لماذا نأى إخوان الأردن بأنفسهم عن تصدر الاحتجاجات؟

يشهد الشارع الأردني هذه الأيام احتجاجات شعبية عارمة، عمت على نطاق واسع كافة المحافظات الأردنية بدءا بالعاصمة عمّان لكن اللافت كان غياب الشكل التقليدي للاحتجاجات، التي تنظمها الأحزاب وارتفاع اللافتات الحزبية.

وكانت الاحتجاجات اندلعت على خلفية تقديم الحكومة المقالة مشروع قانون ضريبة الدخل إلى البرلمان، والذي قوبل برفض شديد من مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والشعبية الأردنية، لما يفرضه على المواطن الأردني من ضرائب جديدة مرهقة.

واحتجاجا على مشروع قانون الضريبة، نفذت النقابات المهنية يوم الأربعاء 30 مايو/ أيار إضرابا واسعا، وصف بالناجح بعد الاستجابة الواسعة له من أعضاء تلك النقابات، ومختلف شرائح الشعب الأردني.

ونظرا لتصاعد الاحتجاجات النقابية والشعبية، قدم رئيس الحكومة هاني الملقي استقالته، بعد اجتماع مغلق مع الملك عبد الله الثاني يوم الاثنين الماضي، وكلف العاهل الأردني وزير التعليم، الدكتور عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة. 

وعلى غير عادتها غابت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التيار الأكبر عددا، والأكثر تنظيما وحضورا على الساحة الأردنية عن تصدر الاحتجاجات الشعبية وقيادتها، الأمر الذي كان لافتا لكثير من المراقبين والمحللين.

ووفقا للناطق الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين، معاذ الخوالدة فإن "الجماعة ارتأت أن تبتعد عن تصدر الحراك الحالي وقيادته، لتقديرها أن مصلحة الحراك في هذه المرحلة تتطلب ذلك".

وقال الخوالدة في تصريحاته لـ"عربي21": "التحرك الشعبي بدأ بعفوية، وكانت بدايته من النقابات المهنية، لكنه تجاوز النقابات ليعم سائر محافظات المملكة، وفي تقديرنا أن مصلحة الحراك تقتضي أن يبقى حراكا شعبيا، يمثل جميع الأطياف السياسية الأردنية، تنصهر فيه جميع الهويات لصالح الهوية الوطنية الجامعة، من غير أن يتلون بلون سياسي معين".

وردا على ما يقال حول تقاعس الجماعة عن المشاركة في الحراك الحالي، وابتعادها عن تصدر المشهد، والذي يوصف في بعض الأوساط بـ"الجبن، والانتهازية السياسية" لفت الخوالدة إلى أن الجماعة كانت متصدرة بشكل كبير في الحراكات السابقة، وكانت تقود الشارع إبان الربيع العربي.

وأضاف: "لقد دفعت الجماعة أثمان مواقفها تلك، وهي لا تتوانى عن القيام بأعباء مسؤولياتها الدينية والوطنية، وتحمل تبعاتها، ومعيارها الأساسي في ذلك كله، تقديم مصلحة الحراك والشارع الأردني".

من جانبه أرجع الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حلمي الأسمر غياب الجماعة عن تصدر الحراك الحالي وقيادته إلى ضعف الجماعة، بسبب انقساماتها الداخلية، واستهدافها، وخسارتها لكثير من مواقعها وحضورها الفاعل.

وإجابة عن سؤال "عربي21": هل الجماعة آثرت السلامة بعدم تصدرها المشهد الحالي خوفا من تبعاته؟ قال الأسمر: "الجماعة حاليا مثخنة بالجراح، وغيابها عن تصدر المشهد يعبر عن حجم حضورها الفعلي، ويعكس قلة حيلتها" لافتا أنه يقصد بذلك "الجماعة والتنظيم، أما الفكرة فهي حية ومحركة وديناميكية، وكذلك حال أفرادها في فاعليتهم ومشاركتهم".

ورأى أن غياب الجماعة عن تصدر المشهد يصب في مصلحة الحراك الحالي، مع أن حضور الجماعة كان يتيح للدولة خيارا مناسبا لاحتواء الأزمات بالتعاون والتنسيق مع قيادة الجماعة".

وبحسب الأسمر فإنه بعد غياب الجماعة عن قيادة الحراك، لم تظهر قيادات أخرى من الاتجاهات والقوى المختلفة، مستبعدا أن يفرز الشارع قيادات جديدة بسبب خصوصية الحالة الأردنية وتعقيداتها.

بدوره وصف الناشط السياسي الأردني، فرج أبو شمالة "عزوف جماعة الإخوان عن المشاركة المنظمة في الاحتجاجات الشعبية الحالية باللافت جدا للنظر" ذاكرا أنه ومن خلال مشاركته لم يشاهد قيادات ورموزا إخوانية في الميدان، مع ضعف مشاركة كوادر الجماعة.

وأرجع أبو شمالة غياب الجماعة عن المشاركة الفاعلة في الاحتجاجات الشعبية الحالية إلى كون "الجماعة لا تريد أن تكون طرفا في ذلك، كإبراز حسن نيتها تجاه النظام في المرحلة الحالية".

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "الجماعة لا تريد أن تساهم في إضعاف النظام الأردني حاليا، لأنه برأيها الأقرب حاليا إلى المحور التركي (الأقرب إليها)، والأبعد من محور السعودية والإمارات المعادي لها". 

وأشار أبو شمالة إلى أن الدولة الأردنية خسرت بإضعافها لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وخلخلة تماسكها الداخلي، أحد أدواتها الفاعلة في احتواء الشارع، وضبط ردود أفعاله، وهي الفكرة التي طالما أشاعتها الجماعة، كحركة راشدة لها قرارها المركزي، وقادرة على ضبط إيقاع الشارع، على حد قوله.

ورأى أبو شمالة أن غياب الحضور الإخواني عن الاحتجاجات الشعبية الحالية، أدى إلى غياب أي هم آخر غير أردني، بعدم زج القضايا الإقليمية في الشعارات المتداولة، فالحراك أردني ووطني بامتياز، وهذا بالتأكيد لصالح الحراك ويخدمه بشكل كبير.

وختم أبو شمالة حديثه بتوقعه أن تفرز الحراكات الشعبية الحالية قياداتها ورموزها الخاصة، بوجوه جديدة، وأنماط جديدة، تنشغل بالهم الوطني الداخلي، متجاوزة القيادات والرموز المعروفة.