هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ليس هناك أدنى شك أن من مصلحة إسرائيل أن ترى كل الدول العربية
المحيطة بها في أسوأ حالاتها؛ كي تبقى هي الحديقة الغنّاء الوحيدة في المنطقة،
وبجانبها أشباه دول متخلفة ومتقاتلة، وفي حالة فوضى دائمة. لا يمكن لدولة تريد أن
يكون جارها أقوى منها.
وما ينطبق على الأفراد ينطبق أيضا على الدول، فإذا كنت تملك بيتا
فخما وجميلا، فلا شك أنك ستنزعج كثيرا إذا قام جارك ببناء بيت أجمل وأفخم. وهكذا
حال الدول التي تتنافس دائما كي تكون الأفضل والأقوى. وهذا لا شك ينسحب على
إسرائيل في علاقتها مع جيرانها العرب. ولا ننسى أنها تقدم نفسها دائما على أنها
الديمقراطية الوحيدة في محيط من الديكتاتوريات القذرة المتخلفة والمنحطة، مع العلم
أن إسرائيل تصلّي آناء الليل وأطراف النهار كي يدوم حولها نظام الديكتاتوريات، لا سيما
الفاشيات العسكرية القومجية منها؛ لأنها لا تحميها فقط، بل تجعل جاراتها وشعوبها
المحيطة في حال مستدام من التخلف والبؤس والتردي والانحطاط؛ بسبب حكم العسكر الذي
لم ينتج عبر التاريخ سوى الذل والفقر والقمع والدمار.
ولا
يخامرنا أو يساورنا أدنى شك في أن الخراب والتخلف السياسي والاقتصادي في البلدان
المجاورة لإسرائيل، كسوريا مثلا، يخدم الإستراتيجية الإسرائيلية، ولا شك أن من
مصلحة إسرائيل أيضا ألّا يكون هناك جيوش عربية قوية على حدودها، حتى لو كانت تلك
الجيوش مسالمة وتحمي إسرائيل، فالدول لا تفكر في الحاضر فقط، بل تنظر على المدى
البعيد، فماذا يمكن أن يحصل لاحقا يا ترى لو قررت الجيوش العربية القوية أن تحارب
إسرائيل؟ لا شك أن إسرائيل ستكون في ورطة، لهذا لا عجب أن تكون سعيدة عندما تضعف
تلك الجيوش وتفسد؛ كي لا تكون قادرة على محاربتها في المستقبل.
ولا شك أن إسرائيل ستكون سعيدة جدا أيضا بتدمير الجيش العراقي
والسوري والمصري كي لا يهددوها في قادم الأيام. كل ذلك مفهوم ولا يحتاج إلى توضيح
أو نقاش. دعونا نتفق كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر، بأن تدمير سوريا
والعراق وبقية الدول التي يمكن أن تهدد إسرائيل مصلحة إسرائيلية بامتياز. ولا ننكر
أيضا أن إسرائيل نفسها قصفت العديد من المواقع العسكرية السورية على مدى السنوات
السبع الماضية.
لكن
من الذي دمـّر سوريا و«جاب عاليها واطيها»؟ سأتفق معكم مرة أخرى أن إسرائيل يمكن
أن تدعم أي جهة بشكل مباشر أو غير مباشر في إضعاف سوريا وحتى تدميرها، لكن تعالوا
نفتش عن الجهة التي دمرت سوريا فعليا، وشردت نصف شعبها، وجعلت إسرائيل تفرك يديها
فرحا على ما آلت إليه الأوضاع في سوريا.
إن أكبر كذبة يرددها «بتوع المقاولة والمماتعة» المدافعون عن النظام
السوري أن إسرائيل خططت للثورة السورية كي تدمر سوريا، وتقضي على الجيش السوري.
ومتى يا ترى كانت آخر مرة ضرب الجيش السوري حجرا واحدا على إسرائيل منذ أربعين
عاما كي تريد إسرائيل القضاء عليه؟ ألم يكن هذا الجيش كلب حراسة وفيا بامتياز
للحدود الإسرائيلية، وكان يمنع حتى الطيور من اختراق الحدود الإسرائيلية؟ كم من
الضباط السوريين اختفوا خلف الشمس لأنهم طالبوا بتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل؟
قد يقول البعض طبعا ومن حقه أن إسرائيل تظل تخشى الجيش السوري حتى لو اضطر
لمهادنتها بسبب الظروف والتوازنات.
وهذا صحيح. لكن هل يا ترى إسرائيل هي من أمرت الجيش السوري باستخدام
كل ترسانته العسكرية من دبابات وصواريخ ومدفعية وبحرية وطيران لمواجهة الشعب
السوري والقضاء على كل من كتب كلمة ضد النظام على مواقع التواصل؟ من الذي أنزل
الجيش السوري إلى الشوارع بعد أربعة أسابيع فقط على المظاهرات الشعبية؟ لماذا لم
يفكر النظام بالاستجابة لمطالب الجماهير بدل تسليط جيشه الطائفي على الشعب السوري؟
من ينشر جيشه على مساحة سوريا، ويستخدم كل قطاعاته العسكرية في عموم سوريا ضد
المتظاهرين يجب أن يتوقع أن الشعب سيلجأ للقتال دفاعا عن نفسه، وأن هذا الجيش
سيتضرر كثيرا من معاركه مع الشعب. وهذا ما حصل.
لا نقول إن السوريين وحدهم من قاتل جيش الأسد، فقد دخلت مئات
الجماعات عبر الحدود، وشاركت في القتال ضد الجيش الأسدي، لكن السؤال المطروح: من
الذي بدأ العمليات العسكرية أولا؟ أليس الجيش الأسدي؟ ألا يقولون البادئ أظلم؟ هل
لو لم يلجأ الجيش إلى استخدام القوة ضد المتظاهرين، هل وصلنا إلى هنا؟ هل كان
الجيش ليفقد ثلاث أرباع قوته؟ هل كان ليدفع بالجماعات الأجنبية إلى سوريا بحجة دعم
السوريين؟ لماذا لم تخرب تونس ومصر بعد الثورة، لأن الجيشين التونسي والمصري لعبا
دورا وطنيا ولم يقبلا أن يكونا أداة بطش بحق المصريين والتونسيين.
انظروا ماذا حصل في ليبيا لأن القذافي استخدم الجيش ضد الشعب. حصل في
ليبيا ما حصل في سوريا وكذلك في اليمن. لماذا؟ لأن الجيش تورط ضد الشعب. لماذا يا
ترى لم تنجح إسرائيل في جر الجيشين التونسي والمصري لاستخدام القوة ضد الشعب كما
نجحت في سوريا، هذا إذا افترضنا جدلا أنها ورطت الجيش السوري؟ لأن الجيشين المصري
والتونسي جيشان وطنيان، وليسا كجيش الأسد الطائفي الذي لا يهمه تدمير سوريا وتشريد
شعبها بشرط أن يحمي النظام الطائفي.
هل
حدث في التاريخ أن بلدا استخدم سلاح الطيران على نطاق واسع داخل أراضيه كما
استخدمه النظام السوري، لا بل استعان أيضا بأقذر وأوحش سلاح طيران آخر وهو الطيران
الروسي لقصف السوريين؟ حتى القذافي لم يفعلها. هل بقيت منطقة سورية واحدة لم
يقصفها طيران الأسد؟ هل يا ترى إسرائيل هي من أوعزت للطيران السوري بقصف أي منطقة
سورية ثارت على النظام، فإذا كان ذلك صحيحا، فهذا ليس في صالح النظام أيضا لأنه لو
قال ذلك فسيؤكد أن إسرائيل تقف معه وليس ضده. هل إسرائيل من أوعزت للنظام باستخدام
الصواريخ البالستية بعيدة المدى ضد الأحياء السكنية في حلب ودرعا؟ ألم تكن
الصواريخ البالستية تنطلق من وسط سوريا وتقطع مئات الكيلومترات لتضرب المناطق
الآهلة بالسكان شمال حلب؟ لقد كانت مدينة السويداء وحدها تخسر يوميا ملايين
الليرات بسبب تكسر زجاج المنازل جراء أصوات الصواريخ التي كانت تنطلق منها لتضرب
الأحياء السكنية في درعا. هل كان الإسرائيليون يا ترى يشرفون على إطلاق الصواريخ
البالستية على حلب ودرعا؟
ليس
هناك أدنى شك أن طيران التحالف الذي تقوده أمريكا دمـّر مناطق كثيرة في مدينة
الرقة ومناطق أخرى لداعش، لكن المضحك أن الطيران الأمريكي كان يدمر المناطق التي
تشكل خطرا على النظام السوري والتي تحتضن أعداءه المزعومين الدواعش. أما الذي
دمـّر المدن الباقية فهو الطيران الأسدي أولا والطيران الروسي لاحقا. لو نظرتم إلى
شكل الدمار الذي حلّ بسوريا ستجدون أن تسعين بالمائة من الأبنية تم تدميرها من فوق
بفعل القصف الجوي، لأن الإستراتيجية السورية مشابهة للخطة الروسية في الشيشان:
الأرض المحروقة وتدمير كل شيء.
من
يملك الطائرات في سوريا يا ترى غير النظام وحلفائه الغزاة الروس؟
أخيرا،
نستطيع أن نؤكد أن إسرائيل سعيدة جدا بما فعلتموه أيها الأوباش بسوريا، فكله يصب
في صالحها دون أن تخسر قرشا واحدا. لقد انساق النظام، وانجر بغباء فاقع بعملية
تدمير ذاتي خدمة للهدف الإسرائيلي بسبب ضيق أفقه وحرصه على السلطة التي تعمي بصره.
لقد عمل هذا النظام عند إسرائيل بالمجان، ونفذ استراتيجياتها، وكما تريد، ثم، يا
للهول، راح يشتكي من المؤامرة.
طبعا
لا يمكن استبعاد نظرية المؤامرة، فيما استجد وكشفت عنه تطورات لعبة الأمم في شقها
السوري، ولكن ألا تبدو العملية كمقاولة سياسية وسيناريو تخريبي وُضع بإحكام مدروس
من قبل جهات دولية فاعلة، خدمة لإسرائيل أو لغيرها، ولكن كان ينقصه «المقاول» أو
المتعهد الغبي لتنفيذ المشروع؟ ومن أغبى من نظام المماتعة 0ليقوم بذلك على خير ما
يرام؟ وهنا يبدو هذا النظام الغبي ليس كعميل تاريخي وأبدي، بل أيضا كمتعهد بارع
ومقاول ماهر وفي؟
القدس العربي