقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجين» السنوية المقرر إقامتها في إسرائيل في أيار/مايو المقبل.
ومن بين الموقعين على الرسالة الموسيقييون روجر ووترز من فرقة بينك فلويد البريطانية، الذي يقود الحملة ضد إسرائيل ويدعو إلى مقاطعتها وتأييد حركة «BDS»، والموسيقار والمنتج بريان إينو، والنرويجية نوسيزوي، وبَغ ويزيلتوفت، ولارز كليفستراند وتروند إنغبريتسن وجوس إم ريو برانكو وتشوليج ودرور فييلير وكريستي مور وتشارلي ماكغيتيغان وكيمو بوهجونين وباليفيس. والممثلون كاندي باورز ودآن هيوغيرت وزماريجمي بينوي وشكري بن شيخا وتوف بورنهويفت وآم ماري هيلغر وتومي كوربيلا وكريستا كوسونين. والروائيون: مانويلا بوسكو وجي رارد مورديللات وجوس لويس بييكسوتو ومايكل بي هلير وآخرون عديدون. أما الإسرائيليون الستة فهم؛ آفياد البرت ومايكل سابير وأوهال غرييتزر ويوناتان شابيرا ودانييل رافيتزكي وديفيد أوب.
وتنص الرسالة التي جاءت دعما لنداء من فنانين فلسطينيين: «نحن الفنانون من أوروبا وغيرها، الموقعون أدناه، ندعم نداء الفنانين الفلسطينيين لمقاطعة «يوروفيجين» لعام 2019 التي تستضيفها إسرائيل».
وتؤكد الرسالة أنه «إلى أن يتمتع الفلسطينيون بالحرية والعدل والحقوق المتساوية، يجب ألا يكون العمل كالمعتاد مع الدولة التي تحرمهم حقوقهم الأساسية».
وتواصل الرسالة، في 14 أيار/مايو وبعد أيام فقط من فوز إسرائيل بالمسابقة قتل الجيش الإسرائيلي62 مدنيا فلسطينيا في غزة، من بينهم ستة أطفال، وجرح المئات، معظمهم بالذخيرة الحية. وتختتم بالدعوة «لمقاطعة اليوروفيجن لعام 2019 إذا ما أقيمت في إسرائيل، بينما تواصل انتهاكاتها الخطيرة المتواصلة منذ عقود لحقوق الإنسان الفلسطيني. الظلم يفرق والتمسك بحقوق الإنسان يجمع».
وتأتي هذه الرسالة بفضل الجهود المتواصلة لـ«BDS» التي أسفرت أيضا عن إلغاء 17 من المطربين أي أكثر من ثلث المدعوين، مشاركتهم في الحفل الموسيقي «ميتيور» الذي يقام عادة في شمال إسرائيل. ومن بين المنسحبين، لانا ديل ري وشلومو وليتيل سيمز وفرقة «أوف مونتريال» الأمريكية وآخرون،. وقالت «أوف مونتريال» في إعلانها إلغاء مشاركتها، على موقعها في فيسبوك «بعد استنفاد كل سبل الإقناع للغناء في حفل إسرائيلي، بينما يواصل قادة البلد السياسيون منهم والعسكريون جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، توصلنا إلى نتيجة مفادها أنه ليس هناك ما يمكن عمله سوى إلغاء الحفل». وتابعت «لا وقت للتهرب والاحتفال، الآن هو وقت التحرك والاحتجاج ضد الأبرتهايد والعنصرية الإسرائيلية والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والجرائم ضد حقوق الإنسان، التي ترتكبها القوات الإسرائيلية يوميا في غزة». ولم تكتف هذه الفرقة بالمقاطعة، بل حثت فنانين آخرين على المقاطعة، بقولها «إن تجاهل الدعوة للوقوف دعما لمجموعة مضطهدة من البشر، هي أسوأ ما يمكن أن يفعله أي إنسان».
ورغم محاولات حكومة الاحتلال تجريم «BDS» في بلدان مختلفة ومعاقبة ناشطيها ومنعهم من دخول أراضيها، فإن الأمور في هذه المعركة تسير نحو انتصار فلسطيني كبير.
ما استدعى كما العادة إلى تدخل إدارة ترامب الصهيونية بامتياز، باتخاذ إجراءات لحظر حركة المقاطعة في أمريكا بدءا من الجامعات التي تزدهر فيها هذه الحركة. وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن إدارة ترامب بدأت بتحديد الأنشطة الخاصة بحملة المقاطعة ضد دولة إسرائيل باعتبارها معادية للسامية.
غير أن «BDS» نجحت ليس في اختراق بلدان جديدة فحسب، بل في توجيه ضربة جديدة لإسرائيل في عقر دارها، فبالإضافة إلى الإسرائيليين الستة الذين وقعوا على الرسالة الآنفة الذكر، فإن الممثل والمخرج المسرحي الأول في إسرائيل إيتاي تيران، عد «BDS» قبل أن يغادر إسرائيل إلى منفاه الاختياري في المانيا، شكلا مشروعا من أشكال المقاومة. وقال «إذا أردنا أن ندعو إلى نمط معين من النقاش السياسي غير العنفي، لا بد من أن نعزز هذه الأصوات حتى ولو كانت صعبة». وأضاف «أن أي يسار سياسي عادي لا بد أن يدعم BDS». وتابع «في المحصلة لا يهم ما سيفعله الفلسطيني، فإذا ارتكب عملا إرهابيا، فإنه سيوصف بإرهابي عنيف ومصاص دماء، وعندما يؤيد «BDS» يطلق عليه إرهابي سياسي».
وأخيرا، فإن قرار إغلاق مكتب منظمة التحرير هو آخر العقوبات التي كان بإمكان واشنطن «راعية السلام» استخدامها ضد الفلسطينيين بعدما استنفدت كل أوراق الضغط السابقة، إلا إذا كانت تفكر بالعودة بالأمور إلى ثمانينيات القرن الماضي، ومنع القيادة الفلسطينية من دخول الأراضي الأمريكية، والمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
واختتم بالقول، إنه لا إسرائيل بحكومتها اليمينية العنصرية الحالية، ولا إدارة ترامب التي تديرها مجموعة من اليمين الصهيوني، ولا أي قوة في العالم قادرة على كسر شوكة الشعب الفلسطيني الذي يتفنن في وسائل النضال ويبتكر الأساليب، من إضراب عام 1936 إلى ثورة الحجارة، إلى مسيرات العودة في قطاع غزة. إلى حركة المقاطعة، هذا الشعب لن يموت بل سينتصر وسيحقق طموحاته ويقيم دولته العصرية، التي لن تكون إضافة عددية للدول العربية، كما يزعم الحاقدون من العرب الجدد.
عن صحيفة القدس العربي