بعد فترة خبت فيها الضربات الأمنية وقضايا الرشوة في المؤسسات
الحكومية؛ ظهرت صحوة جديدة لأجهزة الأمن
المصرية وهيئة الرقابة الإدارية، مصحوبة
بدعاية إعلامية، وذلك بعد أيام من فضيحة
تهريب 23 ألف قطعة أثرية من مصر عبر ميناء
الإسكندرية في حاوية دبلوماسية إلى إيطاليا.
وبين
اتهامات بالتورط والإهمال، وضعت واقعة تهريب شحنة
الآثار الفرعونية من مصر إلى
إيطاليا قبل أسبوع، وإلى الكويت قبل شهرين، كفاءة الأجهزة الأمنية في مصر على
المحك أمام العالم.
وازدادت
وقائع تهريب الآثار خلال السنوات الثلاث الماضية، ففي 23 أيار/ مايو الجاري، أعلنت
إيطاليا عن ضبط شحنة آثار مهربة من ميناء الإسكندرية عبر حقيبة دبلوماسية، وفي 3
آذار/ مارس 2018، ضبطت الكويت تابوتا فرعونيا كاملا مهربا من مطار القاهرة، وفي 5
تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أعادت إمارة الشارقة 400 قطعة أثرية مصرية مهربة
للإمارات.
وكان
قطاع المتاحف في وزارة الآثار أكد، في 19 أيلول/ سبتمبر 2017، سرقة محتويات أثرية
من متحف محمد علي في شبرا بالقاهرة، وفي 15 أيلول/ سبتمبر 2017، عرضت قطع أثرية
فرعونية نادرة بمتحف لوفر الإمارات، وفي آب/ أغسطس 2017، أعلنت وزارة الآثار
اختفاء 32638 قطعة أثرية من 10 مخازن.
وكان
الكاتب الصحفي، جمال سلطان، قد لام في مقال له بصحيفة "المصريون" على
الرقابة الإدارية، وقال: "عندما يغيب صوتها وبصمتها عن ملف تهريب الآثار
المتفاقم، فلا يصح أن تنشغل الهيئة في قضايا فساد بآلاف الجنيهات، بينما يغيب
جهدها عن قضايا بمئات الملايين من الدولارات، خاصة أن حجم عمليات تهريب الآثار
الأخيرة وجرأتها تكشف أن وراءها أصحاب نفوذ وخبرات، وبالتأكيد اختراقات لمؤسسات
الدولة".
منتقدا
تعاظم تهريب الآثار خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأن كل المعلومات التي تكشفت عن
تلك الجرائم كشفتها مصادر ووسائل إعلام وأجهزة رقابة أجنبية، في غياب الأجهزة
المصرية.
وقامت
هيئة الرقابة الإدارية، الثلاثاء، بالقبض على مسؤولين بوزارة التموين، بينهم
لواءات جيش وشرطة، وهم رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية
اللواء علاء فهمي، ومدير مكتبه، ومستشار وزر التموين للإعلام محمد سويد، والمتحدث
الرسمي للوزارة ممدوح رمضان، ومستشار الوزير للاتصال السياسي بمجلس النواب،
متلبسين بتلقي رشوة 2 مليون جنيه.
وأمس،
أعلن أمن مطار سوهاج عن ضبط نائب مدير المطار وبحوزته 10 آلاف قرص مخدر قبل
تهريبها للكويت، فيما أفردت الصحف والمواقع لهاتين الخبرين مساحة كبيرة، بينما
غابت واقعة الآثار عن الواجهة.
وكان
آخر القضايا التي ضبطتها هيئة الرقابة الإدارية، والتي يعمل بها نجل قائد الانقلاب
عبدالفتاح السيسي، قبل 5 أشهر، بالقبض على محافظ المنوفية واثنين من رجال الأعمال؛
لتورطهم بقضايا فساد بالملايين، في 14 كانون الثاني/ يناير 2018.
وفي
27 آب/ أغسطس 2017، قبضت الرقابة الإدارية على نائب محافظة الإسكندرية سعاد الخولي؛
بتهمة تقاضيها رشوة مليون جنية.
وعلا
نجم الرقابة الإدارية عام 2016، بعد ضبط موظف بالدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية
العليا بمجلس الدولة يتلقى رشوة في تشرين الأول/ أكتوبر، ثم ضبط مدير عام
التوريدات والمشتريات بالمجلس بقضية رشوة كبرى بلغت نحو 20 مليون دولار، في كانون
الأول/ ديسمبر 2016.
تلك
الضربات لهيئة الرقابة كانت قد وصفها الأكاديمي المصري نايل الشافعي، عبر صفحته
بفيسبوك، بأنها لإلهاء مصر، متسائلا هل "إظهار مكافحة الفساد فرصة لتلميع شاب
-نجل السيسي-؟ أم لإلهاء الناس عن الغلاء؟
وفي
تعليقه/ أكد المستشار محمد سليمان أن أخبار الرقابة الإدارية والأمن في القبض على
بعض قضايا الرشوة والفساد الصغيرة لن تنجح بلا شك في التغطية على الفشل الذي طال
كل شيء"، مشيرا إلى أنه "في الغالب فإن إذاعتها يكون لجلب الانتباه
بعيدا عن مصائب تجري".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، قال
إنه على الأغلب فإن هذا التسليط الإعلامي، على ما تعلنه الرقابة الإدارية، يأتي من
أجهزة تحركها سلطات أمنية من قبيل نظرية "بص العصفورة"، لإلهاء الشعب.
وفي
سؤال للكاتب الصحفي محمد أبو كريشة، حول مدى نجاح أنباء ضبط الرقابة الإدارية
قضايا رشوة وفساد مالي، وتسليط الضوء عليها إعلاميا على مدار يومين، في التغطية
على الفشل الأمني والرقابي في واقعة تهريب الآثار لإيطاليا، أكد أن "الفشل
الأمني والرقابي واضح"، مشيرا إلى دور الإعلام في التغطية على هذا الفشل
بقوله إن "الإعلام بلا مصداقية لا يجدي".
أبو
كريشة، أضاف لـ"عربي21"، أن الإعلام بهذه التعمية على حقيقة الفساد لا يعد
فقط مشاركا في عمليات الفساد، بل إن "الإعلام صانع الفساد في مصر"، موضحا
أنه كي نصلح الإعلام حتى ينتهي الفساد ويُشفى جسد مصر المريض منه، لا بد أن
"يكون هناك اعتراف رسمي وشعبي بأنه فاسد".
وعلى
الجانب الآخر، يرى أنصار السيسي أن ضبط المسؤولين الفاسدين إنجاز يضاف إلى عهد
السيسي، وقال الناشط أحمد المصري، عبر "فيسبوك"، إن "حجم قضايا
الفساد المضبوطة من قِبل الرقابة الإدارية، ومركز المضبوطين مُتلبسين بقضايا فساد
رشوة وخلافه، يُحتم عليك أن تعلم أن مرحلة التطهير بدأت ولن تتوقف، وأنه لا أحد
فوق القانون، وأن المعركة على الفساد ليست بالهينة، ولن ينجوا منها فاسد، مهما كان،
ومهما بلغ مركزه"، مضيفا تحيه لذراع جهاز المخابرات العامة رجال هيئة الرقابة
الإدارية.