آخر التطورات في أزمة الخليج كانت دون شك رفع
السرية والتحفظ عن حيثيات الانقلاب الفاشل الذي استهدف نظام دولة قطر في سنة 1996.
فالتحقيق الاستقصائي الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية تحت عنوان "ما خفي
أعظم" كشف حجم التآمر الذي يحرك أرضية الفعل السياسي في الخليج وينسحب
بالتالي على كافة المنطقة العربية.
تضمن التقرير الاستقصائي حقائق صادمة ووثائق
أصلية رفعت عنها السرية للمرة الأولى. لكن ما يهمنا هنا هو ما يضيفه هذا التطور
الجديد إلى ملف الأزمة الخليجية التي تعتبر حسب هذه المقاربة جزءا لا ينفصل عن
مسار الربيع العربي وثوراته الشعبية. فالتطور الأخير يسمح بإضاءة جوانب جديدة من
المسار العام للوضع العربي من جهة ويسمح بتجاوز أو تصحيح بعض الخلاصات السابقة.
المحاولة الانقلابية التي وردت في التقرير الاستقصائي
ليست إلا النسخة الأولى للمحاولة الانقلابية الأخيرة التي تُرجمت بحصار قطر وما
صاحبها من محاولة قلب نظام الحكم بالقوة العسكرية كما صرح بذلك أمير دولة الكويت.
أي أن الفعل السياسي الانقلابي لدول الحصار هو في الحقيقة شوط جديد من الأشواط
التي تسعى عبرها دول الرباعي ممثلة في المملكة السعودية والإمارات ومصر والبحرين
إلى الإطاحة بنظام الحكم في قطر.
من جهة أخرى لا تنفصل هذه المحاولة
الانقلابية عن بقية المشاهد الانقلابية في المنطقة خاصة ما تعلق منها بمسار الربيع
العربي كالانقلاب المصري خاصة. كما لا يمكن أن نفصل هذه الحركة عن مشاهد انقلابية
أخرى في الجوار الاقليمي مثل الانقلاب التركي.
لقد اعتمد النظام الرسمي العربي منذ نشأته
على توحيد بنيته الاستبدادية فصنع محورين متكاملين: الأول سمي محور الممانعة أو
المقاومة وسمي الثاني محور الاعتدال. أما الأول فلم يخلف غير الدمار والخراب
والمذابح التي لا تنتهي وآخرها مذابح النظام المقاوم في سوريا وهو يقصف الأطفال
بالغازات السامة ويهدم المساكن على رؤوس سكانها. في ليبيا أيضا لم يتردد الزعيم
المقاوم وملك ملوك أفريقيا في استجلاب كل أنواع المرتزقة والكتائب لذبح شعب
واغتصاب نساء المدن المنتفضة.
أما محور الاعتدال الذي كان يضم تقريبا أغلب
دول الخليج مع مصر والأردن فإنه تطور في اتجاه مختلف تقريبا لا على مستوى الجوهر
بل على مستوى التنفيذ أساسا. ففي مصر التي ترزح منذ نشأة الدولة الحديثة تحت وطأة
العسكر نجحت الدولة العميقة في الانقلاب على ثورة يناير وفي تصفية أغلب رموزها
وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين التي تمكنت من الوصول إلى الحكم عبر صناديق
الانتخاب. إن الانقلاب على ثورة يناير وعلى التجربة الديمقراطية الوليدة كان أساسا
بفضل محور الاعتدال نفسه لا بفضل الدولة العميقة في مصر فقط فقد أسند محور
الاعتدال أحد أعمدته وأعاده قائما بعد أن أطاحت به الثورة الشعبية السلمية.
تأسيسا على ما سبق فإن الانقلابات ومشاريع
الانقلابات ليست في جزء منها إلا ترسيخا لبنية النظام السياسي العربي ومحافظة على
وظيفته الأساسية وهي منع الشعوب من التحرر وتأبيد منظومة الاستبداد المؤسس على نهب
الثروات.
ثورات الربيع العربي مثلت في الحقيقة أخطر
تهديد لبنية النظام السياسي العربي في شقيه المقاوم والمعتدل. فلم يكن ردّ الفعل
على هذه الثورات مقتصرا على وأد الفعل الثوري نفسه بل تعداه إلى قطع خطوط الامتداد
عنه فكان الانقلاب التركي الفاشل ثم تجدد الانقلاب على دولة قطر ولا يزال العمل
على وأد الثورة الليبية وضرب المسار الانتقالي في تونس جاريا.
يسعى النظام القمعي العربي إلى تحصين نفسه من
كل إمكانيات الثورة أو التغيير مستعملا كل الأدوات الممكنة في سبيل ذلك. ففضلا عن القمع
العسكري والأمني نجح في استدعاء الوكيل الاستعماري الخارجي لإنقاذه من أمواج
الجماهير مثلما رأينا ذلك في سوريا وليبيا وفي مصر أيضا.
عطفا على ما سبق فإن أزمة الخليج وحصار قطر
ومحاولة إغلاق قناة الجزير الإعلامية ليست في الحقيقة إلا جزءا من سعي البنية
الاستبدادية العربية إلى تحصين نفسها. وهي في الحقيقة بنية لا تنفصل في نشأتها وفي
تطورها وفي وجودها عن الوكيل الخارجي بما هو السبب الأساسي لاستمرارها فلا يمكن
مثلا أن نفصل بين كل القرارات والمشاريع الانقلابية وبين الضوء الأخضر الخارجي
لهذه المشاريع والقرارات.
صحيح أن الثورات المضادة تعرف اليوم أوج
فعلها الانقلابي لكنها في نفس الوقت تؤسس من حيث لا تعلم للموجة الثورية الجديدة
التي لن تتأخر في الانطلاق. لن يستطيع النظام الرسمي العربي ساعتها المحافظة على
بنيته وإنقاذ نفسه خاصة بسبب رفضه كل أشكال الإصلاح من الداخل وتجنيب المنطقة
أهوالا وحروبا ومآسي لا تحصى فالتغيير سنّة كونية ودوام الباطل والظلم محال لكن
العاقل من اتعظ بغيره وبتجارب غيره وهو ما يرفضه النظام الرسمي العربي.
1
شارك
التعليقات (1)
اينشتاين
الخميس، 08-03-201811:59 م
الأستاذ محمد : يبشرون الناس بصفقة القرن وكأنها صفقة لصالح الشعوب المسحوقة قصد تخليصها من نير الاستبداد ، لقد ولدت الصفقة قبل الربيع العربي أو ثورة الشعوب المسحوقة بسنوات ، لذلك سرعان ما تم الالتفاف على الثورة في ربيعها الزاهر ، الحل لا يكمن في تتبع خطوات الغرب الرأسمالي الليبرالي ، إنه الرافد الأمين للإستبداد ولن يرضيه سوى ذلك ، لذلك وجب أن لا ننخدع بابتسامة تيلرسون ولا بوعود أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا ، لا أدام الله لهم مجلس أمنهم ، الثورة المنتظرة هي ثورة القرن ، إن أمة التوحيد على موعد مع التاريخ ، وجب ألا نتأخر .