قضايا وآراء

تاريخ الإخوان والاختلاف حول الشخصيات والأحداث

عصام تليمة
1300x600
1300x600
يلاحظ القارئ لمجمل الكتب التي كتبت عن تاريخ الإخوان المسلمين (من أفراد ظلوا في تنظيمها، أو خرجوا منها، من خلال مذكراتهم، أو ما كتبوه عن شهادتهم وأحداث عاشوها) أن هذه الكتابات تحمل تضاربا فيما بينها. وقد ورد هذا الأمر كثيرا، سواء في تناول الحادث الواحد، أو الموقف الواحد، أو الفرد الواحد، ومثال ذلك: حادثة المنشية سنة 1954م، والتي تضارب فيها رأي الإخوان جميعا؛ ما بين من يكذب الرواية تماما، ويتبنى رأي أنها تمثيلية خطط لها، ونفذها بمهارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، للتخلص من جماعة الإخوان المسلمين. ومن تبنى رأي أن الإخوان خططوا بالفعل لقتل عبد الناصر، وأنها ليست تمثيلية، بل يباهي بذلك.

وبين رأي ثالث يرى أن هناك أفرادا من الإخوان فعلا خططوا لقتل عبد الناصر، وتحديدا من شعبة إمبابة للإخوان المسلمين، في الجيزة، وأوهموا المنفذ بأنه قرار صادر عن جماعة الإخوان، ولما بلغ الأمر عبد العزيز كامل (وزير الأوقاف السابق) ومسؤول تنظيم الإخوان المسلمين في إمبابة، ولم يكن في إمكانه الوصول إلى حسن الهضيبي، مرشد الإخوان الثاني، لاختفائه في هذه الفترة في الإسكندرية، فذهب لإبلاغ السلطات حتى لا تحدث الفعلة،  وتكون كارثة، فوظفها النظام وأكملها.

وهي - كما نرى - حادثة واحدة، يتناولها كل كاتب من جهة معينة، ويبني رأيه على أدلة، فيها من الضعف والقوة، وفيها من الوجاهة وعدمها، وهي حادثة تغير ملامح مستقبل جماعة الإخوان بناء عليها، بل أصبح تاريخها عرضة للنيل بسببها، سواء صحت الرؤى أم لم تصح.

بل وربما كان الاختلاف والتضارب في الشخص الواحد، فعن شخصية كعبد الرحمن السندي، وقد كان مسؤولا عن التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، نرى أحمد عادل كمال في كتابه "النقط فوق الحروف"، ومحمود الصباغ في كتابيه "التنظيم السري" و"التصويب الأمين"، يرتفعون به إلى درجة عالية، تنفي عنه أي شبهة، أو تنقّص.

في المقابل، نرى محمود عبد الحليم في كتابه "أحداث صنعت التاريخ" وصلاح شادي في كتابه "حصاد العمر"، وعبد العزيز كامل في مذكراته "في نهر الحياة"، وغيرهم يظهرون الرجل، على أنه شخصية أصبحت مستبدة بالنظام، وانحرفت به عن خطه المنشود، وعن منهجه الذي خطه حسن البنا، بل أحيانا استخفافه برأي البنا، أو عدم مبالاته به، وتصرفه في التنظيم وكأنه هو القائد وحده، وليس لأحد أن يخالفه في ذلك، ووصل إلى حد ذكر الشيخ الشعراوي أنه رأى السندي يدفع حسن البنا وكاد أن يقع على ظهره؛ خلال نقاش حاد دار بينهما بحضور وشهود من الشعراوي، كما ذكر.

وهناك شخصية أخرى مثل هنداوي دوير، يختلف فيها رأي الإخوان. فعبد العزيز كامل، ويوسف القرضاوي وعبد المعز عبد الستار، وغيرهم من الإخوان، يرونه متهورا، وأنه بالفعل خطط لقتل عبد الناصر، وأنه في السجن اتفقت معه الدولة على أن يشهد على الإخوان، ومقابل ذلك يعتبرونه شاهد ملك، ويحكم عليه بالبراءة، وأنه صرخ يوم أن حكم عليه بالإعدام قائلا: ما اتفقناش على كده، خدعوني. بينما يرى غيرهم رأيا آخر، وبخاصة أفراد شعبة إمبابة، ممن عاصروه، وكانوا معه في التنظيم الخاص، مثل علي نويتو، ومحمد نجيب.. وهذا الفريق يرى أنه ضُغط عليه، وجاؤوا له بزوجته في المعتقل وهدد بها، فاضطر للاعتراف، وشنق ليموت سره معه.

وإذا كان الاختلاف على مستوى الأحداث التي اشتبكت فيها الجماعة بخصومها، فلم تسلم أيضا الأحداث والشخصيات الداخلية، داخل جماعة الإخوان نفسها، مثل حادثة مقتل سيد فايز، وقد تولى إدارة التنظيم الخاص في عهد حسن الهضيبي، بعد تهميش عبد الرحمن السندي المسؤول السابق له.. فهناك اختلاف كبير بين الإخوان فيمن قتله: هل قتله إخوان التنظيم الخاص الذين أعفوا من مسؤوليتهم، نكاية فيه، وانتقاما منه، كما يتبنى ذلك الرأي الغالب في كل كتابات الإخوان المسلمين، وهي الرواية الرسمية للجماعة؟ أم أن أصابع الاتهام تشير لأحد ضباط ثورة يوليو، وقد أشار إلى ذلك أحمد عادل كمال في كتابه "النقط فوق الحروف" والصباع في كتابه "التصويب الأمين"، أم كان هناك دور لمتمردي التنظيم الخاص؟

وكذلك الحديث عن تنظيم 1965، هل كان بعلم مرشد الجماعة حسن الهضيبي، كما تؤكد ذلك زينب الغزالي؟ أم بدون علمه وعلم قيادة الجماعة، كما يؤكد ذلك فريد عبد الخالق؟ هو أيضا حدث مفصلي في تاريخ الجماعة، فبناء عليه ضرب التنظيم ضربة موجعة وشديدة، بسجون واعتقالات وإعدامات لقيادات فكرية وتنظيمية كبيرة، كان على رأسها سيد قطب.. وهكذا معظم الأحداث والشخصيات في تاريخ الجماعة، سنجد معظم الكتابات تتعارض فيما بينها، وتختلف، وهو ما يقتضى من المؤرخ لهذه المرحلة أن يبذل جهدا كبيرا في التنقيح والمقارنة والترجيح فيما بينها، دون تحيز أو تعصب، ابتغاء الوصول للحقيقة التاريخية.

[email protected]
التعليقات (0)