قضايا وآراء

الدولة الواحدة ثنائية القومية.. هل هو طرح واقعي؟؟

أحمد أبو العمرين
1300x600
1300x600

يتردد بين البعض طرح خيار "الدولة الواحدة" كحل لقضيتنا الفلسطينية. ولعل انسداد الأفق السياسي، وفشل مشروع التسوية، وخيار "حل الدولتين"، هو ما يدفع هذا النقاش إلى السطح ثانية، في ظل خفوت الأصوات الداعية لهذا الخيار لحقب طويلة سابقة. وهذا أول ما يمكن تسجيله في طرح هذا الخيار: أنه ليس الخيار الوطني المقبول أو المُجمع عليه شعبيا وفلسطينيا، وإنما هو خيار "اللا خيارات"، وخيار العجز السياسي في تقديم مبادرات معقولة ومقبولة وطنيا ودوليا.

لكن هذا الطرح لا يقتصر على هذا الجانب السلبي فقط.. بل هو يحمل منطلقات وخلفيات فكرية خطيرة في الوعْي الوطني الفلسطيني، ولا ينحصر في بُعده السياسي، إذ إنه ينطلق من مفاهيم مغلوطة للمنطق والتاريخ، بل هو أخطر من "حل الدولتين" الذي يعطي الحق لـ"إسرائيل" في جزء من الوطن ويعطي الجزء الآخر للشعب الفلسطيني، على قاعدة التقسيم والفصل التام بين الشعبين ولكن العيش بينهما في سلام، بينما حل "الدولة الواحدة" يعطي حق المواطنة للمحتلين الصهاينة في كل فلسطين، ولكن ضمن "دولة ثنائية القومية" جنبا إلى جنب مع الشعب الفلسطيني! ولا يجد المدقق صعوبة في تفسير ذلك بأنه قبول في النهاية بالمحتلين الصهاينة على أرضنا وإعطائهم حقا وشرعية لا يستحقونها في وطننا.

ويُبنى هذا الخيار على فكرة عودة اللاجئين بالكامل، ووجود الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية، جنبا إلى جنب مع شعب يهودي دخلها واستوطنها بالقوة ومن خلال تهجير وإبادة شعبها وقتلهم واغتصاب حقوقهم، ويُعطي للطرفين حق التداول السلمي للسلطة، فهي وصفة لأن يعيش الجلاد والضحية في محيطٍ واحد في تجاوز للتاريخ والحقوق!!

ويستخدم أصحاب هذا الطرح قيم التداول السلمي للسلطة والحكم الديمقراطي واستيعاب الآخر - وهي قيم برّاقة وجذّابة - لترويج هذا الطرح الخطير.. وكأن اليهود المحتلين أقلية يجب استيعابها، أو جزء من شعب متعدد الأعراق والقوميات يجب التعايش معهم، في مغالطة صريحة للواقع والتاريخ والجغرافيا من جانب. ومن جانب آخر، لا يفصّل أصحاب هذا الخيار كيف ومن سيُعيد هؤلاء اللاجئين لفلسطين ليصبح التداول السلمي ممكنا وعادلا؟؟!! وكيف ستقبل "إسرائيل" بإنهاء ذاتها كدولة واحدة للشعب اليهودي؟؟!! ومن سيجبرها على ذلك؟؟!!

ولأن الشعب الفلسطيني وحلفاءه لا يمكن أن يتجهوا لهذا الخيار في حالة القوة والتمكن من الاحتلال، فإن طرح هذا الخيار يعني ببساطة استجداء الدول الكبرى لتبني هذا الخيار وفرضه على إسرائيل!!

ومن هنا، يصبح هذا الخيار مجرد طرح خيالي حالم أولا في مغالطته للتاريخ والحقائق، وثانيا في أنه لا يعتمد إلا على استعطاف الدول الكبرى في بُعد تام عن مفاهيم المصالح التي تحكم الدول، والتي بسببها تبنت الدول الاستعمارية إقامة "إسرائيل" للشعب اليهودي كمشروع استعماري لمصالح معروفة. ولا يعطينا أصحاب هذا الخيار وصفة عملية لتوجيه أو إجبار هذه الدول لتبني هذا الخيار وما المصالح الكبرى لهذه الدول معنا التي بسببها ستغير سياستها الثابتة في دعم وجود "إسرائيل"!! وبالتالي، لا يُطرح هذا الخيار في إطار سياسي حقيقي يستحق النظر.

ومن جهة أخرى، وحتى إذ تم ضمان عودة كل اللاجئين لفلسطين - جدلا - ورجحت كفتهم على الشعب اليهودي عددا.. فإن هذا لا يُلغي أنه تم منح هؤلاء الصهاينة الغزاة شرعية لا يستحقونها في وطنٍ احتلوه أو احتله آباؤهم، لمجرد تقادم الزمن أو تسليمنا بالأمر الواقع، في سابقة تاريخية ستحاكمنا الأجيال عليها مهما كان التبرير وكانت المصلحة!!

ومن هنا، فإن طرح هذا الخيار ينطلق من فرضية جدلية غير واقعية - الآن الأقل - وهي أنه تم التغلب على هذه الدولة المارقة وسيتم إجبارها على عودة اللاجئين، ليصبح طرح هذا الحل واقعيا وعادلا - من وجهة نظر أصحابه - أو أن دولا "كبرى" هي من ستصنع ذلك، وبالتالي يحصر أصحاب هذا الخيار حل قضيتهم في يد دول أخرى، وليس في قوة ذاتية وأدوات وطنية، ولا نضال شعبيا حقيقيا سوى ترويج الوهم ورفع الشعارات التي تستعطف النخبة السياسة للدول الكبرى. ويربط هذا الخيار بمصالح هذه الدول - على فرض تحققها لصالحنا - وليس بقوتنا الذاتية ولا مبادئ وقيم الحقوق والحرية، مما يحمل بذور ضعف هذا الخيار وفشله تبعا لتبدل هذه المصالح وتغيرها.

والأعجب من ذلك أن يُعتبر هذا الخيار في عُرف من يتبناه هو "الأكثر أخلاقية والأقرب إلى المنطق"، من زاوية أن التحرير الكامل لفلسطين ليس منطقيا ولا ممكنا!! وأن التخلص من ملايين الصهاينة المحتلين بـ"رميهم في البحر" ليس أخلاقيا ولا إنسانيا!! وهي مفاهيم ومبادئ مغلوطة ولا تُثار إلى في ذات الاتجاه لاستعطاف المجتمع الدولي، ولكن على حساب تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني، ومن خلفه الأمة العربية والإسلامية التي تتطلع للتحرير الكامل، وعلى حساب مفاهيم الثورة والتحرر الثابتة لكل الأجيال والأمم تاريخيا والتي تمنح الشعوب حق المقاومة والثورة على المحتل والمستعمر بكل الأشكال ومهما كانت ضريبة الحرية.

وفي المقال.. أي منطق وأخلاق هذه التي تكرّس وجود المحتل الغاصب وتعطي له حق التداول السلمي للسلطة مع الشعب الأصلي؟!!!

أي منطق وأخلاقية هذه التي تجعل أي شعب يتقاسم وطنه مع محتلين غاصبين لمجرد تقادم الزمن على وجودهم في هذه الأرض؟!!!!

إن الانطلاق في طرح هذا الخيار من حقيقة تقادم الأجيال للصهاينة المحتلين على أرض فلسطين، وأن الموجود منهم الآن هم الجيل الثالث أو الرابع بعد الجيل الأول الذي هاجر بشكل غير شرعي لفلسطين واحتلها بالقوة وطرد وشرّد أهلها، وأنهم ولدوا في فلسطين ولا يعرفوا وطنا غيرها.. هو منطلق فاسد يُغالط الحقيقة والواقع، ويبرئ أجيالا من الغزاة لمجرد توالدهم في الأرض التي احتلها آباؤهم بما يخالف كل تجارب الشعوب وبديهيات التاريخ والمنطق!! فهؤلاء مهما تعددت أجيالهم وتقدم الزمن في وجودهم غير الشرعي في فلسطين، فإن ذلك لا يمنحهم الشرعية المفقودة، وتتحمل مسؤولية حل مشكلتهم - إذا كانت فعلا مشكلة - بلادُهم الأصلية والدول الاستعمارية التي دعمتهم وليس شعبنا ولا على حساب قضيتنا ووطنا وحقنا الكامل والحصري في أرضنا.

ثم إن تصوير أن هذه الأجيال الجديدة من هؤلاء الصهاينة بأنه لا ذنب لهم في الاحتلال هو مغالطة أخرى عميقة للواقع!! فهم جميعهم جزء من المؤسسة العسكرية كما هو معروف التي تقتل وتشرد شعبنا، وجزء من المؤسسة السياسية والمدنية التي تدعم العسكر بالتشريعات والأموال والضرائب، وكل ذلك يورّطهم بشكل مباشر في الاحتلال وممارساته الذي يفترض أصحاب هذا الخيار أنه مسؤولية آبائهم فقط، وهذا يحرمهم من شرعية وجود على أرض فلسطين تريد مثل هذه الطروحات أن تمنحها لهم مجانا!!

إن رفض "إسرائيل" لهذه الطروحات، وتصوير أنها بذلك طروحات إبداعية يجب إبرازها وترويجها لإحراجها هو أيضا استغفال للعقل الجمْعي الفلسطيني، فهل كان رفض الصهاينة لقرار التقسيم عام 1947 مبررا لأن نقبل به كفلسطينيين وهو يقتسم الجزء الأكبر من وطنهم لصالح مهاجرين غزاة غير شرعيين؟؟!! وهل رفض الاحتلال الآن لحل الدولتين مبررا للتمسك به وهو يحرم الفلسطينيين من 78 في المئة من فلسطين التاريخية؟؟!!

بل إن رفض الاحتلال لكل هذه الطروحات ولكل مبادرة تعطي جزءا من فلسطين لغيرهم أو تعطي شيئا من الحقوق للفلسطينيين، وإقرار "إسرائيل" لقانون يهودية الدولة لقطع الطريق عن كل هذه المبادرات وتأييد دول كبرى لكل ذلك، لهو صفعة مدوية لكل من يحمل هذه الأفكار من أبناء الأرض الأصليين الذين بدلا من أن يتعلموا من المحتلين كيف يكون التمسك الكامل بفلسطين دون أي تنازل أو مساومة، نجدهم يساومون على حقوقهم ويحاولوا تنزيل بعض التجارب في غير بيئتها ولا زمانها، وبما يخالف ظروفنا ويضع القضية في منزلقات فكرية ووطنية خطيرة.

التعليقات (2)
علي النويلاتي
الأربعاء، 08-08-2018 04:01 م
هذا الكاتب لا يفهم جوهر الحل القائم على الدولة الواحدة التي يتعايش فيها الجميع بمساواة تحت نظام ديموقراطي. الغريب أنه يقف إلى جانب المتطرفين الصهاينة الذين يرفضون هذا الحل ويرفضون حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض لهم. هذا الحل ليس قائم على إستجداء أحد لا دول كبرى ولا غيرها وإنما على تكاتف الفلسطينيين واليهود المؤيدين لهذا الحل، وهم بطبيعة الحال ممن تحرروا من الصهيونية ويؤيدون حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه. هذا الحل يتم عندما يصبح المؤمنون بهذا الحل ومن يناضل من أجل تحقيقه الأكثرية. هذه بعض الإجابات على عجل على ما ورد في هذا المقال
ابو جميل
الأربعاء، 08-08-2018 09:00 ص
السياسة فن الممكن و فن الحصول على افضل ما يمكن الحصول عليه. الرسول -ص- عاش في دولة واحدة مع اليهود -الى ان غدروا- و قدم التنازلات في الاتفاقيات قبل التمكين و نحن في وضع اسوأ من وضع الرسول في الزمن الماضي. على كل حال يكفي ان اسرائيل تكره هذا الحل اكثر من حل الدولتين فهل حل الدولتين حل عادل. اليهود و المسيحيون عاشو في فلسطين مع المسلمين من قديم الزمن و في اماكن اخرى من العالم الاسلامي . اي ان الدولة الواحدة ليست من البدع. اليوم العالم هو عالم الدول المختلطة كما كانت دولنا في الزمن الغابر. و عند توفر القوة يكون لكل حادث حديث.. اما الان فالتفكير المرن و الواقعي اولى. مصلحة الدين و الاستمرار على الارض هما الاولوية و ليس الافكار الحجرية التي لم يثبت اي انجاز لها الى الان . و بالنسبة لمن لا يعرف وطنا غير فلسطين من اليهود فيجدر النظر لهم بشكل مختلف و خلاق. هب انك خليفة مسلم يا بشمنهدس و لجأ لك اليهود هربا من اضطهاد فما هو ردك؟ و ليس اليهود على قلب رجل واحد ايضا في كل القضايا. الدم و العنف افسد الكثير و لم يحقق شيئا. قد لا تكون الدولة الواحدة هي الحل و قد تكون. الامر في حاجة الى نقاش اعمق من مجرد الرد بمقال مكرور الفكر و النهج و على مستوى سياسي استراتيجي. و للاسف اسرائيل اليوم من مصاف الدول المتقدمة و فيها من حملة نوبل من ليس في امتنا التعيسة ربع عددهم. فما المانع من الوقوف على اكتاف العملاق كما يقال ... ان تم الامر و لا اراه يتم في ظل ضيق الافق و الحقد و الشعبوية الحمقاء من طرفي القضية. قد تعطى الخيار للعودة الى حمامة يا عزيزي فتختار عدم العودة لانها لا تناسب طموحاتك و قد تقيم فيها فترة ثم يجبرك الظرف للانتقال... هذا في ظل الدولة الواحدة. ماذا يريد المرء اكثر من دولة يحصل فيها على كل حقوقه و هذا ما سيتضح عند البدء في نقاش معمق. و تذكر ان لا احد من حقه التحدث باسم الشعب في ظل الفشل المريع لكل المشاريع السياسية الامر اعقد - و قد يكون اسهل- مما يتخيل البعض