هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رصاصة إسرائيلية أصابت كتف الفتى الفلسطيني،
نور الدين أبو بكر (16 عاماً)، لتغتال حركته وترديه مقعدا عاجزا عن الحركة.
لم يلق نور الدين حجارة بوجه الجنود
الإسرائيليين في ذلك اليوم حين خرج ضمن مسيرات العودة قرب الحدود الفاصلة بين شرق قطاع غزة وإسرائيل.
كان محتجا مسالما، ومع ذلك اخترقت رصاصة أحد
الجنود كتفه لتخرج من رقبته، ففجرت شرايين دمه، وقصفت أحلامه الصغيرة.
واليوم، يستلقي الفتى على فراشه في أحد مراكز
التأهيل الطبي بالقطاع. ينسى للحظة محنته، فيهمّ بتحريك يديه أو قدميه، تماما
كالأيام الخوالي، لتعيده قسوة الواقع إلى حقيقة وضعه المأساوي، فتنهمر دموعه بصمت.
رصاصة تغتال حلما
في الأوّل من يونيو/ حزيران الماضي، غادر
نور الدين منزله متجها نحو حدود القطاع مع إسرائيل، للمشاركة بالمسيرات المطالبة
بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها في 1948، ورفع
الحصار عن غزة.
وبالنسبة لفتى في عمره، فإنّ المسيرات تشكّل
أيضا فرصة للقاء أصدقائه، لكن لم يدر بخلده يوما أن تكون نهاية حركته على يد رصاصة
غادرة من الاحتلال، تسببت بإصابته بـ"الشلل الرباعي" وشلل في شريان
الرئة.
وداخل مستشفى "الوفاء" للتأهيل الطبي
والجراحة المتخصصة، وسط قطاع غزة، يستلقي نور الدين على سرير، وجسده متّصل بعدد من
الأنابيب الصغيرة.
ومنذ إصابته، يعيش الفتى على جهاز التنفس
الاصطناعي الموصول لجسده من فتحة في "الرقبة"، فيما يهدد حياته انقطاع
التيار الكهربائي عن ذلك الجهاز.
توليفة قاسية من الظروف تحيط بالفتى، حتى إن
أقصى أمنياته باتت التنفّس بشكل طبيعي دون أجهزة متّصلة بجسده أو بدون أي إعاقة.
جرائم بحق محتجين سلميين
أيام نور الدين تتوالى رتيبة لا حياة فيها، وفي
كل تفصيل من تفاصيلها تكمن مأساة ومعاناة. حركات بسيطة يشتاق إلى القيام بها اليوم،
مثل أن يرفع يده ليمسح وجهه، أو يحرك قدمه حتى يخلصها من ضغط عدم الحركة وتصلّب
الشرايين.
وبعد أن استنشق حاجته من الأوكسجين، قال
نور الدين متحدثا بصعوبة لوكالة الأناضول: "خرجت في ذلك اليوم للمشاركة بمسيرة
العودة الحدودية، لكن رصاصة إسرائيلية أصابت كتفي وخرجت من الرقبة تسببت لي بهذه
الإعاقة الدائمة".
واستنكر الفتى هذه "الجريمة الإسرائيلية
المركّبة التي استهدفته بينما كان "مسالماً؛ حيث إنه لم يقذف أي حجرٍ باتجاه
السياج الفاصل"، كما يقول.
واعتاد الفتى على المشاركة في مسيرة العودة، قرب
الحدود الشرقية لمدينة غزة، حيث وجد في ذلك مساحة من "الفسحة" التي
يلتقي خلالها بأصدقائه أو بأشخاص جدد.
وبعد أن كان نور الدين شغوفاً بلعب كرة القدم برفقة أصدقائه في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين الذي يقطن فيه، أصبح اليوم يتمنى أن
يحرّك يديه أو واحدة منهما على الأقل.
نور الدين اتهم الجيش الإسرائيلي بحرمانه من
ممارسة حقه الطبيعي في الحركة، والرياضة التي يحب، تماما كما حرمه من حياة بات
يرتبط بها عبر "أجهزة اصطناعية كهربائية".
أتمنى تدخلا تركيا لعلاجي
عيناه الوحيدتان اللتان حافظتا على حيويتهما
مقارنة بجسده النحيل الثابت بمكانه على السرير.
كانت نظراته تنطق بأكثر مما يفعل لسانه.
ناشد الفتى أصحاب القلوب "الطيّبة"
توفير جهاز تنفس صناعي ومستلزماته الطبية من أجل إبقائه على قيد الحياة.
كما أنه يناشد الحكومة التركية التدخل لعلاجه من
الشلل الرباعي والرئوي، عبر السفر إلى هذا البلد وتلقي العلاج فيه.
وقال: "أتمنى أن أعود كما كنت في السابق؛ سليماً ومعافى من أي إعاقة تسببت
بها الرصاصة الإسرائيلية".
ولفت نورالدين إلى أن حبه لتركيا ولرئيسها رجب
طيب أردوغان، جعله يحتفظ بعلم هذا البلد، وذلك حتى قبل إصابته.
وبحركة من عينيه، تلاه صوته الخافت، طلب الفتى
من والده رفع العلم التركي خلف سريره في مستشفى "الوفاء" الطبي بغزة.
مأساة عائلة بأسرها
زينب أبو بكر، والدة نور الدين، قالت إن
"بطش الجيش الإسرائيلي لم يرحم نجلها الذي خرج للمشاركة بمسيرة العودة بشكل
سلميّ خالص".
وأوضحت أن نجلها، قبيل المغادرة نحو
الحدود الشرقية في ذلك اليوم، كان يلعب الكرة مع أصدقائه.
وتابعت: "توقف فجأة عن لعب الكرة، وقبّل
الكرة كأنه يودع أكثر شيء يحبه في الحياة، وودّع أصدقاءه وغادر نحو الحدود".
وبحسب والدته، فإن الفتى لا يقوى على الحديث بشكل
مستمر، إلا في حالات استثنائية، كان لقاؤه بالأناضول أحدها.
وتشعر السيدة بالأسى حين يشعر نجلها بحكة في
أذنيه ويضبط أعصابه عاجزاً عن لمسها بيديه.
وتقول بنبرات متقطعة: "بكى نور الدين منذ
فترة، وقال لي: هل سأبقى على هذه الحال بقية حياتي؟".
وتابعت: "لديه مخاوف من قضاء حياته على
الكرسي المتحرك، ما يتسبب له بحرج أمام أصدقائه والناس جميعا"، وهذا ما يسبب
له حالة نفسية سيئة.
ويرفض أبو بكر، في الكثير من الأحيان، تناول
وجباته الرئيسية بسبب حالته تلك، كما قالت والدته.
وفي ما يتعلق بآمال شفائه، قالت والدة الشاب إن
الأطباء في غزة أبلغوها بـ"عدم وجود علاج شاف لنور الدين بالقطاع".
وطالبت جميع المؤسسات الحقوقية والطبية
بـ"العمل لعلاج نجلها خارج قطاع غزة بشكل يمكّنه من العودة إلى حياته السابقة".
ويتظاهر آلاف الفلسطينيين، قرب السياج الفاصل،
منذ 30 مارس/ آذار الماضي، بمسيرة العودة وكسر الحصار، للمطالبة بعودة اللاجئين
الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948، ورفع الحصار عن قطاع غزة.
ويقمع الجيش الإسرائيلي تلك المسيرات السلمية
بعنف، ما أسفر عن استشهاد 137 فلسطينياً وإصابة أكثر من 16 ألفا بجراح مختلفة.