هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سنة بالتمام والكمال مرت على اعتقال زميلنا "محمود حسين"، للدقة فإنه ما جرى معه اختطاف، أخذ الشكل القانوني، الذي يميز فعل السلطة المستبدة، عن أعمال العصابات الخارجة على القانون!
وقد كان الاختطاف في البداية بدون مراعاة هذا الشكل، فبدأ بالاحتجاز ليوم بطوله في مطار القاهرة، قبل أن يخلى سبيله، ثم يعاد اختطافه من جديد، ليظل في قبضة الأجهزة الأمنية عدة أيام بالمخالفة للقانون، قبل عرضه على النيابة لاستيفاء الشكل القانوني، والتي عندما انتهت من مهمة حبسه احتياطياً، أحالته إلى قاضي التحقيق، فكان امتداداً لذات الإجراءات التعسفية، فقضى بحبسه عشر مرات، في كل مرة تكون المدة هي (45) يوماً دفعة واحدة، حتى صار التجديد له عملاً روتينياً، يخلو من التحقيق، في حبس احتياطي صار عقوبة بحد ذاته!
ومنذ البداية لم تكن هناك تهمة جادة وجهت لزميلنا "محمود حسين"، وما طالعناه عبر الأذرع الإعلامية لقائد الانقلاب، هي ذات "التهم المزيكا"، التي توجه للآلاف بعد الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع، على رئيسه المنتخب، ليعصف بإرادة الشعب، صاحب السيادة، فعندما يحضر العسكر، فلا صوت يعلو على صوت الرصاص!
لقد أظهروا "محمود حسين"، بالصوت والصورة، وسط أجهزة الكترونية، قالوا، وقال، إنها خاصة بمكتب قناة "الجزيرة" بالقاهرة، وكان الاعياء بادياً عليه، ويظهر أثار هذا على وجهه، ولم يفهم الرأي العام ما يراد بهذه الصورة، مع الدعاية التلفزيونية، بأن أجهزة مكتب قناة "الجزيرة"، عثروا عليها في حوزة "محمود"، لنعرف بعد ذلك أن "الجزيرة" لجأت للتحكيم الدولي، لتعرض محتويات مكتبها بالقاهرة للإتلاف، وقد شاهد الناس عملية احراق المكتب ومحتوياته، على أيدي الشبيحة الذين حضروا في حماية قوات الأمن!
قيل إن الهدف هو إفساد هذه القضية التي تطلب فيها قناة "الجزيرة"، تعويضاً قدره (150) مليون دولار، فات دولة العصابات، إن الإجراءات التي قامت بها باطلة قانوناً، لأن ما قدمته للناس بالصوت والصورة، كان بعد اعتقال محمود حسين (بالأحرى اختطافه) بعدة أيام، وما قاله تسقط قيمته القانونية، لأنه رهن الاعتقال، وقد يكون وليد اكراه، يبطل الاعتراف؛ فلا يصبح سيد الأدلة، بل قد يمثل دليلا جديدا، لإدانة أهل الحكم في مصر، باعتبارهم سلطة غاشمة، تمارس التنكيل على الضحايا وحملهم على الاعتراف بالإكراه.
كما أن الإجراءات القانونية الطبيعية، تحتم أن يكون ما جرى في حرز يقدم لجهة التقاضي وليس للقنوات التلفزيونية، لأن هذا الفعل يسقط القيمة القانونية للتسجيلات، وإن تم استبعاد فرضية الإكراه.
لقد بدا واضحاً، أننا في مواجهة سلطة تتصرف كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فلم تقصر القضية على أجهزة "الجزيرة"، إنما راحت تؤكد أنها تستهدف القناة القطرية في شخص "محمود حسين"، إذ تم اتهامه بأنه مسؤول عن "فيلم العساكر"، وهو الفيلم الوثائقي الذي بثته القناة، واتهمت سلطة الانقلاب "الجزيرة" بالإساءة به للجيش المصري، وهو الاتهام الذي تم استبعاده بعد ذلك، لأن كل الذين يعرفون محمود حسين، يعلمون أنه ليس فقط لا علاقة له بهذا الفيلم، ولكنه لم يكن راضياً على عرضه!
وبعد هذا كان الاتهام بأن محمود حسين، عضو في الجماعة الإرهابية، وعندئذ أضحكوا الثكالى، لأن صاحبنا لم يكن له علاقة تنظيمية ليس فقط بالإخوان، ولكن بأي حزب شرعي أو غير شرعي، وهو صحفي محترف، إلى الآن هو على قوة التلفزيون المصري، ولو كان عضواً بجماعة الإخوان، ما كان له أن يدخل مبنى ماسبيرو من بابه، وهو المبنى الذي وصفته قديماً بأنه ثكنة عسكرية، وقطاع الأمن فيه تضخم وتمدد، حتى صار أكبر وأهم من قطاع التلفزيون!
ولأنهم وجدوا أن هذا الاتهام لم يصدقه انس ولا جان، فقد تم حصاره بالكثير من الاتهامات، فكان الاتهام بنشر أخبار كاذبة، ليكونوا مثالاً للطبيب الذي يفتقد للكفاءة، فيعجز عن تشخيص المرض فيحاصره بالكثير من الأدوية، فات سلطة "الطيش السياسي"، أن الاتهام بنشر وترويج أخبار كاذبة، يستدعي وجود أخبار ليتم في البدء تقييمها إن كانت صادقة أم كاذبة، و"محمود حسين" منذ أن غادر القاهرة، من مطار القاهرة، إلى الدوحة، ليعمل في المقر الرئيسي للقناة، لم يكن طرفاً في الأخبار التي تنشر عن مصر، بل لم يكن ضمن "الدسك المصري" عندما أنشئ، وإلى حين حله بعد ذلك!
قالوا "الجمل طلع النخلة"، قلنا حسنا هذا هو الجمل، وهذه هي النخلة، فأين هي الأخبار التي بثها "محمود حسين" عن مصر خلال أربع سنوات مضت، لأسلم بدون مناقشة بأنها كاذبة تضع من يروجها تحت طائلة قانون العقوبات؟!
إنني اتهم سلطة الانقلاب بأنها لا تقوى على إحالة محمود حسين للمحاكمة العادلة، أو أن تعرضه لمحاكمة علنية يتم بثها تلفزيونيا، لأني مدرك تماماً أنه لا يوجد اتهام حقيقي لمحمود حسين، وأن ما يحدث الآن معه هو اختطاف خارج القانون، يتم اسباغ الشرعية القانونية عليه بقرارات قاضي التحقيق بحبسه احتياطيا، مع أن القانون ألغى تماماً الحبس الاحتياطي في جرائم النشر والعلانية!
والشاهد هنا، أن قاضي التحقيق يسبغ شرعية على جريمة اختطاف محمود حسين، وهو الذي أعطى أوامره بعدم تصوير القضية، وهذا حق للمتهم ولمحاميه، وقد "حفيت الأقدام" في سبيل تصويرها، لكن كان الطلب القانوني دائماً يواجه بعقبة الرفض، ليس فقط للإيمان بعدم صحة الاتهامات، ولكن لعدم وجود قضية أصلاً، واطلاع الرأي العام القانوني على التفاصيل سيكشف كيف أن مصر تحكمها عصابة، وإن تعلقت في أستار القانون!
وأي قانون هذا، وقد ألغى القانون الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، ويتم حبس "محمود حسين" احتياطيا والتنكيل به، لأسباب معروفة، وهى أن السلطة الحاكمة، تريد أن تخضع القطريين لها، فيمنحوها ما تريد من "الرز"، ليكون أسير هذه المعركة مصري؛ الأصل أن تدافع مصر عنه، إذا مس بسوء في قطر، لكننا ندرك تماماً، أن السلطة التي فرطت في التراب الوطني، وفي حصة مصر من مياه النيل، لا يمكن أبداً أن تهتم بمصري، بل من الطبيعي أن تستبيحه، ابتزازاً، ولتحقيق أطمعاها في المساعدات القطرية!
وما دام المال القطري لم يصل للسائل والمحروم في القاهرة، فيصبح من الطبيعي أن ينكل بمحمود حسين، وأن يبق في السجن، إلى أن يصدر قرار سياسي بالإفراج عنه، كما صدر قرار سياسي بالتنكيل به وعدم السماح له بتلقي العلاج، وهو من أبسط حقوق أي سجين ولو في بلاد تركب الأفيال.
ويا عزيزي "محمود"، لسنا بخير وأنت في قبضة هذه العصابة، ولسنا بخير ونحن نشاهد التنكيل بك وهو باد على وجهك عند كل محاكمة.
لكن حسبك أنك لم تفرط في التراب الوطني، وحسبك أنك لم تقل إن وظيفتك هي حماية أمن إسرائيل، وحسبك أنك لم تتنازل عن حصة مصر التاريخية من مياه النيل، وحسبك أنك لم تقتل المصريين.
حسبك يا محمود أنك لست عبد الفتاح السيسي.