هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عزيزي عبد الفتاح السيسي..
قد يدهشك أنني أخاطبك بالوصف الحميمي: "عزيزي"، وأنت تعلم أنك لا "عزيزي" ولا "حبيبي"، لكن هكذا تكتب الرسائل، ولا أريد أن أخالف البروتوكول هنا!
ولعلك تذكر، يا عزيزي عبد الفتاح، أن الرئيس محمد مرسي سبق له أن أرسل إلى "شيمون بيزيز" خطاباً، خاطبه فيه كما أخاطبك الآن، حيث كانت بدايته "عزيزي بيريز"، وهو ما اتخذ للتشنيع على الرجل، وقد ردت الرئاسة بأن هذه "صيغة بروتوكولية ثابتة"، ومن ردوا كانوا كمن جاء ليكحلها فأعماها، لأن الإخوان كانوا للحقيقة في كثير من ممارساتهم يتعاملون كما لو كانت انتخابات رئاسية جرت، فسقط مبارك ونجح محمد مرسي، وليس لأن رئيسهم جاء عبر انتخابات أنتجتها ثورة، من الواجب أن تقطع صلتها بكل ما سبقها، بما في ذلك الخطابات البروتوكولية التي لا يجوز أن تفرض علينا، لاسيما وأن هذه الثورة حاصرت سفارة الكيان الصهيوني بالقاهرة، وأنزلت العلم الإسرائيلي، لأول مرة منذ أن دنس العلم سماء القاهرة!
وتعلم، يا عزيزي عبد الفتاح، أن ما ساقه الإخوان لم يكن صحيحاً، والصحيح أن الخطاب دُس على الرئيس، من قبل ضابط في الرئاسة، والأمر ليس هيناً ولا بسيطاً، فكان يستدعى أن تصدر الرئاسة بياناً رسمياً، توضح فيه الحقيقة، وتكشف اسم الضابط، ومن ثم يتم فصله لعدم أمانته، لكن القوم لم يكونوا يريدون الظهور في صورة من يواجه مشكلات ولو صغيرة، لاعتقادهم – الخاطئ – أن إعلان هذا ما من شأنه أن يفتح باب شماتة الأعداء، فتصرفوا كمن أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه، وظلت "عزيزي بيريز"، تستخدم "حلوانة في سلوانة" لتشويه الرئيس مرسي وحكمه، وجزءاً من المسؤولية يقع على الرئيس وحكمه بلا أدنى شك!
ومهما يكن، وما دام هناك جانب بروتوكولي في الأمر، فأنا أخاطبك بـ "عزيزي عبد الفتاح السيسي"، فلست أنت "بيريز"، ولست أنا "محمد مرسي"، حتى يستدعي الأمر أن أبرر بداية خطابي لك على هذا النحو.
فيا عزيزي عبد الفتاح السيسي، اسمح لي أن أصارحك القول؛ وأقول إنني مللت من الكتابة عنك، ومن الاستماع إليك، ومن رؤيتك التي تدفع بالتبعية للكتابة عن شخصك، وصرت كثيرا ما أضبط نفسي متلبساً بأغنية خالدة الذكر سيدة الغناء العربي وهي تشدو: "أنا فاض بيا ومليت".
ويدهشني "عزيزي عبد الفتاح"، أنك لم تمل من نفسك، وبالأمس احتفلت بمرور ثلاثة وستين عاماً من عمرك ، والمعنى أنك ظللت تعيش مع نفسك كل هذا العمر، وأنت تتحمل نفسك، وتطيق أن تنظر إليك كل يوم في المرآة مرة على الأقل، وكم هي شفقتي على أسرة أنجبتك، وأخرى أنجبتها، وعشت مع هذه وتلك سنوات وسنوات، فهل صحيح أنه لم يتسرب الملل إلى الأسرتين، ومنهم من قضى نحبه ومنهم ينتظر؟!
ربما لا تعلم، يا عزيزي عبد الفتاح، أنني سعدت بالثورة، وكنت قد قررت أن أبتعد عن السياسة، فلا تصبح هي شغلي الشاغل، وقررت أن أكتب بعدها قصة حياتي بمناسبة مرور ربع قرن على عملي بالصحافة قريباً من السياسة، وفي كثير من الأحيان منغمساً فيها، وأتفرغ للكتابة الأدبية، وأجرب حظي في مجال الكتابة الدرامية، وهي مربحة.
وينصحني كثيرون بخوض هذه التجربة وتلك، وأفكر وأتراجع، وأدبر وأقدم، ولي كتابات كثيرة بعيداً عن السياسة، أعتز بها، واعتبرت أن بنهاية عصر الاستبداد، فقد آن الأوان للتركيز بعيداً عن السياسة، التي قررت أن أقصرها على عضوية البرلمان.
وإذ تلاعب الإخوان بعواطفي الجياشة، وأبعدوني من قائمة التحالف، فقد اعتبرت أن الخير قد يكون كامناً فيما أراه شراً، وهو تلاعب لأن إعلان الإبعاد كان بعد أن "عشموني بالحلق"، وأخبروني بقرارهم قبل إغلاق باب الترشيح بيومين، فلا يكون بإمكاني خوض الانتخابات على قائمة أخرى، ولم يكن لأسباب عائلية يصلح خوضها على المقعد الفردي!
وهو تلاعب تم مع غيري أيضاً، وفي الوقت الذي قبلوا وساطة مجلسكم العسكري، فأخلوا دائرة لـ "مصطفى بكري"، وهو ما لم يفعلوه مع آخرين، دعك مني، فأنا لست حليفاً استراتيجياً، لكن لم يفعلوها مع إسلاميين، مثل شيخنا الدكتور محمد الصغير!
عزيزي عبد الفتاح..
لقد كان يشغلني قبل الثورة، وربما من منطلق مهني، أن يحدث التوريث، فلا نتمكن من معرفة كثير من أسرار المرحلة، بموت أطراف هذه الحوادث إذا وسد الأمر لنجل الرئيس مبارك، فيستمر فرض الصمت عليهم، ورغم الحراك السياسي بعد سنة 2004، وتجرؤ الناس بالهجوم على مبارك والتوريث، فإن هناك خطوطاً حمراً لم يكن يُسمح بتجاوزها.
واعتبرت الثورة فرصة لينطق هؤلاء، لكن المجلس العسكري قاد الفوضى في البلاد، فشغلنا بالخوف على الثورة، إلى أن وقع الانقلاب، فمثل خطراً، ليس فقط على الثورة ومطالبها، ولكن على الأمن القومي المصري!
ولأول مرة، يا عزيزي بيريز، عفواً أقصد عزيزي عبد الفتاح، نفاجأ برئيس عسكري كامل الأوصاف العسكرية، يفرط في الأرض، وفي مياه النيل، وكل هذا من أجل إسرائيل، وله فيها مآرب أخرى، من بينها استحواذه على الشرعية الخارجية، من الباب الصهيوني، وأيضاً حمل الاتحاد الأفريقي على العدول عن قراره بتجميد عضوية مصر، فكان منح أثيوبيا موافقة مصرية على بناء سد النهضة، بدون أي شرط أو قيد!
فتراجعت لكل هذا كل خططي ومشروعاتي الخاصة، فلم تعد الكتابة السياسية بالنسبة لي ترفاً، بل واجب الوقت، وصارت جهاداً في سبيل الله والوطن، وقد فرض علينا ذلك وهو كرها لنا!
عزيزي عبد الفتاح السيسي...
لقد أصبح ظهورك مزعجا لنا، رغم ما فيه من فكاهة بصفتك منتج المادة الخام منها، وعلى نحو قضى على الكتابة الساخرة، وكثير مما تفعله يضحك الثكالى، ويتغنى به الركبان!
لن أخفيك سراً، عزيزي عبد الفتاح، أنني لم أكن قد شاهدت مهرجانك الأخير كاملاً، فقد تشبعت من رؤيتك، وأنت باعتبارك طبيب الفلاسفة تعلم المرحلة الثانية بعد مرحلة التشبع؟.. قالها عبد الحليم قنديل لحسني مبارك، واعتبرته تجاوزا لا يليق، وأنا لا أحب التجاوز!
كنت في أستوديو "الجزيرة مباشر"، وعند أول طلة لضباط في الجيش، ظننت أنه مشهد يسخر من الجيش على السيوشيال ميديا، لصديقنا الفنان "عطوة كنانة" وأنا أسمع هذا الهتاف "مقدم مقاتل قائد خط الجمبري يا أفندم".. إنه يا إلهي نفس صوت الضباط في الاستعراضات العسكرية، لأن "خط الجمبري" هذا لابد أن يكون من باب التقليد بتصرف وسخرية، فهل وصل الحال بـ "عطوة كنانة"، أن يسخر من جيشنا خير أجناد الأرض بهذا الشكل؟!
لكن بتكرار الهتاف، وقفت على أنه مشهد حقيقي، ووجدتك يا عزيزي عبد الفتاح بشحمك ولحمك، فأي عبث هذا؟!
عزيزي عبد الفتاح السيسي...
وقد مللت من الكتابة عنك، بل ومن رؤيتك، وأنت تعلم المرحلة التالية بعد التشبع، فلدي اقتراح أرفعه لك:
بحسب قانون العاملين في الدولة، وأنت على رأسهم بطبيعة وضعك الوظيفي، لكم ثلاثة أسابيع أجازه سنوية، وثلاثة أيام عارضة، وأسبوع مرضي، لنكملهم شهراً كاملاً. فما رأيك في أن تغيب عن وجوهنا شهراً كاملاً، تتوقف فيه حكومتك أيضاً عن أفعالها المزرية، فلا نراك، ولا نكتب عنك، ولا نعترض طريقك!
شهر أجازه، فأعتقنا من طلتك البهية لوجه الله.