انشغلت وسائل الإعلام عبر العالم وبالأخص في
المنطقة العربية الإسلامية بانعقاد المجلس المركزي الفلسطيني، ليس بالضرورة لأنها
كانت تتوقع منعطفا تاريخيا بالنسبة للقضية الفلسطينية، وإنما لأنها عادة تصنع من
الحبة قبة دون أن تعمل على ربط العلاقات الجدلية علميا ومنطقيا لتصل إلى
الاستنتاجات الصحيحة. وقد سئلت مرارا من قبل وسائل إعلام عدة عن هذا المجلس، ولم
تكن إجاباتي مختلفة عن القرارات التي أتخذها.
بداية المجلس المركزي الفلسطيني غير شرعي،
وكذلك كل المجالس الأخرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. ورئيس منظمة التحرير
الفلسطينية غير شرعي أيضا وكذلك أمين سر المنظمة. السبب أن كل المجالس والأشخاص
يخالفون اللوائح الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهم جميعا شركاء في إلغاء
الميثاق الوطني الفلسطيني الذي شكل مصدر الشرعية القانونية لهم. وهم جميعا
متورطون بالمصادقة والموافقة على اتفاق أوسلو الذي يعتبر خيانة عظمى، وفق القانون
الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية. هم صاغوا القوانين، وهم الذين طالما تنادوا بها
كمصدر للشرعية، وهم الذين صاغوا القانون الثوري، وهم الذين ينتهكون القوانين ومصدر
شرعيتهم. ورئيس السلطة ينتهك القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية ومعه أمين سره.
رئيس السلطة وأمين سره يحملان الدكتوراه في العلوم السياسية، ولديهم استعداد
لإلقاء خطابات رنانة حول محاسن الديمقراطية لكن دون التقيد بمبادئها.
ولهذا ليس من الشرف أو الوطنية أن يحضر المرء
مثل هذا الاجتماع، ومن تعاون مع الاحتلال مرة واحدة لا تأمن جانبه في المرات
القادمة. التعاون مع الاحتلال من خلال التنسيق الأمني والمدني أفيون يلبس من
يتعاطاه، ولا يتمكن من التخلص منه. وكل من
حضر يتحمل تبعات القرارات التي تصدر. ولهذا وجهت حديثي لحماس والجهاد الإسلامي
بألا يورطوا أنفسهم من جديد في لقاءات عبثية كلقاء بيروت ولقاءات القاهرة.
لم يكن من المتوقع أن يتخذ المجلس المركزي
الفلسطيني قرارات تتناسب مع حجم التحديات للأسباب المذكورة أعلاه. وقد صرحت سلطة
رام الله التي يرأسها رئيس منظمة التحرير منذ اليوم الأول لاعتراف ترامب بالقدس
عاصمة للصهاينة أنها متمسكة بما أسمته خيار السلام، وكرر ذلك رئيس السلطة الفلسطينية
المنتهية صلاحيته في مؤتمر اسطنبول. وتاريخيا، لا المجلس المركزي الفلسطيني ولا
المجلس الوطني مارسا اتخاذ قرارات حرة بمعزل عن إرادة ورغبة رئيس المنظمة. يد رئيس
المنظمة كانت دائما في حلوقهم، ولم يكن بإمكانهم سوى بلع ما فيها. ولهذا كانت
قيادة منظمة التحرير تحرص دائما على أن تتمتع بأغلبية الأصوات داخل مجالس المنظمة
بمن فيها اللجنة التنفيذية. وعليه، لم يكن من المتوقع أن تنتهك قرارات المجلس
المركزي رغبات رئيس المنظمة الذي هو رئيس السلطة.
كنا نتوقع خطابا حماسيا من قبل المجلس المركزي،
ونسمع كلاما كبيرا، وإنما دون رنين ودون آذان جماهيرية تسمع. أما القرارات فكان
من المتوقع ألا تتناسب مع الكلام الخطابي لأن في التناسب ما قد يؤثر سلبا على
مصالح المتنفذين.
اجتمع المجلس المركزي الفلسطيني، ولم ترق
قراراته إلى مستوى الحدث المتمثل بقرار ترامب بشأن القدس. وجاءت قرارات المجلس
متمشية مع رؤية رئيس المنظمة الذي يصر على البقاء ضمن العملية التفاوضية العبثية.
لم يلغ المجلس اتفاق أوسلو، ولم يسحب اعتراف المنظمة بالكيان الصهيوني، وتطلع إلى
وسيط آخر غير الولايات المتحدة. أكد
المجلس نقطة واحدة تشكل مطلبا جماهيريا وفصائليا فلسطينيا وهي وقف التنسيق
الأمني. سبق للمجلس أن اتخذ قرارا كهذا، لكن السلطة التنفيذية في السلطة الفلسطينية
لم تنفذه، ولم يحرك المجلس ساكنا في مواجهة عدم التنفيذ.
واتخذ المجلس قرارات بشأن مسائل ثانوية مثل
دعوة العرب إلى قطع العلاقات مع أمريكا وفقا لمقررات القمة العربية لعام 1980، التي نصت على قطع العلاقات مع كل دولة تنقل سفارتها إلى القدس. طبعا الأنظمة
العربية لن تلتزم. ودعا المجلس كل الدول الإسلامية إلى اتخاذ موقف في مواجهة
أمريكا، وإلى الاستمرار في النشاطات الدولية لصالح القضية الفلسطينية. البقاء في
الساحة الدولية مهم جدا بالنسبة للشعب الفلسطيني، لكن يجب ألا يفكر أحد بأن الساحة
الدولية يمكن التعويل عليها. الساحة الدولية عامل مساعد، لكن الحل لا يمكن أن يأتي
إلا بسواعد أصحاب القضية.
دعا المجلس المركزي إلى المقاومة بأشكالها كافة، وهذه دعوة تلبي مطالب فصائل المقاومة الفلسطينية، لكنه على خطى رئيس
المنظمة، دعا أيضا إلى المقاومة السلمية إنما دون أن يعرفها أو يوضح الأسس التي
تقوم عليها والإجراءات المترتبة عليها. منذ سنوات ورئيس منظمة التحرير يركز على
المقاومة السلمية، لكنه لم يعرفها حتى الآن، ولم يقل للشعب ما يعنيه بالمقاومة
السلمية. الشعار مرفوع، لكن لا أثر له في ميدان المواجهة.
باختصار، حاول المجلس إرضاء الجمهور الفلسطيني
وفصائل المقاومة ورئيس السلطة، فجاءت استرضاءاته غير مرضية. لم يخرج المجلس عن
اتفاق أوسلو، ولم يقرر التوقف عن المفاوضات، ولم يسحب اعترافه بالكيان الصهيوني.
أي إنه لم يخط خطوة نحو إعادة بناء المجتمع الفلسطيني والتصدي للتحديات المختلفة
التي تواجه الشعب والقضية. كان هناك من يتطلع إلى ظهور مرحلة جديدة في التاريخ
الفلسطيني، لكنه بات واضحا أن ما بعد المركزي يشكل امتدادا لما قبله.