كتاب عربي 21

عالمان.. ومدنيتان

محمد عمارة
1300x600
1300x600
بعد أن انتقد العالم الجليل الشيخ بديع الزمان النورسي، صاحب "رسائل النور" وإمام "جماعة النور" في تركيا (1294 - 1379 هـ، 1877 - 1960م)، المدنية المادية الغربية، تحدث عن الخصائص التي ميزت الشريعة الإسلامية عن تلك المدنية الغربية، فقال:

- إن نقطة استناد مدنية الشريعة الإسلامية هي الحق، بدلاً من القوة، والحق من شأنه العدالة والتوازن.

- وهدفها: الفضيلة، بدلا من المنفعة، والفضيلة من شأنها التجاذب.

- وجهة الوحدة فيها والرابطة التي تربط بها المجموعات البشرية: الرابطة الدينية والوطنية والمهنية، بدلا من العنصرية، وهذه شأنها: الأخوة الخالصة والسلام والوئام والذود عن البلاد عند تجاوز الأجانب.

- ودستورها في الحياة: التعاون بدل الصراع والجدال، والتعاون من شأنه: التساند والاتحاد.

- وتضع الهدى بدل الهوى ليكون حاكماً على الخدمات التي تقدم للبشر، وشأن الهدى: رفع الإنسانية إلى مراتب الكمالات.

وبعد هذا التحديد لخصائص كل من المدنية الغربية والمدنية الإسلامية، رفض النورسي إمكانية "التلفيق" بين هاتين المدنيتين لتناقض سماتهما وهويتهما ومقاصد كل منهما، واستدل على استحالة هذا "التلفق" بفشل المدنية الغربية (ذات الجذور اليونانية والرومانية) في الاستيعاب الحقيقي والامتزاج الحقيقي بالديانة النصرانية، رغم مرور القرون على انتشار النصرانية في فضاء تلك المدنية الغربية، وفي هذه الحقيقة قال بديع الزمان النورسي: 

"إن دهاء الرومان واليونان (أي حضارتهما) وهما التوأمان الناشئان من أصل واحد، قد حافظا على استقلالهما وخواصهما رغم مرور العصور وتبدل الأحوال ورغم المحاولات الجادة لمزجهما بالنصرانية أو دمجهما، فلقد ظل كل منهما كالماء والدهن لا يقبلان الامتزاج، بل إنهما يعيشان بروحهما بأنماط متنوعة وأشكال مختلفة.

فلئن كان التوأمان، مع وجود عوامل المزج والدمج الداعية له، لم يمتزجا طوال تلك الفترة، فكيف يمتزج نور الهداية الذي هو روح الشريعة مع ظلمات تلك المدنية التي أسسها دهاء روما؟! لا يمكن بحال من الأحوال أن يمتزجا أو يُهضما معا!

ولم يكن النورسي بهذا التحليل العميق لخصائص كل من المدنية الغربية والمدنية الإسلامية داعية لحرب ثقافات أو صدام حضارات، وإنما كان منبها على سنة الله في تمايز الحضارات وتعدد الثقافات، وداعيا إلى تعايش وتحاور وتعارف هذه المدنيات والحضارات والثقافات، فالإسلام يريد هذا العالم "منتدى مدنيات وثقافات وحضارات"، تتحاور وتتفاعل فيما هو مشترك إنساني عام (وخاصة في العلوم الدقيقة والمحايدة)، وتتمايز في البصمات الثقافية والهويات الحضارية، دونما تبعية ونسخ وذوبان، ودونما تعصب وانغلاق وصدام.
التعليقات (1)
اينشتاين
الإثنين، 13-08-2018 08:04 م
بعيدا عن العلوم الدقيقة وعالم الذرة والفضاء الذي أبدع فيه المسلمون الذين قطعوا شوطا من الإيمان الذي أمرهم به الله ، والجامعات والمعاهد والمخابر الأمريكية والغربية عموما تشهد على ذلك ، هؤلاء العلماء تجاوزوا ادعاء الأعراب لما قالوا آمنا ، وعنوان الأعراب لا يخص عرقا أو قومية بعينها ، بل تشمل كل من يدعي الإيمان حتى وإن كان مسلما ، هذا من جهة ، ومن جهة العلوم الانسانية والاجتماع والقانون فإن الحجة على من ادعى ، كان من المفروض أن نجري مقارنة بين المدنية الغربية ومدنية المؤمنين بالله التي يحتاجه العالم اليوم لتجاوز الرؤية الغربية التي هي رؤية جذبية ليبرالية رأسمالية استعمارية لم تخلع عنها ثوب الشرك ، يسكنها الهلع والجزع والمنع طول الوقت ، هل يمكنك يا دكتور إفادتنا بخصوص البعد الإنساني وبعد المواطنة وبعد المغالبة في حدود مبدأ اللاعنف الذي يحكم فكرة التدافع ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ؟ الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تنوب عن المسلمين في بناء مدنيتهم ذات الأبعاد التي ذكرتها آنفا ، كما أن الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تبرر عجز المسلمين من أي عرق كانوا حينما يدعون الإيمان ، كما أيضا فإن الشريعة الإسلامية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشفع للمسلمين اليوم وهم يقتلون أو يقطعون رقاب بعضهم البعض ، سبق وأن سألناك بخصوص سؤال " الأمة " بين المدلول والغايات حينما أشرت إلى أن " الأمة مصدر السلطات " . أمة التوحيد شاهد علينا جميعا في سكوننا وحركاتنا ، فهل تحتاج منا كلاما غير مبرر ؟