تناولت الصحف الأمريكية، الأربعاء، قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من
اتفاق النووي مع
إيران، بانتقاد ومخاوف عدة جراء الموقف المغاير لحلفاء أمريكا الأوروبيين، الذين تمسكوا بالاتفاق رغم الموقف الأمريكي، وللدول التي عارضت القرار مثل روسيا وتركيا والصين.
من جهتها، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، وفق ما ترجمته "
عربي21"، إلى أن قرار ترامب "يهدد أمريكا بعزلها عن حلفائها، وتركها على خلاف أكبر مع خصومها في التعامل مع الإيرانيين".
ونشرت الصحيفة مقالا للكاتبة سوزان إي رايس، وصفت فيه قرار ترامب بأنه "الأكثر حمقا حتى الآن"، معتبرة أن الخروج من اتفاق النووي "سيجعل الولايات المتحدة أقل أمانا بكثير".
وأكدت أن قرار ترامب "متهور" بسحب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية، مشيرة إلى أن قراره "لن يجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، ولن يعالج المخاوف الجدية بشأن سلوك إيران في الشرق الأوسط".
إيران غير مقيدة بعد الآن
وشددت على أن الموقف الأمريكي الجديد الذي يقوده ترامب، سيترك البرنامج النووي الإيراني غير مقيد، مشددة على أن أمريكا باتت غير متوافقة مع حلفائها، وأقل أمنا بكثير.
وأشارت في معرض انتقادها لقرار ترامب إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأجهزة المخابرات في الولايات المتحدة، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكبار مستشاري ترامب، أكدوا أن إيران قد امتثلت بالكامل لالتزاماتها.
واعتبرت الكاتبة أن الاتفاقية لم تكن أبدا حول الثقة، بل إن الأمر يتعلق بالتحقق الصارم إلا ما لا نهاية، مشددة على أن أمريكا تخلت عن الاتفاقية التي قطعت جميع المسارات المحتملة لإيران للحصول على سلاح نووي.
وكتبت كذلك مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية، أن "إيران ستستجيب بالتأكيد بشكل ما، والأسوأ من ذلك احتمال أن تتمكن طهران من استخدام أي انسحاب أمريكي من الصفقة من أجل زيادة برنامجها النووي ببطء".
وتعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالبقاء في الصفقة بعد قرار ترامب، لكنه قال أيضا إنه أمر المسؤولين بالاستعداد "لتخصيب صناعي" محتمل في حال فشلت أوروبا ودول أخرى في اتخاذ خطوات لتحسين موقف الولايات المتحدة.
التنازل عن المكانة الأخلاقية
وانتقد المقال في "نيويورك تايمز" أن ترامب تنازل عن المكانة الأخلاقية، وحرر إيران من كل تلك القيود، مضيفة أن إيران ستكون قادرة على استئناف أنشطتها النووية دون أن يقع عليها اللوم، بعد انتهاك أمريكا للاتفاقية.
وختم بالقول، إنه "عندما تقوم الولايات المتحدة من جانب واحد بإلغاء اتفاقية دولية دون خروقات واضحة، فإننا نقوض المفاهيم الدولية لمصداقيتنا ومسؤوليتنا. وهذا بالضبط ما فعلناه في اتفاق باريس بشأن المناخ والشراكة عبر المحيط الهادئ. لكن انتهاك الصفقة الإيرانية أكثر خطورة بكثير".
الانسحاب يقرب أمريكا من الحرب
من جانبها، قالت صحيفة "واشنطن بوست" في افتتاحيتها إن الصفقة التي وقعت مع إيران قبل ثلاث سنوات لم تكن صفقة كاملة، ولكن قرار ترامب إلغاء الصفقة، دون وجود استراتيجية بديلة، ومعارضة الحلفاء الأوروبيين لذلك، "فعل متهور".
وكتبت الصحيفة تحت عنوان: "قرار ترامب في إيران يقربنا من الحرب"، أن الانسحاب "أدى إلى حصول شرخ في المواقف مع كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الذين كانوا شركاء في الاتفاقية إلى جانب روسيا والصين، كما أن هذا القرار منح النظام الإيراني فرصة أخرى".
معارضة أوروبية
وذهبت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21" إلى أن أولى نتائج قرار ترامب، "المعارضة الأوروبية له، فنظام العقوبات الذي أعاده ترامب يهدف إلى إجبار الدول الأخرى على خفض مشتريات النفط والأعمال التجارية الأخرى مع إيران، كما أنه يهدد بفرض عقوبات على الدول التي لا تفعل ذلك".
وقالت: "قد تقاوم الدول الأوروبية هذه العقوبات، خاصة أنها أعلنت صراحة أنها لن تتخلى عن الاتفاق النووي، ومن ثم قد تقاوم أي محاولة أمريكية لفرض عقوبات، خاصة أن قادة الدول الأوروبية الثلاثة حاولوا ثني ترامب عن قراره، والاكتفاء بمزيد من العقوبات دون الانسحاب من الصفقة".
وتوقعت أنه من غير المحتمل أن تتعاون الدول الأوروبية مع ترامب لفرض عقوبات جديدة على إيران.
وأوردت "واشنطن بوست" أنه يمكن لإيران والدول الأوروبية أن تتوافق على مواصلة الاتفاق النووي، في تحد لواشنطن، لكن الأجهزة العسكرية والأمنية الإيرانية المتشددة، التي عارضت الاتفاق على الدوام، ستضغط من أجل استئناف تخصيب اليورانيوم، وتقييد عمليات فرق التفتيش أو حتى السعي للحصول على القنبلة النووية.
وقالت الصحيفة إن ترامب دفع إلى الخروج من الصفقة بتأثير من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث تخوض كل من السعودية وإسرائيل حروبا بالوكالة في المنطقة مع إيران، وفق قولها.
وأيدت "واشنطن بوست" ما أوردته "نيويورك تايمز" من أن صفقة النووي مع إيران كانت قادرة على تأجيل حصول إيران على القنبلة النووية إلى نحو 15 عاما، ولكن قرار ترامب الأخير قضى على فترة السماح هذه دون أن يقدم بديلا لمنع إيران من ذلك.
ووافق الأمر أيضا، تقرير لمجلة "ذا ناشونال إنترست"، قالت فيه إن "التوترات مع أوروبا سترتفع بشكل كبير"، وإن الأوروبيين سيحاولون الحفاظ على الاتفاق، لكن فرص نجاحهم ضئيلة بالفعل.
وكتب الصحفي يعقوب هايلبرون، في التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن التأثير الأكثر أهمية لقرار ترامب لعله يكون وضعه طابعه الخاص على سياسة الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط.
وأكد أن ترامب يجب أن يتحمل الآن مسؤولية المسار الذي تتخذه أمريكا في المنطقة المضطربة والعنيفة وغير العادية.
وأشار إلى أن نجاح ترامب أو فشله سيقاس من خلال مقارباته بشأن إيران وكوريا الشمالية. وستظهر الأسابيع المقبلة ما إذا كان يسعى حقا إلى سياسة التراجع أم الاحتواء.
ونقلت المجلة أن الديمقراطيين أعلنوا على الفور، أن قرار ترامب بشأن الاتفاق النووي "خطأ ذو أبعاد تاريخية"، وفق ما أكده السيناتور ديك دوربن.
أما السيناتور مارك وارنر فعبر عن أسفه، معتبرا أن ترامب "يدق إسفينا بيننا وبين حلفائنا".
الإضرار بالأعمال الأمريكية والعمال
بدورها، تناولت مجلة "نيويوركر" الأمريكية قرار انسحاب ترامب، من البعد الاقتصادي، مشددة على أن قرار واشنطن في ما يخص الاتفاق النووي مع إيران والخروج منه وفرض عقوبات قاسية، يضر بالشركات الأمريكية والعمال الأمريكيين.
وكتب الصحفي جون كاسيدي، أنه في أفضل السيناريوهات، سينتج عن إعلان ترامب أشهر عدة من عدم اليقين بالنسبة لرجال الأعمال، حيث تنتظر شركات "بوينغ" وغيرها من الشركات الأمريكية رؤية ما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق لحفظ ماء الوجه، قبل أن تعود العقوبات على إيران إلى حيز التنفيذ.
وأشارت في تقريرها من ترجمة "
عربي21" إلى أن أعمال شركات أمريكية ستتعطل بسبب قرار ترامب، لا سيما أن الوضع سيكون مختلفا بالنسبة للشركات في البلدان الأخرى الملتزمة بالاتفاق النووي، إذ إنها تتطلع إلى سرقة مسيرة منافسيهم في الولايات المتحدة.
ففي السنوات القليلة الماضية، استأنفت شركات صناعة السيارات الأوروبية مثل فولكسفاغن تصدير السيارات والشاحنات إلى إيران، ووافقت "رينو" على بناء مصنع بالقرب من طهران.
ووافقت الشركات الصينية على استثمار مليارات الدولارات لتطوير بعض منشآت إنتاج النفط الإيراني، وقامت مجموعة "سيتيك"، وهي شركة استثمار صينية مملوكة للدولة، بتمديد عشرة مليارات دولار من الائتمان لمجموعة من البنوك الإيرانية.
وبذلك، فإن قرار ترامب سيئ جدا بالنسبة للشركات الأمريكية، ورجال الأعمال والعمال الأمريكيين، والمستهلكين الأمريكيين، الذين لمسوا مباشرة رفع أسعار البنزين، بعد قرار رئيسهم.