هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بغض النظر عن كونك تحب كرة القدم أو تتوجس منها خيفة؛ لأنها أصبحت جزءا من أدوات السلطة في البلاد المستبدة، وأصبحت أفيونا للشعوب الفارغة من أي مضمون يتعلق بالتنمية والنظر إلى المستقبل، إلا أنك لا بد وأن تعترف بأن هذه اللعبة أصبح لها مذاق خاص وطعم متميز ونحن نشاهد لاعبا عربيا مصريا يتحدث عن أخلاقه الركبان من عرب وعجم.
يتحدث أهل إنجلترا عن "مو" صلاح، الفتى الأسمر الذي يبتسم في وجه زملائه وهو يلقي إليهم بالكرة ليحرزوا الأهداف، أو وهو يحني رأسه بعد أن يحرز الأهداف، الواحد تلو الآخر، أو وهو يشير إلى زميله صاحب الفضل في الهدف الذي أحرزه قبل قليل.
يتحدث أهل إنجلترا عن "مو" صلاح، الفتى الأسمر الذي يبتسم في وجه زملائه وهو يلقي إليهم بالكرة ليحرزوا الأهداف، أو وهو يحني رأسه بعد أن يحرز الاهداف، الواحد تلو الآخر
ويالها من لحظة تاريخية وهو يخر ساجدا فوق عشب الملاعب الخضراء في قلب أوروبا، غير مبال ولا عابئ بأن غالبية الجمهور ليسوا من المسلمين، إنما هو يعبر عن نفسه ببساطة كبساطة جريان الماء في الأنهار وفي الوديان قادما من قمم الجبال.. يخر محمد صلاح ساجدا شكرا على نعمه الكثيرة التي وهبها الله لهذا الفتى الريفي القادم من احدى قرى نهر النيل العظيم، بعد أن رفضه رئيس أحد أكبر أندية القاهرة بعد أن أشار لمن جاء به إليه: "الواد ده ما ينفعش النادي بتاعنا".
تمر الأيام ويتحدى محمد صلاح نفسه وكل من رفض موهبته، ويصارع التحديات والعقليات المتكلسة والنفسيات المتربصة بكل ما هو ريفي وغير قاهري، ليصل إلى درجة العالمية، فتهتف له الجماهير في روما، ثم ها هي ترقص وتغني باسمه في قلب العاصمة البريطانية لندن وفي مدينة ليفربول شمالي لندن. وفي كل مباراة يلعبها تخصص له الجماهير هتافا خاصا به، وهو يمشي متواضعا ويحني رأسه شكرا لهؤلاء الأجانب الذين استقبلوه خير استقبال.
يتفوق محمد على نفسه ويمضي في طريقه، لم تغيره المواقع ولا الشهرة، ولم تحل كلمات العداء والكراهية التي تنضح من مقالات بعض ما يسمون بالرموز الإعلامية المصرية للأسف بالكراهية وقلة الأدب
يمضي صلاح في طريقه بعد أن استكثر عليه مدرب تشيلسي السابق ومدرب مانشستر يونايتد الحالي، جوزيه مورينيو، أن يكون لاعبا أساسيا في تشيلسي، ربما لأسباب عرقية، أو ربما لأن جسم محمد صلاح ليس في أحجام منافسيه وقرنائه، أو ربما لأسباب لا نعلمها، ولكن النتيجة كانت واحدة، وقد أشعلت التحدي في صدر الفتى، وقرر أن ينتصر لموهبته ولكينونته ضد مدرب متعجرف يقال له مورينيو.
يتفوق محمد على نفسه ويمضي في طريقه، لم تغيره المواقع ولا الشهرة، ولم تحل كلمات العداء والكراهية التي تنضح من مقالات بعض من يسمون بالرموز الإعلامية المصرية للأسف بالكراهية وقلة الأدب.. لم تحل بينه وبين هدفه، ولم تجعله يفرط لا في سجدته لله شكرا عقب كل هدف أو كل انتصار، ولا في محبته للناس ولزملائه من حوله.
وبقدر عطائك وإصرارك تصل إلى ما تريد، ولكن الشيء الذي لا يمكنك الحصول عليه مع النجومية هوو حب الناس وتقديرهم وشغفهم بك وبموهبتك، فكثير من النجوم والمشاهير ليس لهم في قلوب الناس ولا حبهم نصيب، أما مو صلاح فله في القلوب مكانة لا يضاهيه فيها إلا "مو" أبو تريكة الذي سبقه على درب النجومية الممزوجة بالتواضح، والمعجونة بعجينة الأخلاق، والمسقية بماء المحبة والنقاء.
بقدر عطائك وإصرارك تصل إلى ما تريد، ولكن الشيء الذي لا يمكنك الحصول عليه مع النجومية هي حب الناس وتقديرهم وشغفهم بك وبموهبتك
عجينة مو صلاح هي عجينة الفطرة السليمة إذا وجدت شخصا بسيطا على طبيعته، لا الدنيا تنال من تواضعه ولا المال يلفته عن الجبلة التي جبل عليها، وهي عجينة موجودة في كثيرين حولنا، ولكن ربما لم تتح لهم الفرصة ليعبروا عن أنفسهم كما عبّر محمد صلاح بلغة الجسد أو لغة القدم عن نفسه وعن معتقداته.
انتظر الناس محمد صلاح في نهائي دوري أبطال أوروبا متمنين له التوفيق والسداد، بينما كان يجلس أحد غلمان المملكة منبهرا بماله الذي لا نعرف من أين هبط عليه، ممددا قدميه على أريكة في برنامج تلفزيوني، وتمنى هذا الغلام أن يصاب محمد صلاح وألا يلحق بمباريات كأس العالم. وبالفعل أصيب صلاح، فهبطت الدعوات على صلاح بالشفاء، بينما انهالت اللعنات على غلام ابن سلمان الذي علا في الأرض وظن أن أهلها للبيع والشراء، بما في ذلك محمد صلاح.
يملك تركي مليارات الدولارات، لكنه لا يملك قلوب الناس.. وبكل تأكيد لا يمكنه أن يحصل على معشار ما يحصل عليه مو صلاح من محبة المحبين حول العالم