نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية مقالا للكاتبة الألمانية، ليا فريزه، حول السلام في
الشرق الأوسط، حيث باءت مختلف مبادرات السلام في المنطقة بالفشل، خاصة في ظل تواصل الحروب، ونسف
الأنظمة الديكتاتورية في الدول العربية آمال شعوبها في الحصول على مستقبل أفضل.
وقالت الكاتبة، في
مقالها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه قبل نهاية سنة 2015، نشر مقطع فيديو على يوتيوب تظهر فيه فتاة ترتدي معطفا رمادي اللون، تسحب خلفها رأس كرنب مربوط بحبل في يدها، وهي تسير في الطرقات بين المحلات التجارية والمارة، والجميع ينظر إليها ويضحك.
في الواقع، تم تصوير ذلك المشهد في المنطقة الحدودية المتنازع عليها كشمير، الواقعة بين الهند وباكستان، حيث تنتشر نقاط التفتيش العسكرية في كل مكان، ومن المرجح أن هذه المنطقة تحتوي على أسلحة نووية. وتعتبر كشمير تحت الحكم العسكري، لذلك من يحاول خداع الجنود بأي طريقة يتم تصفيته على الفور.
وتساءلت الكاتبة عما كان سيحدث لتلك الفتاة لو ظن أحد الجنود أن رأس الكرنب "قنبلة". وفي هذا السياق، علق العديد من الشباب في منطقة كشمير على ذلك الفيديو قائلين إن الكرنب يتمتع بحرية التنقل داخل كشمير أكثر من الأشخاص، وأن الحياة أصبحت سخيفة هناك إلى حد كبير.
وأوردت الكاتبة "ما زال المشهد عالقا في ذهني لما أظهرته تلك الفتاة من شجاعة، بالإضافة إلى حس الدعابة عندها. وعلى الفور، قلت لنفسي إن المدينة الفاضلة بالنسبة لتلك الفتاة ليست المدينة الضخمة المليئة بالألعاب. فالمدينة الفاضلة لا تكمن في تغيير الواقع بطريقة ما، بل في ما نصنعه نحن بأنفسنا".
وأشارت الكاتبة إلى التطورات التي حدثت في بعض دول الشرق الأوسط؛ على غرار فلسطين والمملكة العربية السعودية وسوريا، وكيف أصبحت هذه الدول مرتبطة بالصراعات الدائرة حاليا. وفي الوقت الراهن، يعتبر العالم العربي بؤرة الاضطرابات والعنف، فيما يعتقد المستبدون بالسلطة بأن قوتهم العسكرية فقط ستمنحهم الاستقرار. في المقابل، انتهجت أوروبا
سياسة براغماتية مع تلك الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط، ليصبح السلام في الشرق الأوسط ضربا من الخيال.
وأفادت الكاتبة بأنه مع اندلاع موجة الاحتجاجات سنة 2011 في تونس ومصر وسوريا لإسقاط الحكام الدكتاتوريين والمطالبة بحياة كريمة، بدأت وجهة نظر الرأي العام الدولي حول هذه الشعوب تتغير. ولكن، بعد سبع سنوات من الحراك الشعبي وفشل
الثورات العربية في مصر وسوريا وليبيا، تغيرت نظرة التفاؤل حول الشرق الأوسط لعدة أسباب. فقد اعتبر البعض الشجاعة التي تحلى بها الشباب سنة 2011، سذاجة، وبدا واضحا أن الأوضاع عادت إلى ما كانت عليه قبل الربيع العربي.
وأكدت الكاتبة أن الاعتقاد في نهاية النضال قائم على تصور خاطئ، فلطالما وجد أشخاص في العالم العربي يؤمنون بمبدأ التعايش السلمي مع بعضهم البعض. فحسن بو علاق، شاب تونسي في الثلاثين من عمره، أسس بعد الثورة شركة لجمع القمامة، وبيع المواد القابلة للتدوير بسعر مناسب، وبهذه الأموال ينظمون أنشطة للأطفال.
وذكرت الكاتبة أن هناك نشطاء فلسطينيين وإسرائيليين في القدس يعارضون بناء المستوطنات الإسرائيلية. وكل جمعة، يقوم هؤلاء النشطاء بتنظيم وقفة احتجاجية مشتركة، ويقدمون الدعم للأسر الفلسطينية المتضررة من بناء المستوطنات. وهم يفعلون ذلك منذ عدة سنوات، ودائما ما قوبلت أنشطتهم بالرفض من قبل السلطات الإسرائيلية والفلسطينية التي لا تتوانى عن مهاجمتهم.
وأضافت الكاتبة أن شابا سوريا قد نشر صورة على صفحته على "فيسبوك"، تظهر الدمار الذي حل بمدينة الغوطة الشرقية، حيث كتب أحدهم باللغة العربية على أحد جدران المنازل المدمرة، كلمة "ابتسمي". ويقول أحد المعلقين على الصورة إن الشاب كتب هذه الكلمة لصديقته.
وبينّت الكاتبة أن الحرب في سوريا واليمن، والتهديدات المستمرة بين السعودية وإيران، فضلا عن وجود حاكم مستبد على رأس السلطة في مصر مثل عبد الفتاح السيسي، يعطي صورة واضحة عما تعيشه أكثر من 12 دولة في منطقة الشرق الأوسط. وبالفعل، يشعر العديد من النشطاء السياسيين في المنطقة بخيبة أمل كبيرة، وفي الوقت ذاته، توقف أغلب المتظاهرين عن الاحتجاج.
وفي الختام، قالت الكاتبة إن القمع المتزايد يجعل اندلاع الاحتجاجات في الوقت الحاضر، على غرار ما شهدناه سنة2011، أمرا صعبا. ولكن لا يمكن الجزم بأن تلك الحالة ستستمر إلى الأبد، فالسلام في الشرق الأوسط ليس بعيد المنال. ولكن علينا أن ننظر لواقعنا نظرة أكثر عمقا، وندرك بالفعل أننا نستطيع أن نصنع المدينة الفاضلة بأنفسنا.