هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سؤال حاولت أن أجد له جوابا منطقيا بعيدا عن لصق تهم العمالة والخيانة ولم أفلح. والسؤال يخص «الصحفيين العرب» الذين يزورون إسرائيل بدعوات رسمية، صدقا أتمنى لو أستطيع أن أخترق عقول هؤلاء.
سبب هذا السؤال هو الزيارة الأحدث التي قامت بها مجموعة جديدة من «الصحفيين العرب»، كما كل مرة، بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي نظمت لهم لقاءات مع مسؤولين أمنيين وسياسيين، كما نظمت لهم جولات في متحف المحرقة والكنيست، إلى جانب زيارات مناطق تاريخية ودينية مختلفة. ولو كانت الزيارات شخصية لأمكن تفهمها.
تضم المجموعة الجديدة هذه المرة 9، منهم 5 من المغرب ويمني وسوري ولبناني وكردي عراقي، رفضوا الكشف عن هوياتهم، بعضهم يعمل في وسائل إعلامية في بلدانهم والبعض الآخر يعمل في وسائل إعلام في الخارج.
هذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها «صحفيون عرب» دولة الاحتلال، فهذه الزيارات التي تعلن عنها وزارة الخارجية الإسرائيلية بين الحين والآخر، ليست إلا محاولات يائسة للحديث عن «نجاحات» في اختراق المجتمعات العربية.
ليس مستغربا أن تجد وزارة الخارجية الإسرائيلية خمسة «صحفيين مغربيين» من ذوي النفوس الضعيفة لدعوتهم، فهذا ربما يأتي في سياق العلاقة التي تربط الرباط بتل أبيب والزيارات التي يقوم بها المسؤولون الإسرائيليون للمغرب، سواء للمشاركة في مؤتمرات أو غير ذلك. في الوقت نفسه لا ننكر الدور الكبير للقوى الحية من الأحزاب والمنظمات المغربية، تتصدرها مجموعة العمل من أجل فلسطين، التي تقف دوما داعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، رافضة التطبيع، وآخرها تصدي برلمانيين مغربيين، في أكتوبر 2017، لوفد برلماني إسرائيلي برئاسة عمير بيرتس، عن حزب المعسكر الصهيوني وهو مغربي الأصل. وهذا ليس إلا غيض من فيض.
كما لا تثير الاستغراب زيارة الصحفي الكردي في ظل النفوذ الصهيوني القوي في إقليم كردستان العراق، والعلاقات المتينة التي كانت قائمة بين إسرائيل وحكم مسعود بارزاني.
لكن المستغرب هو زيارة الثلاثي السوري واللبناني واليمني، وسؤالي هو ما الذي يمكن أن يجنوه من مثل هذه الزيارات؟ ما الذي يرغبون في تحقيقه أو إثباته، هل يريدون أن يقنعوا أنفسهم بأن إسرائيل بلد ديمقراطي؟ أم إنهم يريدون التأكد من صدق الرواية الصهيونية «أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»؟ ولربما يريدون الوقوف على «حقيقة أن الشعب الفلسطيني هو المعتدي، وهو الذي يرفض الاعتراف بيهودية إسرائيل وحقها في الوجود ما بين النهر والبحر، أو أن في الأمر شيئا آخر يخدم المصالح الشخصية؟
ما هي الانطباعات التي خلفتها هذه الزيارة لدى «صحفيي العار». يقول الصحفي اليمني العامل في ألمانيا: «أعتقد أن المكان الأكثر إلهاما هو زيارة المحرقة «ياد فاشيم». حتى أنا، كصحفي في بلد غربي، لم أكن على علم بقصة المحرقة كلها. في رأيي، ينبغي أن تكون هذه أداة مهمة في يد إسرائيل لتسهيل التعريف بالشعب اليهودي، والمعاناة الكبيرة التي واجهها». مدعيا أن هناك عددا كبيرا من الناس في العالم العربي «جهلة مثله» لا يعرفون عنها، ليس لأنهم لا يريدون أن يعرفوا، ولكن لأن لا أحد يقول لهم.
أما الصحفي السوري الذي يعيش في السويد واسمه عبد الجليل السعيد فنقل عنه القول، إنه لا يشعر بأنه غريب وهو في إسرائيل، لأن الطبيعة هي نفسها والأطعمة هي نفسها، وهناك الكثير من الأشخاص يتحدثون العربية بطلاقة. مشيرا إلى أنه هرب من سوريا بسبب الخوف من الحرب الدائرة هناك، وأنه لا يشعر بالخوف وهو في إسرائيل. وزعم «أن نظام الأسد حكم عليه بالإعدام بسبب معارضته له»، مشددا على أن «الخطوة المقبلة التي يجب أن تحدث، هي السلام بين إسرائيل وسوريا بعد سقوط بشار الأسد وإقامة حكومة ديمقراطية».
صدقا حاولت أن أفهم، وصدقا كنت أحاول أن أجد سببا يبرر إقدامهم على مثل هذه الخطوة، غير المنطقية وغير الإنسانية وغير الأخلاقية، فلم أجد ما يفسر ذلك سوى أنهم مجموعة من المرتزقة والعملاء ينتمون إلى الخلايا النائمة لجهاز «الموساد» التي يجري إيقاظ بعضها عندما تستدعي الضرورة. ويؤكد ذلك ما قالته وسائل إعلام إسرائيلية بأن بعضهم كان على تواصل مع وزارة الخارجية الإسرائيلية منذ سنوات، من خلال عملهم في وسائل الإعلام، سواء ببلدانهم أو البلدان التي يعيشون فيها، وقالوا إنهم كانوا يرغبون في الالتقاء بالأشخاص الذين كانوا على اتصال معهم عبر الهاتف.
نعم إنهم ليسوا أكثر من خلايا نائمة تطل إسرائيل علينا بها كلما احتاجت أن تثبت أن أمور التطبيع جارية. وكلما أرادت أن تقنع نفسها بانتصارات وهمية للتغطية على الفشل الأكبر في عملية التطبيع التي تزعم دوما أن رقعتها تتسع، وأن العالم العربي على شفا تغييرات غير مسبوقة في هذه القضية، وهذه كذبة كبيرة حتى إن زار إسرائيل أمير بحريني حسب وزير الاتصالات أيوب قرا. ورغم ما ادعته إسرائيل عن توصلها إلى اتفاق مع الرياض، حول حرية الطيران المدني الإسرائيلي وكذلك الهندي في استخدام أجوائها في رحلاتهما من وإلى تل أبيب ونيودلهي. وهو خبر نفته السعودية.
وأيا كانت مبررات هؤلاء، فإنه لا يمكن التماس العذر لمثل هذه الزيارات، التي أقل ما يمكن أن توصف به بالمشبوهة. وستظل وصمة عار على جبين كل فرد منهم لما تمثله من خروج، لا على الموقف الشعبي العربي العام وحسب، بل الموقف الإنساني والأخلاقي والمهني الذي يعتبر إسرائيل دولة احتلال وعنصرية وتطهير عرقي وتطرف، يتناقض وجودها مع كل القيم الأخلاقية والقانونية الدولية بكل المقاييس.
وتتزامن هذه الزيارة مع مؤتمر سيعقد في القدس المحتلة، الأسبوع المقبل لملاحقة ومقاضاة قادة حركة مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها «BDS» التي باتت تلحق الأذى بإسرائيل وتحقق الانتصارات ضد دولة الاحتلال على صعيد المقاطعة. بادرت إلى هذا المؤتمر وزارة الشؤون الاستراتيجية ووزارة القضاء بالتعاون مع نقابة المحامين الإسرائيليين والمعهد القضائي الدولي، ويرجح أن تشارك فيه مئات الشخصيات القانونية والسياسية في العالم. ونقل عن عضو مجلس إدارة الجالية اليهودية في فرنسا المحامي باسكال ماركوفيتش، قوله «من السابق لأوانه القول إن إسرائيل ستفوز ضد حملة المقاطعة الدولية، كونها حربا استراتيجية لا عسكرية. وقالت في هذا السياق القناة السابعة الإسرائيلية، إن المؤتمر يسعى لبحث السبل لسن المزيد من القوانين والتشريعات ضد حركة المقاطعة وأنشطتها حول العالم، كما سيهدف إلى صياغة استراتيجية قانونية وإنشاء شبكة دولية متماسكة لحسم الصراع ضد المقاطعة والتحريض، من خلال الوسائل القانونية القائمة.
ما كان الغرض من هذا المقال الحديث عن هذه الزيارات التي أصبحت مفضوحة الأهداف، بل ترشيح نواب نرويجيين بـ«BDS» لجائزة نوبل للسلام، ما يفرض علينا المقارنة، وإن كانت غير منصفة بحق الناشطين الغربيين، الذين يرفضون التطبيع مع دولة الاحتلال. ويثمّن البرلمانيون النرويجيون دور الحركة في النضال السلمي والفعال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني. وأعرب النائب النرويجي المبادر للترشيح باجرنار موكسنيس في رسالة للصحافة، عن فخره بهذا الترشيح، قائلا: بصفتي عضو برلمان نرويجي، فإنني أفخر باستخدام سلطتي كمسؤول منتخب لترشيح حركة المقاطعة مضيفا، «إن ترشيح الحركة لهذه الجائزة، يتماشى تماما مع المبادئ العزيزة جدا عليّ وعلى حزبي».
واختتم بالقول إن الغربيين يرون في القضية الفلسطينية قضية أخلاقية وإنسانية، بل قضية حقوق ورفض للاحتلال، آخر احتلال في العالم، وممارساته.
في المقابل يقول صحفيو العار إنهم يزورون «دولة الاحتلال للوقوف والاطلاع عن كثب على إنجازاتها وتقدمها بعيدا عن الأكاذيب العربية الممتدة لعقود طويلة، التي كان غرضها الرئيسي تشويه الوجه الجميل لدولة الاحتلال، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، يأتي هذا في وقت شهد فيه العالم وإن يكن نظريا، حالة استقطاب حول القضية الفلسطينية، العالم بأكمله في جهة وأمريكا وإسرائيل وماكرونيزيا وصحفيي العار في جهة… نعم إننا حقا نعيش في زمن العجائب.
القدس العربي