بورتريه

حركة "مقاطعة إسرائيل" تواجه "مقلاع شلومو" (بورتريه)

بورتريه- عربي21
بورتريه- عربي21
يحاول الإسرائيليون وحلفاؤهم وقف كرة "المقاطعة" المتدحرجة دون جدوى، فما يجري على الأرض من قتل ودماء وحصار واعتقالات يزيد من حدة الدعوات الفلسطينية والعربية والدولية لمقاطعة "إسرائيل"، ويغذي حملة "BDS" التي هي اختصار للحروف الأولى من الكلمات الإنجليزية Boycott,Divestment وSanctions)، وتعني (المقاطعة، سحب الاستثمارات، فرض العقوبات).

حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها هي حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد، تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمارالاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، سعيا لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين.

نجحت حركة " BDS" بداية في عزل الاحتلال الإسرائيلي أكاديميا وثقافيا وسياسيا، وإلى درجة ما اقتصاديا، حتى باتت تل أبيب تعتبر الحركة اليوم من أكبر "الأخطار الاستراتيجية" المحدقة بها، خصوصا مع انضمام نجوم السينما والغناء وكتاب ومفكرين وعلماء لحملة المقاطعة.

المقاومة السلمية التي تمثلها "BDS" هي امتداد لم يتوقف لنضال الشعب العربي الفلسطيني ضد الاحتلال المستمر لأرضه منذ مطلع القرن الماضي حتى اليوم، فيما يواصل الاحتلال قمع الفلسطينيين وقتلهم وسط فشل الحكومات العربية والأمم المتحدة في محاسبة "إسرائيل" ووقف آلة القتل الإسرائيلية، مع استمرار الشركات والمؤسسات العالمية بالاستثمار في "إسرائيل" مما يساهم بشكل مباشر أحيانا في جرائمها ضد الفلسطينيين وخرقها للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة.

ونتيجة للفشل وحالة اليأس في وقف الاضطهاد الإسرائيلي الذي ارتفع منسوبه وتحول إلى عملية قتل ممنهج بدم بارد للفلسطينيين، أصدرت أغلبية المجتمع المدني الفلسطيني نداء تاريخيا في عام 2005 موجها لأحرار وشعوب العالم، يطالبهم بدعم مقاطعة "إسرائيل" كشكل رئيسي من أشكال المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية، وكأهم شكل للتضامن العالمي مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه.

وتشمل "الحملة" وقف التعامل مع دولة الاحتلال، ومقاطعة الشركات الإسرائيلية وكذلك الدولية المتواطئة في انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين، ومقاطعة المؤسسات والنشاطات الرياضية والثقافية والأكاديمية الإسرائيلية. وسحب الاستثمارات عبر الضغط على المستثمرين والمتعاقدين مع الشركات الإسرائيلية والدولية المتورطة في جرائم الاحتلال والأبارتهايد بسحب استثماراتهم من و/أو إنهاء تعاقدهم مع هذه الشركات.

وتسعى الحركة إلى فرض عقوبات على دولة الاحتلال عبر الحكومات والمؤسسات الرسمية والأممية. وتشمل العقوبات العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها، عن طريق وقف التعاون العسكري، أو وقف اتفاقيات التجارة الحرة، أو طرد "إسرائيل" من المحافل الدولية مثل "الأمم المتحدة" أو"الاتحاد البرلماني" الدولي أو "الفيفا" أو غيرها.

وكما يظهر على الموقع الإلكتروني للحركة، فإن نداء المقاطعة يطالب "إسرائيل" بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والانصياع للقانون الدولي..

ويطالب أيضا بإنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية وتفكيك الجدار. والاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين. وتطبيق حق العودة الذي أقرته الأمم المتحدة.

أي أن أهداف الحركة الثلاثة ترتكز على مطالب ومظلومية جميع الفلسطينيين، وليس فقط فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يشكلون 38% من مجموع الفلسطينيين في العالم، حسب الحركة. فالحركة تسعى أيضا إلى تحقيق مطالب فلسطينيي الشتات (يشكلون تقريبا 50% من الفلسطينيين)، والفلسطينيين الصامدين في أرضهم منذ عام 1948 (يشكلون 12% من مجموع الفلسطينيين) والذين يتعرضون لتمييز عنصري متنام من قِبل المجتمع الإسرائيلي.

وينشط في الحركة مجموعة كبيرة من الفاعلين الذين يتجاوزون الحدود المحلية إلى المستوى الدولي، وعلى الرغم من أن مرجعية الحركة وقيادتها تعتبر فلسطينية كما يوضح عمر البرغوثي أحد مؤسسي الحركة، إلا أنها تعتمد وبشكل كبير على الجهود التطوعية لأفراد ومؤسسات مؤيدين لحقوق الفلسطينيين على مستوى العالم، إضافة إلى المبادرات الفردية والجماعية المنظمة؛ حيث تنسق الحركة مع حلفائها حول العالم.

وينتمي للحركة عدد قليل من الإسرائيليين المناصرين لها والمعادين للصهيونية والمؤمنين بأهداف الحركة المنادية بالمقاطعة الكاملة، وهو ما أسهم في نزع الفكرة الإسرائيلية التي تروج في الغرب على أن الحملة "معادية للسامية".

بدورها رفعت الحكومات الإسرائيلية وتيرة الهجمة على "حركة المقاطعة" ونشطائها ومؤيديها حول العالم، فقامت بحظر 20 منظمة تشارك في "حملة المقاطعة" على الصعيد الدولي بما فيها اللجنة الوطنية للمقاطعة، من الدخول إلى أراضي فلسطين التاريخية في محاولة يائسة لإسكات منتقدي "إسرائيل" ومواجهة النمو المتصاعد لحركة "BDS"، بل هي شكلت منظمة جديدة لمحاربة الحركة بالتعاون بين وزارة الشؤون الاستراتيجية ومنظمات صهيونية عالمية، بموازنة أولية قيمتها 128 مليون شيكل (35 مليون دولار)، لمدة سبع سنوات، سيتم مضاعفتها لاحقا بمساهمات أثرياء إسرائيليين وصهاينة.

وتحاول المنظمة الجديدة أن تبيض صورة "إسرائيل" من خلال عرقلة القرارات المضادة لها في الأمم المتحدة، ومحاولة التأثير على الرأي العام في المجتمعات، خاصة في أوروبا، عبر وسائل دعائية وغيرها.

وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، النقاب عن تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو لذراع إعلامية خارجية، لمحاربة ما أسمته "نزع الشرعية عن إسرائيل في العالم".

وذكرت "هآرتس"، أن وزارة الشؤون الاستراتيجية والإعلام في حكومة الاحتلال، شكلت طاقما خارجيا، ليكون أول تحرك "إسرائيلي" لمحاربة حركات المقاطعة.

وبينت الصحيفة أن الطاقم عبارة عن شركة مستقلة تحمل اسم "مقلاع شلومو".

وأوضحت وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، أن الهدف من "تشكيل الطاقم"، تنفيذ "نشاطات توعية شاملة"، في إطار محاربة حملة "نزع الشرعية عن إسرائيل" في العالم.

ولإحساسهم بالذعر بسبب ما يعتبرونه نفوذا متزايدا لحملة المقاطعة، يتدافع المدافعون عن "إسرائيل" في الولايات المتحدة للرد على الحملة، في انعكاس لرد فعل الكثيرين في "إسرائيل". وقد تبنى البعض دعوة أطلقها وزير العدل الإسرائيلي الجديد، إيليت شاكيد، بعنوان "مقاطعة المقاطعين".

من الصعب تقييم مدى شعبية "حملة المقاطعة" في الولايات المتحدة تحديدا، حيث لا يزال الدعم لـ"إسرائيل" قويا بشكل كبير، وهو الأمر الذي يعترف به منظمو الحملة. مع ذلك، فجهود الحملة لعزل "إسرائيل" اقتصاديا مست وترا حساسا لدى كثير من اليهود الأمريكيين فهم يرون تلك الجهود شكلا من أشكال "معاداة السامية"، وهو الاتهام الذي يصفه أنصار دعوة المقاطعة بأنه "تكتيك خوف كاذب وساخر" ويسعى إلى "خلق انقسامات".

يصف منظمو المقاطعة حركتهم بأنها سلمية تنبذ العنف على غرار تعاليم غاندي والقس مارتن لوثر كينغ، ويصف أنصار الحملة التشريعات التجارية المضادة لحملة المقاطعة بأنها مقياس لنجاحها حتى الآن في لفت الانتباه إلى ما يرونه ظلما صارخا بحق الفلسطينيين.

في نظر مؤيديها، يمثل العداء لـ"حركة المقاطعة" الذي أعرب عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤشرا على مقدار قلقه الكبير من إمكانيات الحركة واتساع تأثيرها.

ويصف قادة المقاطعة جهدهم بأنه مماثل لحملة سحب الاستثمارات ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي، فالتنظيم الناجح بقيادة طلاب الجامعات الأمريكية لتمرير قرارات غير ملزمة بسحب الاستثمارات أو مقاطعة المنتجات زاد وأخذ يتسع ويصعب معه الرتق من قبل الحكومة الإسرائيلية.

إن تشبيه الحملة المؤيدة للفلسطينيين بالنضال ضد الفصل العنصري يسيء إلى كثير من الإسرائيليين ومؤيديهم، الذين يرون "إسرائيل" بوصفها "منارة للديمقراطية والأخلاق يحيط بها العداء والتشويه والحقد". ويقول ثين روزنباوم، وهو زميل بارز ومدير منتدى القانون والثقافة والمجتمع في كلية القانون بجامعة نيويورك، إن "حملة المقاطعة هي الشيء الأكثر تطرفا الذي يمكنك القيام به". وقال إن اللغة المستخدمة من قِبل أنصار المقاطعة "جاهلة وسخيفة، إن لم تكن معادية للسامية".

وقال روزنباوم، إنه كان يعتقد أن حركة "BDS" في الولايات المتحدة كانت تقتصر على "الجامعات وبعض المجلات الفكرية"، لكن مع ذلك، "ستبقى الحملة دائما أمرا لا يمكن تجاهله".

وفي شباط/ فبراير الماضي رشح أعضاء في البرلمان النرويجي حركة "BDS" رسميا للحصول على جائزة نوبل للسلام.

وثمّن البرلمانيون دور الحركة في النضال السلمي والفاعل من أجل حقوق الشعب الفلسطيني.

وأعربت اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة على لسان أحد مؤسسي حركة المقاطعة "BDS" هو عمر البرغوثي، عن امتنانها للبرلمانيين النرويجيين على هذه الخطوة الشجاعة والمشجعة.

وقال البرغوثي :"إذا فازت حركة المقاطعة بالجائزة فستمحو بعض العار الذي لحق باسم الجائزة على مدى السنين جراء منحها لمجرمي حرب مثل إسحاق رابين وشمعون بيريس ومناحيم بيغن وهنري كيسنجر وغيرهم. وربما تميل الكفة قليلا باتجاه من استحقوا فعلا هذا التشريف مثل مارتن لوثر كنغ وأطر المجتمع المدني التونسي والمطران ديزموند توتو والقائدة الإيرلندية ميريد ماغوير وغيرهم".

قد تكون إنجازات "BDS" متواضعة قليلا؛ لكنها في جميع الأحوال تحقق نجاحات معقولة وتسجل اختراقات في أماكن مؤثرة في أوساط المشاهير الذين انضموا إليها ومن أبرزهم: عالم الفيزياء المعروف ستيفن هوكينغ، والمفكر والعالم الأميركي اليهودي نعوم تشومسكي، والأستاذة في جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة جودث بَتلر، ورئيس الأساقفة الجنوب أفريقي ديزموند توتو، والروائي الأروغواياني المعروف إدواردو غاليانو، والمخرج السينمائي البريطاني كين لوتش، والمخرج السينمائي الفرنسي جان لوك غودار، والممثلة الأميركية المعروفة ميغ رايان، ومغنية الجاز الأميركية كساندرا ويلسون، وأحد نجوم فرقة "بينك فلويد" الشهيرة روجر ووترز.

وبينما تسعى دول عربية عدة إلى التطبيع مع الاحتلال وفتح آفاق جديدة للعمل معه، تواجه "إسرائيل" حملات مقاطعة كبيرة في مختلف بلدان العالم، سواء على مستوى مؤسسات في حقول مختلفة؛ أكاديمية وصناعية وفنية وثقافية، أو على مستوى أشخاص اتخذوا مواقف نبيلة تجاه الفلسطينيين.

انفعالية وعصبية الحكومة الإسرائيلية تشير بوضوح إلى حجم الضرر الذي ألحقته الحركة بالصورة الزائفة التي صنعتها "إسرائيل" لنفسها في العالم، والتي تبدو هشاشتها ظاهرة في المؤسسات الأكاديمية والإعلامية الدولية.
التعليقات (0)