صحافة دولية

فريدمان: العرب أضعف وإسرائيل أقوى.. وسليماني أيضا

فريدمان: زادت شهية المستوطنين وحزب الليكود للتمادي أكثر نحو التطرف- أ ف ب
فريدمان: زادت شهية المستوطنين وحزب الليكود للتمادي أكثر نحو التطرف- أ ف ب

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق توماس فريدمان، الذي زار إسرائيل في الفترة الماضية، يبدؤه بالقول إنه من الصعب أن يعود أحد من هناك وألا يحمل معه شعورا بأن الإسرائيليين لديهم زخم يعمل لصالحهم.

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "الإسرائيليين بنوا صناعة تكنولوجيا متقدمة، والجميع منشغل بإنشاء شركته، حتى العرب في إسرائيل يبدو أنهم أصيبوا بالعدوى، وعدد الذين يدرسون للشهادة الجامعية الأولى زاد بنسبة 60% في الجامعات الإسرائيلية منذ سبعين عاما إلى 47 ألف طالب".

 

ويبين الصحافي أنه "على المستوى الإقليمي، فإن العرب والفلسطينيين لم يكونوا أضعف في أي وقت مضى مما هم عليه الآن، وفي ظل ترامب لم تكن إسرائيل في وضع أقوى بصفتها صديقة للولايات المتحدة، حيث اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل دون أي مقابل، ولم يصدر عن الدول العربية أي صوت".

 

ويقول فريدمان: "للأسف، فإن الزخم زاد من شهية المستوطنين وحزب الليكود الحاكم للتمادي أكثر نحو التطرف، فذكرت وكالة أنباء (رويترز) في31 كانون الأول/ ديسمبر، أن المشرعين الإسرائيليين صوتوا وبإجماع على قرار غير ملزم، يدعو إلى ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي أقيمت على أراض يريد الفلسطينيون بناء دولتهم عليها في المستقبل".

 

ويعلق الكاتب قائلا إن "العالم سيصرخ بأن هذا تمييز عنصري (أبارتيد)، لكن اليمين الإسرائيلي سيهز كتفيه قائلا إن العالم سيتعود على هذا، وستغطي نيكي هيلي موقع إسرائيل في الأمم المتحدة، وسيجبر شيلدون أديلسون ترامب والحزب الجمهوري على البقاء على هذا المسار، فيما ستحرف الدول العربية التي تريد مساعدة إسرائيل نظرها لمواجهة إيران، وتتصرف كأن شيئا لم يحدث". 

 

ويجد فريدمان أن "الوضع كان دائما كهذا، ويرى المستوطنون ذلك، ولهذا فإنهم يقولون لماذا ننتظر؟ ويعتقدون أنهم سيضمون الضفة الغربية دون منح الفلسطينيين حق المواطنة، وسيتركونهم يصوتون في انتخاباتهم الخاصة".

 

ويقول الكاتب: "عندها خطر على بالي: لقد شاهدت هذه اللعبة من قبل، ففي 17 أيار/ مايو 1983، وهو اليوم الذي وقعت فيه إسرائيل معاهدة سلام مع لبنان، بعد عام من غزوه، وكلمة (وقعت) ليست كلمة مناسبة؛ لأن إسرائيل فرضت، بدعم أمريكي، على حكومة لبنان الضعيفة المطالب الأمنية كلها، بما في ذلك إطار للتطبيع التجاري والدبلوماسي".

 

ويلفت فريدمان إلى أنه "في تلك الفترة كانت تقود إسرائيل حكومة متطرفة برئاسة مناحيم بيغن، ويدعمها الصديق الخارق الرئيس رونالد ريغان، وكانت مصر وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل وخرجت من النزاع، وطلب أمير حرب مسيحي شاب، وهو بشير الجميل، من إسرائيل دعمه في سحق الفلسطينيين وإعادة تشكيل الشرق الأوسط".

 

ويقول الكاتب إن زميله، مراسل صحيفة "واشنطن بوست" في بيروت جوناثان راندال، كتب كتابا حول تلك اللحظة تحت عنوان: "التمادي حتى النهاية: أمراء حرب مسيحيون ومغامرون إسرائيليون والحرب في لبنان". 

 

ويعلق فريدمان قائلا إنه يحب عنوان الكتاب، "فهو موضوع يتكرر في المنطقة، وعادة ما ينتهي بلحظة مثل تلك التي في فيلم (تيلما ولويز) حيث تقودان السيارة إلى حافة الهاوية، وكذلك فعلت إسرائيل في لبنان".

 

ويذكر الكاتب أن مليشيا حزب الله ظهرت سريعا لمواجهة معاهدة 17 أيار/ مايو، وفي 5 آذار/ مارس 1984، وبعد 10 أشهر من توقيعها، كتب فريدمان من بيروت للصحيفة ذاتها، قائلا: "ألغى لبنان اليوم رسميا معاهدة انسحاب قواته مع إسرائيل"، وهو ما يعني نهاية "عصر إسرائيل" في السياسة اللبنانية، وحرف لبنان وبقوة للحضن السوري العربي.

 

ويتساءل فريدمان عن السبب الذي يدعوه لاستعادة هذه القصة، ويجيب قائلا: "أرى في كل مكان أنظر إليه أشخاصا يتمادون في اللعبة، ففي أمريكا يقوم الجمهوريون بتشويه سمعة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل؛ لأن هاتين المؤسستين ترفضان الخضوع لإرادة ترامب، وأشاهد إيران تسيطر على أربع عواصم عربية: دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت، وأرى أن حركة حماس لا تزال مهتمة ببناء أنفاق في غزة لقتل الإسرائيليين، بدلا من إنشاء مدارس وتقوية المجتمع الفلسطيني".

 

ويضيف الكاتب: "اشاهد ولي العهد السعودي يقوم بإحدى يديه بعملية تحديث السعودية، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، والعمل على انفتاح المجتمع السعودي ثقافيا على العالم، وهي أمور لم نتخيل أبدا أنها ستحدث، ويقوم باليد الأخرى باختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ويشتري بسخافة لوحة فنية غالية الثمن، ويعتقل رجال الأعمال باسم مكافحة الفساد، وهي كذلك أمور لم نتخيل أبدا انها ستحدث". 

 

وينوه فريدمان إلى "حركة طالبان، التي قتلت 103 أشخاص في كابول، وتحشو سيارات الإسعاف بالمتفجرات، وأرى الحوثيين أمراء الحرب، والإيرانيين والسعوديين والإمارات العربية المتحدة وهم يمزقون اليمن، باسم شيء لا نعرفه، وفي تركيا يقوم الرئيس التركي بإسكات الصحافيين النقاد لبلده، فيما يقوم المصريون والروس بالتخلص من المنافسين الخطيرين في الانتخابات، بالإضافة إلى محاولة بنيامين نتنياهو إفشال تحقيق في ممارسات فساد متهم بها بطريقة تضعف النظام القضائي الإسرائيلي، كما يفعل ترامب وللسبب ذاته". 

 

ويقول الكاتب: "أرى ترامب، الذي يحاول تمزيق المعاهدات الدولية التي لا يحبها، مثل الاتفاقية النووية مع إيران و(نافتا) ومعاهدة الشراكة الباسيفكية والمناخ في باريس، وقطع الدعم عن الفلسطينيين والباكستانيين، ودون خطة تقدم البديل". 

 

ويرى فريدمان أن "ما هو أسوأ من هذا كله أنني أرى أمريكا، وهي أقوى حارس في العالم للحقيقة والعلوم والقيم الديمقراطية، يقودها كذاب أشر ومدمر للقيم، مانحا الرخصة لكل شخص ليقول لماذا لا أفعل مثله؟".

 

ويتساءل الكاتب عما إذا كان هناك أحد يستطيع إنهاء هذا الوباء الذي يمضي حتى النهاية؟ ويجيب: "نعم، إنها الطبيعة الأم والطبيعة البشرية والأسواق، وكلها ستدفع عندما لا يدفع أحد".

 

ويعاود فريدمان للتساؤل قائلا: "وكيف هذا؟ أنظر إلى غزة، التي لا تحصل إلا على ساعات قليلة من الكهرباء؛ بسبب عجز حركة حماس وحقدها وبعض القيود الإسرائيلية، النتيجة: محطات معالجة المياه الصحية لا تعمل، وتذهب الفضلات إلى البحر المتوسط". 

 

ويبين الكاتب أنه "عندما يحمل الموج الفضلات من غزة شمالا، فإنها تسد محطة التحلية في أشكلون، التي توفر 15% من مياه الشرب في إسرائيل، بحسب ما تقول المنظمة البيئية (إيكوبيس ميدل إيست)، وكان يجب إغلاق المحطة عامي 2016 و2017؛ لتنظيف الفضلات القادمة من غزة، وهو تذكير للطرفين بأن الطبيعة الأم ستعاقبهم بالتسمم لو حاولوا المضي حتى النهاية".

 

ويقول فريدمان: "يعتقد القيادي العسكري الإيراني قاسم سليماني أنه الزعيم الأوحد، حيث تسيطر مليشياته على أربع عواصم عربية، والكل ينحني له احتراما، ومن ثم فجأة ودون أن يعلم بدأ الإيرانيون يتظاهرون في الشوارع؛ محتجين على مغامراته الخارجية، وفجأة تُصبح الصورة الأكثر انتشاراً على الإنترنت هي صورة النساء الإيرانيات وهن يخلعن الحجاب ويعلقنه على عصا طويلة". 

 

ويتحدث الكاتب عن طريقة رد الأسواق، ويقول "إن كنت لا تعتقد أن الأسواق لها طريقتها في علاج البذخ فأنت لم تقرأ التقرير الأهم في (نيويورك تايمز)، ولكل من يريدون الذهاب حتى النهاية: راقبوا السوق والطبيعة الأم، والطبيعة الإنسانية؛ لأن الاثنين الأولين لا يمكن التحكم بهما، أما الثالث فلا يمكن قهره".

 

ويختم فريدمان مقاله بالقول إن "الطبيعة هي نتاج الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء، والطبيعة الإنسانية هي نتاج الخوف الجشع، والثالث هو بحث الإنسان الأبدي عن الكرامة والحرية، وهي مجموعة ستشكل المستقبل أكثر من أي زعيم أو حزب يريد المضي حتى النهاية".

التعليقات (0)