ملفات وتقارير

"بيزنس" التبرعات.. لمن تذهب أموال أهل الخير بمصر؟

جمعيات ومستشفيات في مصر حصلت خلال شهر رمضان على مليارات الجنيهات من التبرعات- جيتي
جمعيات ومستشفيات في مصر حصلت خلال شهر رمضان على مليارات الجنيهات من التبرعات- جيتي

تصاعدت خلال الساعات الماضية أزمة التبرعات التي حصلت عليها المستشفيات والجمعيات الأهلية بمصر خلال شهر رمضان، بعد صدور قرار من وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي بتشكيل لجنة فنية لبحث الشكاوى المتعلقة بالتبرعات التي حصل عليها مستشفى أورام سرطان الأطفال المعروف بـ"57357".


وطبقا لتأكيدات والي فإن هذه اللجنة سوف تمتد لباقي الجمعيات الخيرية التي وسعت من حملات الدعاية خلال شهر رمضان الماضي وحصلت مقابلها على مليارات الجنيهات من التبرعات.


من جانبه انتقد عضو البرلمان المصري حسين غيته في طلب إحاطة قدمه لرئيس مجلس الوزراء وحصلت "عربي21" على نسخة منه عدم رقابة الدولة على أموال التبرعات التي تحصل عليها المستشفيات الكبرى التي تتعامل جماهيريا من خلال جمعيات أهلية تخضع رسميا لرقابة القانون المصري، مشيرا إلى أن مؤسسة مستشفى "57357" التي تحصل على تبرعات "مليارية" فيها العديد من المخالفات المالية.


وتقدم عضو البرلمان محمد عبد الله زين الدين بطلب إحاطة آخر طالب فيه بضرورة إجراء تحقيق عاجل في أزمة تبرعات المستشفى المذكور، وتوضيح الأمر للمواطنين الذين يتبرعون بأموالهم منذ سنوات لهذا المستشفى الكبير، وأكد النائب في طلبه أن المستشفى منذ إنشائه قائم على أموال التبرعات، التي يتلقاها من الداخل والخارج، وأضاف: "إن جمعه تبرعات بمليار جنيه سنويًا (56 مليون دولار) ليس غريبًا، ولكن الغريب وجود اتهامات له بأنه لا يتم صرف سوى 160- 200 مليون جنيه (9 إلى 11 مليون دولار) فقط على الأطفال المرضى".


بينما أكد الكاتب الصحفي أسامة داود أن أزمة مستشفى "57357" ليست الوحيدة وإن كانت الأكثر تفاقما، مشيرا إلى ضرورة فتح ملف التبرعات التي تحصل عليها المستشفيات والجمعيات الأخرى مثل مصر الخير وبهية والأورمان وغيرها من المؤسسات الخيرية القائمة على التبرعات.


وأضاف داود في صفحته على موقع فيسبوك أن ما أثاره السيناريست وحيد حامد عن تحول مستشفى 57357 إلى القطاع الخاص ليملكه رئيسه، يجب ألا يتم التقليل منه، موضحا أن خطوة وزارة التضامن الاجتماعي مهمة لتوضيح حقيقة ما يتم بالمستشفى، الذي يتابع أمواله اثنان فقط من موظفي الشؤون الاجتماعية، مطالبا بتعميم لجان المراقبة والفحص على باقي المشروعات والجمعيات.


في مقابل ذلك دعا الكاتب الصحفي محمود العسقلاني منسق حركة "مصريون ضد الغلاء" لعدم تشويه المؤسسات الخيرية نتيجة أغراض شخصية مشيدا في تصريحات صحفية بما تقدمه مؤسسة مستشفى سرطان الأطفال لخدمة المواطنين، وأن الحملة التي تتعرض لها مع باقي المؤسسات الخيرية الأخرى ليست في صالح العمل الخيري والأهلي.


من جانبه يؤكد الباحث في النشاط الأهلي والعمل الاجتماعي محمد جابر لـ "عربي21" أن شهر رمضان فرصة كبيرة لجمع أكبر قدر من التبرعات نتيجة زكاة المال، مشيرا إلي أن حجم هذه التبرعات غير معلوم بشكل دقيق لأنه لا يذهب لجهة واحدة، وإن كانت التقارير المختلفة تشير إلى أنه يتجاوز الـ40 مليار جنيه في العام ( 2.5 مليار دولار)، وهو مبلغ مرشح للزيادة في ظل حملات الدعاية المبالغ فيها.


ويشير جابر إلى أن الرقابة على عمل هذه الجمعيات والمؤسسات غالبا ما تكون حسب المزاج وترجع لقوة مسؤولي الجمعية، فمثلا "مصر الخير" التي يرأسها مفتي مصر السابق علي جمعة لن يستطيع أحد الاقتراب منها إلا إذا أرادت الدولة التخلص من جمعة نفسه، وكذلك المؤسسات التي تشرف عليها سيدات المجتمع النسوي البارزات.


ويوضح جابر أنه كان يجب فتح ملف التبرعات بعد تصريحات رئيس جمعية الأورمان في رمضان الماضي بأن مصر ليس بها فقراء، علما بأن جمعيته تحصل على تبرعات تتجاوز المليار في العام لمساعدة الأيتام والفقراء.


ويضيف خبير الحملات الإعلامية يحيى عبد الهادي لـ "عربي21" أن زاوية أخرى في "مافيا" التبرعات، هي غياب جمعيات الإخوان المسلمين، موضحا أن الإخوان كانوا يديرون آلاف الجمعيات منذ عشرات السنوات، وكانوا محل ثقة للمواطنين، وعندما شن الانقلاب الحرب عليهم لم يعد المواطن يثق في باقي الجمعيات ولذلك فإنه يفضل أن تذهب تبرعاته للمشروعات الصحية وخاصة المتعلقة بالأورام.


ويشير عبد الهادي إلى أن الحملات الإعلامية تلعب دورا بارزا في تكوين قناعات المتبرعين، خاصة إذا كانت الحملات جذابة وكثيفة مثل حملات مستشفى 57357، وبالإضافة لذلك فإن هذه المستشفيات لها علاقات وصلات بوسائل إعلام وصحفيين يدافعون عنها ويروجون لها ما يجعلها دائما فوق المساءلة.


ويؤكد عبد الهادي أن مصر بها أكثر من 49 ألف جمعية خيرية تنفق سنويا ما يقرب من عشرة مليارات جنيه (550 مليون دولار) طبقا لإحصائيات وزارة التضامن الاجتماعي، موضحا أن هناك حرب مصالح بين هذه الجمعيات، التي تتصارع على ما يمكن أن نسميه "بيزنس التبرعات".. وفي ظل غياب الرقابة الحكومية على معظمها فإن الفساد سيطر على كثير منها.

التعليقات (0)